صفحات سوريةمصطفى كركوتي

لا حلول لأزمة الغرب مع إسلامييه إلا من داخله/ مصطفى كركوتي

 

 

ظاهرة التطرف الإسلامي في الغرب (ما عدا بعض إسكندينافيا) ليست جديدة، بل هي جزء من حالة تطرف ديني أوسع، حيث يزداد عدد المتطرفين منذ الثمانينات في ظل غياب شامل تقريباً لدور فاعل لمؤسسات الدولة الوطنية والمجالس المحلية في معظم مدنه. ويعكس هذا فشل كل من المؤسسات الرسمية، سيما حاضنات التعليم، والمؤسسات المجتمعية بكل أشكالها تقريباً. فمنذ جريمة «قاعدة» أسامة بن لادن ضد برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك و»البنتاغون» في العاصمة الأميركية واشنطن، توالي غالبية أصحاب القرار السياسي في الغرب الفشل في التوصل إلى نتائج ذات معنى، وهم يسعون لتوضيح الفارق بين الاسلام والجهاد وبين الايمان والدين.

ويظهر هذا الفشل جلياً باستمرار في الغرب، سيما في بريطانيا وفرنسا، عند كل حادثة خطف أو قتل رهينة. وأفضل تعبير عن الفشل تصريحات أخيرة لوزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، إذ أشارت في خطابها أمام أعضاء المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الحاكم في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) في برمنغهام، إلى نص قرآني يشرح «السماح» ويشجع على المحبة وكيف أنه «لا إكراه في الدين». وأوضحت كيف أنه يتحتم على السياسيين أن يفكروا وهم يحاولون فهم ما يجري بأن «الإسلام هو دين سلام ولا علاقة له بأيديولوجية أعدائنا (أي الإسلاميين)». لكنْ لسوء الحظ، فالمشكلة التي يبدو الغرب منهمكاً فيها، تتبدى في طرحه الأسئلة الخاطئة.

فالمسألة ليست ما إذا كان الإسلام دين محبة وسلام وتكرار أن غالبية المسلمين معتدلون. فالسؤال الذي تغفله الألسنة هو لماذا إذن يوجد متطرفون في هكذا ديانة معتدلة وسمحاء ومحبة للسلام؟ بل أكثر من ذلك، يجب أن يكون السؤال الأهم، عندما يكون الحديث عن حالة تجري في عقر الدار وفي وضح النهار: ماذا تفعل الحكومات الغربية والسلطات المحلية إزاء هذه الحالة وكيف تتعامل معها؟ فلماذا مثلاً، تقوم شابة مسلمة مراهقة عمرها 15 سنة، بريطانية المولد والنشأة والثقافة في مدينة بريستول الساحلية، وتدعى يسرى حسين، بهجر بيئة الفرح والمستقبل الواعد في بريطانيا إلى ظلام «الدولة الإسلامية – داعش»؟ هذه الحالة جديرة بعقد الندوات المباشرة أو إثارة وسائل الإعلام سواء المحلية والوطنية لها.

يسرى حسين كانت خبراً إحصائيا في وسائل الإعلام فحسب، ولم تجر أية مناقشة جادة لهذه الحالة على رغم أنها إبنة لأسرة مهاجرة إلى بريطانيا قبل عقود ثلاثة. لم تأت الوزيرة ماي على ذكرها على الإطلاق في خطابها السنوي أمام مؤتمر حزبها، وهي ليست المسؤول الأول الذي يفعل ذلك ولن تكون الأخير. رئيس وزرائها، ديفيد كاميرون فعل ذلك، وكذلك فعل في مناسبة أخرى رئيس الوزراء السابق توني بلير، المبعوث الدولي الحالي إلى الشرق الأوسط. فهو اعتبر ما يجري بمثابة «إنحراف عن الإيمان» ورأى ان من يفعل ذلك «يهــــدف إلى الإساءة الى الدين». والحقيقة أن ما يزعـــــــمه بلير هو نفسه إساءة للمنطق، فمن هو بلير كي يعطي نفسه صفة الحكم ليُفْتي بشأن سلوك المسلم ويقرر من هو المسلم الجيد ومن السيّء؟ ليس مفاجئاً بالطبع أن تصدر «فتوى» من شخص مثل بلير الذي أعلن صراحة أن قراره خوض الحرب في العراق كان في شكل ما «إلهيّاً» وأنه استمد الإلهام من إيمانه المسيحي. بلير الذي تحول كاثوليكياً في كانـــون الأول (ديسمبر) 2007، قال في مقابلة مع تلفزيون «آي تي في» حينئذ إن قراره خوض الحرب «سيحكم الله في شأنه».

إنها مشكلة حادة بالفعل أن يمنح بلير أو ماي، أو أي مسؤول آخر، الحق بالفصل في من هو مسلم «جيد» ومن هو «سيّء». لكنْ من المرعب حقاً أن نعلم أن ثمة 500-600 من المسلمين البريطانيين، معظمهم من الشبان وبعضهم في سن المراهقة وبينهم حوالى 70 أنثى، يلتحقون بإرهابيي «داعش». كذلك صدّرت فرنسا وحدها نحو 1600 من مواطنيها المسلمين بينهم عائلات كاملة. ونشرت مجلة «الإيكونوميست» في حزيران (يونيو) الماضي أن ثمة 3000 أوروبي في شمال سورية وشرق العراق فقط، وهناك أكثر من 1000 إرهابي قدموا من بلاد الشيشان. وأعلن عن أن أحد هؤلاء ويدعى أبو عمر الشيشاني، عُيِّن قائداً لقوات «داعش» في قطاع سورية الشمالي في 2013.

وكانت الصحافة الأميركية تحدثت عن وجود نحو 100 أميركي في جيش «داعش». إلا أن الصدمة الأكبر فهي أن القادمين من تونس يشكلون العدد الضخم والأعلى بين أجانب «داعش»، وتونس الدولة التي قدمت نفسها إلى المنطقة والعالم على أنها علمانية وعصرية وأقامت مجتمعاً متحرراً في سنوات الاستقلال الأولى. هكذا يوجد في «داعش» نحو 3000 من أبناء وبنات تونس. ويتحدد دور كل عنصر في «داعش» وفقاً لخلفيته وثقافته، حيث يأتي غير الناطقين بالعربية في أسفل القائمة، إذ توكل لهؤلاء المهمات الانتحارية نظراً لنقص المهارات لديهم.

الإرهاب الإسلامي أو الجهادي ليس جديداً في الغرب، إذ شهدنا تزايداً في عدد المنضمين اليه في السنوات الأخيرة، بل منذ الثمانينات، تحت مسمّيات وأشكال مختلفة. إلا أن الحكومات والسلطات المحلية لم تأخذ هذه الظاهرة على محمل الجد طوال العقود الثلاثة الماضية إلى أن استيقظت فجأة على واقعها المرعب في تموز (يوليو) 2005 عند وقوع الهجمات الإرهابية الواسعة والمنسقة على نظام النقل والمواصلات في العاصمة لندن. المهاجمون جميعاً كانوا بريطانيين مسلمين: ولدوا ونشأوا وتعلموا في مؤسسات ومدن بريطانية. لكنْ مضى عقد تقريباً على تلك الهجمات ويبدو أنه لم يتعلم أحد من ذاك الدرس، كما لم يتقدم أحد حتى الآن بإجابات حول أسباب تزايد التطرف والراديكالية بين مسلمي بريطانيا وأوروبا!

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى