صفحات العالم

لا سوريا تغيرت ولا العالم!


طارق الحميد

المجزرة التي يرتكبها نظام الأسد بحماه اليوم وسط صمت عربي محزن، وتقاعس عالمي، حيث لا قرارات جادة، تعني أنه لا النظام السوري تغير، ولا المجتمع الدولي.

فردود الفعل على مجزرة حماه الثانية توحي أنه بإمكان بشار الأسد، ونظامه، أن يفلتا من جريمة ترتكب اليوم ضد الإنسانية مثل ما أفلت الأب عام 1982، وإن كانت الأعذار عن التقاعس العربي والدولي كثيرة وقت المجزرة الأولى، مجزرة الأب، مثل غياب الإعلام المستقل، والظروف المحيطة، وخلافه من الأعذار الواهية، فإن مجزرة الابن اليوم تحدث أمام أنظار العرب، وهم سجد ركع في هذا الشهر الفضيل، لكن دون أن يقفوا وقفة حزم، وكل ما يصدر إلى اللحظة هو عبارات منمقة تصدر على استحياء، بل إن هناك من لا يبالي بوقوفه مع النظام ضد الأبرياء، فها هو لبنان يقف صفا واحدا مع نظام دمشق، حيث تحولت حكومة لبنان إلى حكومة نظام الأسد، مثلما باتت مراكز لبنان الاقتصادية أيضا مراكز للنظام السوري، والأمر نفسه بالطبع ينطبق على العراق، مما يؤكد أن العالم، ومنه منطقتنا، لم يتغير، فمن كانا يشكوان من سوريا الأسد، الأب والابن، هما من يقفان مع النظام السوري اليوم، والأسباب واضحة بالطبع وهي التخندق الطائفي، حتى وإن قتل النظام مواطنيه السوريين، ومنع صلاة الجمعة!

أما المجتمع الدولي، ورغم كل الحديث عن الديمقراطية والتغيير، فها هو أيضا يكتفي بالإدانة اللفظية، وحري القول إن نظاما قمعيا مثل نظام الأسد لا يفهم لغة الإدانات، بل يرى فيها إشارة خضراء لاستكمال جرائمه، ولذا فقد كان الأحرى بمجلس الأمن الدولي أن يصدر عقوبات رادعة بحق النظام، ومنها عقوبات على القطاع البترولي الذي يمول قتلة الشعب السوري، إضافة إلى اللجوء لمحكمة العدل الدولية، وأهمية ذلك تكمن في أنها ستكون رسالة واضحة للنظام مفادها أن طريقه بات مسدودا حتى لو نجح في قمع الانتفاضة الشعبية السورية فلن يكون بمقدوره الحصول على مكان له بالمجتمع الدولي، مثل ما تم بحق صدام حسين بعد احتلاله الكويت، كما أن ذلك يعني أنه لن يكون بمقدور النظام السوري اعتماد الابتزاز مستقبلا كأحد مصادر قوته الخارجية.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن على المجتمع الدولي اليوم إعادة النظر في آلية دخول بعض الدول إلى مجلس الأمن، فهل يعقل أن يمنح لبنان، مثلا، موقعا بالمجلس ليصوت على قرارات أممية وهو لا يملك قراره؟ فالجميع رأى كيف حاولت الحكومة اللبنانية بيع امتناعها عن التصويت بتذاك بليد، حيث تقول لنظام الأسد إن موقفها محرج دوليا، بينما تقول لمواطنيها، والعالم، إن امتناعها يعتبر حيادا إيجابيا! والسؤال للبنانيين هنا: ماذا لو امتنعت دول غدا عن التصويت لمصلحة لبنان أمام اعتداء إسرائيلي بسبب خشيتها من الحرج الدولي، مثل ما فعل لبنان بموضوع سوريا؟ أمر لا يستقيم، وعذر أقبح من ذنب.

ولذا نقول إن ما يحدث بحماه اليوم مفاده أمر واحد وهو أنه لا سوريا الأسد تغيرت، ولا المجتمع الدولي، والعرب، للأسف!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى