صفحات العالم

لا خسارة شاملة لبشار الأسد ونظامه؟

1- 

    سركيس نعوم

تداولت الأوساط السياسية ثم الاعلامية أخيراً اخباراً، أو “معلومات” وتحليلات، تنطوي على تفاؤل بمستقبل النظام السوري ورئيسه بشار الأسد وذلك بعد اشهر طويلة من القلق عليهما بسبب عجزهما عن قمع الثوار وعن استعادة “الجغرافيا” التي استولوا عليها وكذلك بسبب تمسك المجتمع الدولي باستثناء روسيا والصين، والمجتمع الاقليمي باستثناء ايران، والعالم العربي باستثناء الجزائر، بضرورة تنحي الأسد كي تصبح التسوية السياسية بين السوريين معقولة.

ماذا تناولت الاخبار و”المعلومات” والتحليلات المشار اليها؟

ركزت اولاً على استمرار ميزان القوى عسكرياً “طابشاً” في مصلحة نظام الأسد. فقواته النظامية لا تزال جاهزة للقتال، وترسانته العسكرية لا تزال متفوقة على ترسانة الثوار وقد تبقى كذلك طويلاً. وقواته غير النظامية باتت اكثر تدريباً وتنظيماً وقدرة على تنفيذ أعمال عسكرية مهمة مع استمرارها في مهماتها الأساسية. فضلاً عن ان عشرات الآلاف من الموالين للنظام، وقد تكون غالبيتهم من “عصبيته الفئوية”، انضموا الى قواته المقاتلة، في حين أن الثوار بدأوا يعانون جراء عدم حصولهم على الأسلحة التي تمكّنهم إما من حسم المعركة مع النظام لمصلحتهم، وإما من تسديد ضربات موجعة وقاتلة اليه.

وركزت ثانياً على التزام روسيا، ومعها الصين وإن بدرجة أقل، الدفاع عن نظام الأسد في المحافل الدولية وتزويده الأسلحة والذخائر التي يحتاج اليها، ومساعدته في تدبير الأموال التي بدأت تشح لديه، وبذلها الجهود الضرورية لجعله طرفاً في أي تفاهم دولي يؤدي الى تسوية للحرب في سوريا اذا كان تعذّر عليها تمكينه من الانتصار.

وركزت ثالثاً على قمة مرتقبة خلال اسابيع او اشهر قليلة في رأي اصحابها ومروّجيها بين الرئيس الاميركي المجدَّدة ولايته باراك اوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبرة انها ستنتهي باتفاقهما على قضايا خلافية عدة في مقدمها وضع سوريا، وذلك بعدما بدأ “الانتشار الارهابي الاسلامي” في أوساط الثوار السوريين. وهذا أمر يرفضه الرئيسان المذكوران معاً.

وركزت رابعاً على التزام الجمهورية الاسلامية الايرانية تقديم كل شيء لنظام الأسد بغية الصمود اذا كان انتصاره متعذراً، أو بغية جعل سقوطه وانهياره جزئياً. ويعني ذلك ان المسؤولين في طهران لن يكتفوا بالتمسك بالأسد حتى سقوطه. لكنهم سيمنعونه من السقوط الكلّي سواء بقيت معه روسيا أو تركته من اجل اتفاق مصالح مع اميركا. واذا عجزوا عن ذلك بسبب تقدم الثوار ونمو ترسانتهم العسكرية وحصولهم على الخبرة والتدريب اللازمين، فانهم سيدعمون تحوّله “الى المربع الجغرافي” لطائفته بعد توسيعه لكي يتصل مع لبنان من جهة البقاع الشمالي، ولكي يتصل مع ايران عبر العراق من جهة حمص. ونجاحهم في ذلك يعني امرين: أولاً، استمرار وجودهم (ومعهم موسكو ربما وبدرجة اقل الصين) في قلب الشرق الأوسط وعلى حدود اسرائيل اي في سوريا ولبنان. وثانياً، الحاجة اليهم للتوصل الى حل لأزمة الحرب السورية بل للوضع الاقليمي المتفجر كله. وركزت الأخبار و”المعلومات” والتحليلات نفسها خامساً على نجاح مسعى توفيقي تقوم به موسكو بين واشنطن وطهران يتناول قضايا خلافية عدة بين العاصمتين الأخيرتين ابرزها على الاطلاق الآن الملف النووي الايراني، وفي هذا المجال يقول مروّجو الأخبار و”المعلومات” والتحليلات اياها ان اتفاقاً أو بالأحرى شبه اتفاق تم التوصل اليه حول الملف النووي. وهو يقضي بتجميد ايران الاسلامية الموضوع النووي أو بالأحرى النشاط النووي، وهذا أمر يريح اميركا، في مقابل اعتبار الرئيس السوري بشار الأسد الذي هو، ومنذ نيف و22 شهراً، جزءاً من المشكلة بل المفجّر لها، جزءاً من الحل او من التسوية عند البدء في البحث في أي منهما سواء بين السوريين انفسهم او مع المجتمع العربي والاقليمي والدولي. وهذا أمر يريح ايران ومعها روسيا”.

هل الاخبار و”المعلومات” والتحليلات المفصّلة أعلاه صحيحة أم هي جزء من “بروباغندا” (دعاية صارخة)، رمتها جهات سورية أو حليفة لسوريا في سوق التداول السياسي والاعلامي في لبنان، وذلك بغية استنهاض همم حلفائها من اللبنانيين، ودفعهم الى التمسك باقتناعاتهم وسياساتهم في المواجهة الشرسة وإن سياسية حتى الآن التي يخوضون مع اخصامهم السياسيين كي لا نقول اعداءهم؟

2 – السعودية وقطر باقيتان مع “الثوار”… والأردن

متابعو المواقف الدولية من الأزمة – الحرب السورية يعتقدون ان ما تضمنه “الموقف” يوم امس من معطيات تؤكد التفاؤل بمستقبل النظام السوري الكثير من “البروباغندا”  والفكر الامنياتي.

اما الأسباب التي برّر بها الموالون للأسد تفاؤلهم فإن هؤلاء المتابعين يعلّقون عليها بالآتي:

1- ان التذرع بميزان القوى العسكري “الطابش” في مصلحة نظام الاسد لا يكفي للقول انه سينجح في القضاء على الثورة السورية. فهو عنده جيش يمتلك الأسلحة الكيماوية والآليات العسكرية والمدفعية الميدانية والصاروخية والطائرات الحربية، ولا تنقصه الذخائر. لكنه رغم ذلك اخفق في ضرب الثورة، وفي منع تمددها شعبياً وجغرافياً. علماً ان سلاح الثوار لا يقارن من حيث النوعية والفاعلية بسلاح النظام. وعلماً ايضاً ان المجتمع العربي والاقليمي الذي يؤيدهم بقوة لا يبدو سخياً، سواء في مدهم بالمال لشراء الأسلحة أو في تزويدهم ما يحتاجون إليه منها لتوسيع سيطرتهم الجغرافية وربما لاسقاط النظام. لكنه يُقدِّم اليهم ما يكفي لمنع انكسارهم، وللاحتفاظ بالتقدم الذي حققوه خلال 22 شهراً ولزيادته ولكن بكثير من البطء.

2- ان انتشار “الارهابيين” في اوساط الثوار السوريين، اي الاسلاميين التكفيريين (بين خمسة وعشرة الآف مقاتل) لم يكن السبب وراء التقدم المشار اليه اعلاه الذي حققه الثوار. ولا يمكن ان يكون في كل الحسابات والمقاييس. وذلك يعني ان اصحاب  التقدم الحقيقي على الارض ضد النظام هم من الشعب السوري المُصمِّم على التضحية بكل شيء من اجل التخلص من نظام الاسد. طبعاً لا يمكن انكار ان “الارهابيين” اثاروا قلقاً عند المجتمع الدولي وربما عند المجتمع العربي المؤيديْن للثورة. لكن ذلك لم يدفعهما ولن يدفعهما الى العودة الى تأييد النظام المذكور من جديد. وسواء صحَّت الاخبار “المسربة” من الموالين له عن زيارة قطب من جهاز امني غربي لدمشق، أو عن اجتماع امني سعودي – سوري على ارض الاردن (وأمور كهذه تحصل بين اعداء، وفي اثناء الحروب بينهم احياناً كثيرة) او لم تصحّ فان المعلومات الثابتة عند المتابعين انفسهم للمواقف الدولية من الأزمة – الحرب السورية تؤكد اولاً عدم تغيّر موقف فرنسا الداعم للثوار والمؤيد لتنحّي الاسد وإسقاط نظامه. وتؤكد ثانياً ان المملكة العربية السعودية لم تغيّر موقفها السلبي من الاثنين والايجابي من الثوار. ذلك انها تخوض معركة جدية ضد خطر كبير عليها تمثله ومن زمان ايران الاسلامية وحليفها نظام الاسد و”حزب الله” اللبناني. وهي ليست في وارد التراجع رغم التردد احياناً في تقديم الدعم المالي والسلاحي بسبب ضغوط واشنطن او نصائحها. وهي نابعة اساساً من عجز الثورة عن فرز قيادة جدية لها رغم رعاية المجتمع الدولي الغالبية الساحقة لمجموعات المعارضة السورية. كما انها نابعة من حرص على إعداد وضع سوري معارض يكبح جماح التكفيريين قبل الاندفاع في معركة الإجهاز على النظام. علماً ان اميركا تعرف ودولاً اخرى غيرها ان مجيء هؤلاء الى ارض سوريا بعضه عفوي تطوعي، وبعضه الآخر يُسهِّله النظام لإثارة قلق بل خوف العالم من تحوّل سوريا ملاذاً آمنا للتطرف الاسلامي التكفيري اي للارهاب. وتؤكد المعلومات نفسها ثالثاً ان الاردن وتحديداً نظامه الخائف وعن حق من إسلامييه الذين حرّكهم ومنذ اشهر “ربيع سوريا القاني” كما ربيع الدول العربية الاخرى، والخائف تحديداً من انتصار اسلامي في سوريا معتدلاً كان او متشدداً، تؤكد انه لن يخرج عن تحالفاته الخليجية وعن تحالفه الاميركي، وانه لا يزال يقوم بكل “واجباته” تجاه ثوار سوريا ولكن بعيداً من الإعلام. اما اسرائيل التي وقّع معها معاهدة سلام في النصف الاول من تسعينات القرن الماضي، والتي لا مصلحة لها في نهاية نظام الاسد بسبب التقاء قديم للمصالح معه، فانها لا تستطيع مساعدته. ولذلك فإنها لا تمانع في تحوّل الثورة حرباً اهلية، وهذا ما حصل، وفي استمرارها سنوات بغية الغاء “سوريا التهديد” لها من المعادلة العربية. وفي الوقت نفسه فإنها ستحاول الدفاع عن الاردن الى ان يحين أوان الحلول النهائية في المنطقة. طبعاً ومن أخبار “البروباغندا” ان قطر اختلفت مع السعودية بسبب سوريا وإنها قد تعود الى الاقتراب من ايران حليفة الاسد. إلّا ان معلومات المتابعين انفسهم تنفي ذلك جملة وتفصيلاً.

ماذا عن المواقف الروسية والاميركية والايرانية التي تضمنتها “بروباغندا” الموالين للاسد؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى