صفحات العالم

لا “داعش” ولا واشنطن/ أمجد ناصر

 

 

لا حركة فعلية، على جبهة الحل السياسي في سورية، ولا اختراق عسكرياً، أيضاً. كل ما هنالك أن النظام السوري يجني فوائد “موضعية” من ضربات “التحالف” قواعد “داعش” و”النصرة”، وهذا لا يغيّر كثيراً في وضع القوى شبه المستقر على الأرض. الحل السياسي في سورية ممكن أكثر من أي وهمٍ بحسم عسكري، لصالح النظام أو المعارضة، لكنه لا يزال بعيد المنال، والأمر، كما يعرف الجميع، يتعلق بـ”تفاهمات” و”تسويات” خارجية، لا تلعب فيها “الأطراف” المحلية أدواراً حاسمة، بما في ذلك نظام بشار “الطرف” العسكري الأقوى في المعادلة. الحل في سورية خارج سورية، وليس في أيدي السوريين، بمن فيهم بشار نفسه، المتشدّق بالسيادة والاستقلال في الرأي والقرار. ولا يشكل وضع دي ميستورا، بعد فشل مهمتي الأهم منه، كوفي أنان والأخضر الابراهيمي، دفعاً على سكة الحل السياسي. القصة أن “العالم” يريد القول إنه لم يتخلَّ عن محاولات الحل السياسي، وإن تركيزه منصبّ، الآن، على قتال “داعش”، لم يصرفه عن مأساة الشعب السوري، وربما للايحاء بأن بشار لا يزال طرفاً في “الأزمة”، وليس طرفاً في الحلف الدولي ضد الإرهاب. فالكل يعلم أن لا قدرة لمبعوث دولي، مهما علا شأنه، على إخراج سورية من الظلمات بقدراته الذاتية، فالأمر منوط بتوفر “توافق” بين أجندات ومصالح تتصارع على الأرض السورية (والعراقية استطراداً)، ولا يبدو أن هناك فرصة متاحة، حالياً، لهذا النوع من التوافق الذي قد يوقف الحرب في سورية بمكالمة هاتفية.

متى يمكن لهذا “التوافق” أن يتوفر؟ الجواب يكمن، في ظني، بما ستسفر عنه الحرب الأميركية الجديدة على الإرهاب، وهذه عكس سابقاتها، تأتي بناء على ما يشبه المناشدة العربية الرسمية والشعبية، لدحر الذين يجزّون الأعناق أمام الكاميرا. ولكن، لا “المناشدة” “المساعدة” العربيتان كفيلتان بإحداث فرق حقيقي في نتائج هذه الحرب. لذلك، على العرب ألّا يفاجأوا بأن تسفر الحرب الجديدة التي لا تزال تستجمع حديدها الجرّار من جهات شتى، عن تقاسم نفوذ، مرة ثالثة، بين طهران وواشنطن. فمن قبل، حصل هذا “التقاسم” في أفغانستان، على الرغم من أن السعودية دفعت لدحر الشيوعيين “الكفار”، وحدها، نحو عشرين مليار دولار، وبعدها سلمت أميركا العراق كاملاً إلى إيران، على الرغم من أن الحرب الأميركية عليه انطلقت من أراضٍ عربية. فالطرفان القادران على الحسم في المسألة السورية هما واشنطن وطهران، وأي طرف ثالث، بما في ذلك موسكو، مجرد “عامل مساعد”.

لبنان، سورية، العراق، اليمن، البحرين، وربما نصف فلسطين، هي أوراق إيران على مائدة المفاوضات، عندما يحين حينها، أو عندما يربط الإقليمي بالشأن النووي في المفاوضات بينها وبين الغرب، فماذا لدى العرب الذين تدورالحروب على أرضهم؟

لا شيء. لدى بعضهم “داعش”. ولدى آخرين واشنطن. وهذان خياران، أحلاهما مرّ. “داعش” كارثة على كل المستويات، ومن يشدُّ أزره بها كمن يرمي بنفسه إلى التهلكة، أما واشنطن فهي لا تقطع الرؤوس أمام الكاميرا، لكنها أخرجت بلداً عربياً، كالعراق، من التاريخ، وربما الجغرافيا، بعدما أحدثت فيه دماراً وتفتيتاً في نسيجه الاجتماعي، وجعلت منه لبنان آخر في المحاصصة الطائفية التي يصعب أن يخرج من نفقها المظلم لأمد طويل. لم تقطع واشنطن عنقاً أمام الكاميرا، ولكنها دكت مدناً بـ”التوما هوك”، وكانت في صميم كل حروب إسرائيل ضدنا.

لا “داعش” التي فتحت باباً لحرب جديدة علينا، ولا أمثالها، خيارنا ولن يكونا. ولا واشنطن التي كما خرجت من باب في المنطقة عادت من الشباك، هي حليفنا. فحليف إسرائيل، بل ضامنة وجودها في الحياة، لا يمكن أن تكون حليفاً.

ما حكّ جلدك مثل ظفرك. ولكن، ألم نقصف ظفرنا، قبل أن يشتدَّ عوده ويتصلَّب؟

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى