رياض معسعسصفحات سورية

لا تمهلوا حاكم قاسيون!


رياض معسعس

تطالعنا الأيام تلو الأيام، بعد أشهر ثمانية من انطلاقة الثورة السورية المباركة، أن الحاكم في قصر قاسيون لم يرتو بعد من دماء الشعب في سورية، ولم يع بعد أن الثوار الأبرار قالوا كلمتهم وتوكلوا على الله: ‘الشعب يريد إسقاط النظام. ولن يتراجعوا عنها. ويأبوا إلا أن ينحتوا حلمهم المتجبر بالحرية، ويطرقون بابها بأيديهم المضرجة. فدم الشهداء لا يتحول إلى ماء بين ليلة وضحاها.

فصمت الشعب السوري، خلال أربعة عقود ونيف من حكم وحشي فتاك، لم يكن سوى صمت بحور يمور في إعماقها إعصار هادر، وتحمش في جوفها نار جهنم. فقد شاب جيل وهو يكسر قيده عن معصمية. ولم يتيقن، وحش قاسيون بعد، أن موسم سقوط الطغاة قد بدأ، فالثورات العربية يتناسل بعضها من أرحام بعض. والشعوب العربية بأكملها ترى اليوم أن رؤوسا قد أينعت وحان قطافها. نظام عفن عطن، وشعب ثائر لن يهدأ له وطيس، يتعاقبان في الميدان، جولة بجولة، وصولة بصولة، فهو من بأس إلى بأس، والشعب من نصر إلى نصر.

ولم يتعظ وحش قاسيون ممن، على درب السقوط سبقوه، من هارب، غير لاو على شيء، خشية أن يمنى بفادح، ومسجون متمارض مسجى على سرير سيار خوفا من حكم فادح، إلى مسحول معروض جثة هامدة في ثلاجة الكراث والثوم والبصل بعد أن أغلظ بالأيمان أن يسحل شعبه بيت بيت، زنقة زنقة.

كأن كوكبة الطغاة العرب من كوكب واحد، لم يحسبوا يوما حسابا، وهم الذين كانوا يوما يسيرون شعوبهم في طاعتهم صفا صفا، بإشارة من سبابتهم، أن في تعاليهم تهاويهم. وما زال وحش قاسيون يأمل أن يقضي على هذه الثورة، بتصعيد وتيرة القتل، ومضاعفة أعداد المعتقلين وتعذيبهم عذاب الجحيم حتى الموت، تماما كما فعل أبوه في حماه، وتدمر، وعدة مدن سورية أخرى.

لكن الثورة لن تهدأ، فمقلة التاريخ تتبع هذا الشعب الأبي، الذي حارت البرية فيه، فرغم سياسة ذي الدمار الوحشية، لم يعتريه كلل، أو يصيبه ملل. فإلى متى سيبقى وحش قاسيون مصرا على نشر آلته العسكرية (التي دفع الشعب السوري ثمنها من عرقه وجوعه كي تذود عن أرض سورية من أي عدو خارجي، وليس ليقتل بها) وأجهزة مخابراته، وشبيحته لتعيث فسادا، وقتلا، وتنكيلا بشعب أعزل لا يملك من أسلحة المجابهة سوى كلمة: ‘الله وأكبر على الظالم’، وبنداءات استغاثة بعرب وعجم، ولا من مغيث. وإلى متى سيظل معتقدا بأن حيله، وكذبه، وخداعه ستنطلي على الناس، فصور الدبابات تقصف، وتعصف ببيوت السكان الآمنين، والقناصة تقنص المتظاهرين، وكأنهم في رحلة صيد حيوانات برية، لأصدق أنباء من كل ادعاءاته، ومئات الآلاف التي تصدح حناجرهم بصوت: ‘حرية’ ليسوا من سكان المريخ، فله أن يكذب النور، وينعته بالظلام، ولكن أيعمى المبصرون عن الضياء. فمهما تكبر وتجبر، فإن الأمور صائرة إلى مصائرها، وعجلة التاريخ لم تتعود العودة إلى الوراء. فالعهد الأسدي الوحشي بات من مخلفاته، فالشعب السوري لن ينسى ما كان فيه من قلة وذلة، ولن يغفر لمن فرض عليه ليلا بهيما دام نصف قرن، وجعل من سورية فردوس النهب المتعاقب، وهو لن يغفر أبدا لمن أحل سفك دمه في الأشهر الحرم. فهو لن يخطئه يوما أنى اعتصم. فما أصعب أن تدجن شعبا أقسم أن يخلق من نبض دمه مستقبلا جديدا. وسينفلق صبح سورية، فليلها البهيم في اللحظات الأخيرة من احتضاره. فما على السفاج ذي الدمار سوى الرحيل فقد انتهى الطريق. فواعرباه، واعرباه، إذا استوعبتم درس التاريخ، فلا تمهلوا حاكم قاسيون.

‘ كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى