صفحات المستقبل

لا طائفية، ولاعنف.


حمادة لاذقاني

أصبح من الضروري اليوم، التأكيد على أن مبدأي اللاطائفية واللاعنف بوصلتان أساسيتان لعمل الشارع، وأنّ الشعب يريد الحياة والحرية معاً، فلا نموت ويحيا الوطن، ولكن نحيا لكي يحيا الوطن. هذا أمر محسوم من قبل الشارع في سوريا، والحديث من وسط الشارع في سوريا. ولكن، يبدو أن الكثير من السوريين في الخارج والقلّة من الداخل تنقصهم بعض التفاصيل ويعوزهم التعمّق في الداخل السوري عن كثب، لفهم المعطيات بشكل لا يقبل التشكيك. وهنا، أشير إلى سبع مداخل لابد من الأخذ بها، للخروج بفهم حقيقي عمّا يروّج له حول الحراك السلمي في سوريا:

1 الرواية الرسمية الكاذبة التي لا تبارح الادعاء بأن عناصر مسلحة تطلق النار على قواتها، وعلى المدنيين. أضف إليها البدعة التي جاء النظام بها حول إمارات سلفية، وأمراء من الطائفة السنيّة يخططون للنيل من الطوائف والأديان الأخرى، ولاسيما أبناء الطائفة العلوية. بعدها، يتدخل فقهاء الدين معارضون وموالون، لدعم هذه السخافات. فرجال الدين بالداخل، من مثل البوطي والحسون حاولوا تجييش التابعين بالحديث عن اللاطائفية في سوريا كأن الحراك السلمي في سوريا ينطلق منها، أو حتى يأخذها بعين الحسبان، ليصدّق البعض من كثرة الكلام عن اللاطائفية، بأن مستقبلاً مجهولا بانتظارهم وخاصة بغياب برامج واضحة لأسماء ومؤسسات بديلة عن النظام. ولم تكن تصريحات رجال الدين في المعسكر المعارض بأفضل، بل إنها تراوحت بين دعوة صريحة للانقياد وراء الاقتتال الطائفي (مثلما صرح القرضاوي بأن الثورة هي حركة سنّة ضد علوية)، وصولاً إلى دعوات لأسلمة الحراك (مثلما دعا العرعور للجهاد).

2 غياب الإعلام بشكل عام، والتشبث بالمهنية من قبل بعض وسائل الإعلام العالمية ذات المصداقية المقبولة بشكل خاص، وإصرار أولئك على استحالة التحقق من مسألة الاشتباك المسلّح بسبب منعها من العمل على الأرض في سوريا. إن الإعلام المهني، رغم وقوفه إلى صف الثوّار، يأتي بأبواق النظام من “الإعلاميين المستقليين” _ولا أعرف هنا أين أضع الحاصرتين_ بحكم غياب إعلام حقيقي يدافع عن وجهة النظر الأخرى، وهذا طالما صبّ في مصلحة الثوّار، لأن دور مقدم البرنامج  كمحام للشيطان، يدعو المدافعين عن النظام إلى مزيد من الأكاذيب التي لم تعد تلقَ أذناً، ولا حتى من أنصار النظام نفسهم.

3 تزايد عدد الفارين من الجيش والقوات المسلحة السورية، واشتباكها المسلّح مع عناصر الأمن التابعة للنظام بسبب بطش الأخيرة (والمثال هروب عدد من أفراد الجيش بسبب منع الخبّاز في درعا من فتح الفرن لمدة ساعة واحدة في اليوم، وبسب ما شوهد من حالات نهب للبيوت من مصاغ وأموال).

4 إمكانية حدوث حالات فردية (التأكيد على فردية مهم للغاية) استُخدِم فيها سلاح خفيف، من قبل بعض المدنيين اللذين فقدوا صوابهم مع فقدان أحبابهم، أي كردّة فعل استثنائية على الجرائم المهولة التي يفظع النظام بارتكابها. وهذه قد تحدث، ويجب محاربة تعميمها على الشارع. هذه لعبة لم ولن تنطلي على أحد، مع أن النظام لا يوفر جهداً لاشتقاق شرعيته في القتل من إثارة هذه النقطة (والمثال الاستفزاز مع القتل في حماه بهدف تفتيق جراح الثمانينيات وجرّ الناس إلى حمل السلاح، والذي قد يكون دافعاً لاستخدام أفراد للأسلحة في جسر الشغور، وبانتظار وصول أخبار أكثر من هناك ومن معرّة النعمان).

5 قيام بعض الأهالي في بعض الأحياء والمناطق، بابتكار وسائل للدفاع (الدفاع، لا الهجوم) عن “حرمتها”، ويمكن هنا عدّ أمثلة لا حصر لها: كلجوء أهالي دوما لمحاجرة رجال الأمن المتوافدين لتأخيرهم عن الدخول كتلة واحدة إلى الحي، واستخدام حواجز من حاويات القمامة والصخور لسد الطرق الفرعية في جسر الشغور، والتأكيد على أن الأهالي لن يكتفوا بالتفرّج على رجال الأمن في حال اختراقهم للمنازل وتدنيس حرمتها في الكسوة، وغيرها الكثير من الطرق المبتكرة والمشروعة بشكل لا يقبل النقاش، للدفاع عن النفس فحسب.

6 وهذه مشينة. الأقاويل والسخافات التي تروج لها بعض الجهات ووسائل الإعلام ذات الطابع الأصولي في الخارج، والمحرضة على الكره والطائفية، وتركيز بعض الأقنية الفضائية وصفحات الإنترنت على نقل شعارات تختارها بانتقائية تصبّ في مصلحة أجنداتها وتوجهاتها، ومن ثم التركيز في نشرها.  وتستغل تلك الوسائل بعض الشعارات التي يعرف الجميع عفويتها في الشارع السوري (من مثل التكبير على الظالم وغيرها من الشعارات التي قد تحتوي على مصطلحات دينية، لا تعدو عن كونها تعابير بسيطة تستخدم في الأرياف بشكل تلقائي وفي أي ظرف، وأذكر مثالاً من حمص، حين قام مسيحيو المناطق المتظاهرة بالتكبير أنفسهم). المشين أكثر، بأن وسائل الإعلام تلك، تتجاهل كل الشعارات التي يأتي بها الشارع السوري لإيمانه بها، مثل شعارات الدولة المدنية، والشعارات التي تقول بوحدة الحال بين أطراف البلاد). والمثال على هذا، إجماع الناشطين على رفض تسمية الجمعة الأخيرة بجمعة العشائر، وقبلها الحرائر، لما تحمله هذه التسميات من ايحاءات ماقبل مدنية. لقد حارب الناشطون التسمية ببيانات ومقالات، لكن دعم بعض أقنية التلفاز وصفحات الفيسبوك للتسميات سواء عن سهو أو لغايةٍ مقصودة، نجّحَ المحاولات تلك، لكن لا يمكن أن نتجاهل بأن الحراك السلمي السوري لا يقوم على مواقع التواصل الاجتماعي ولا تبعاً لورقة عمل سياسية، بل العكس تماماً، فالكل يعرف بأن الحركة السياسية في الشارع السوري تحاول جاهدة اللحاق بالحراك في الشارع _وهي عجزت حتى اليوم_، وأن دَور مواقع التواصل الإجتماعي ينحصر في نقل الأخبار والعمل على رفد الشارع، لا تحريكه. على كلّ، تسمية الجمعة الماضية في الواقع تراوحت بين تسميتين، جمعة الجمهورية (لتزامنها مع ذكرى تحول سورية إلى مملكة)، أو الجمعة المدنية (بسبب إجماع الشارع). دعوة هنا إلى ناشطي المجتمع لتركيز العمل على مسألة التسميات وأخذ دور حقيقي فيها، فالبعض للحق، يغفل هذه التفاصيل إلى حين خروج تسمية ما أو خطاب ما وتبنيه من قبل بعض الأطراف، أي إلى حين فوات الأوان.

7 لا يخفى على أحد بعد اليوم، بأن دور العبادة هي الأماكن الوحيدة التي لا يمكن أن يمنع النظام التجمع فيها، إلا أن بعض الخطابات والبيانات في بداية الأحداث، لبعض الأفراد من النخبة المثقفة في سوريا (مثل أدونيس والسوّاح)، والتي هاجمت الخروج من الجامع بشكل مبالغ فيه، أدت إلى تشكيك البعض من غير المطلع على الشارع، بمدنية الحركة الثورية، ونسي هذا البعض الأخير بأن لهجوم تلك النخبة أسباب يُبحث فيها، ومن بينها: الارتباط بالنظام روحاً أومصلحةً، والفجوة الموجودة أصلاً بين هذه النخب وبين الشارع السوري، وبحث النخبة _التي فوجئت بالشباب في الشوارع أكثر مما فوجئ النظام بهم_ عن تبريرات لرفض الالتحاق بالشارع ، وغيرها. ومع هذا حاول البعض من الشبيبة الشجاعة الردّ على كل مشكك متفلسف، ونظموا مظاهرات أسميها انتحارية من مثل مظاهرات ساحة عرنوس ومظاهرة في الشعلان قبل أيام.

يبقى أن نوضّح بأن المسلمين في سوريا لا يخرجون عن كونهم جزءاً من النسيج السوري، ولا وجود للإسلاميين بالمعنى السياسي بشكل حقيقي في سوريا، وإن شعارات الشارع في المناطق الريفية المسلمة (لا سلفية ولا إخوان)  تكفي لحسم هذا الأمر. أضف إلى ذلك، قناعة أبناء الطوائف والعشائر والأقليات والأكثريات، والتي باتت مطلقة من تجربتها في الشارع، بأن لا نصر بدون إشراك الجميع في الحراك (والمثال هنا إنزال المتاظرين أنفسهم المصاحف التي رفعت في الأسبوعين الثاني والثالث من أيادي من يحاول رفعها في التل، والرموز الدينية كلها التي حملها متظاهرو حمص، عندما ساروا باتجاه الكنائس لتهنئة المسيحيين بيوم الجمعة العظيمة، كما أن أسماء من مثل الجمعة العظيمة وجمعة أزادي بحد ذاتها محاولات متميزة لتوحيد الحال، أضف إلى ذلك الشعارات التي غناها أهل حماه في الجمعة الأخيرة والتي تقول بأن الشعب واحد من القرداحة للصنمين، وهناك اللوحات التي كتب عليها: سوريا تتسع للطفيلن حمزة وحافظ.

في النهاية، لابد من ذكر بأن الدور الذي تلعبه المرأة السورية في الصفوف الأمامية في المواجهة. فلم تكتف المرأة بإطلاق البيانات المدينة والداعية إلى وحدة الشارع، لكنها نزلت إلى الشارع في كل المناسبات، بل ونظّمت مظاهرات نسوية في كل المدن والمناطق. ومن اللافت، مشاركة المرأة المكثفة في الأرياف، بالزغاريد عند حمل الشهداء ودخولهم إلى الساحات في البداية، ثم في النزول إلى الشارع يداً بيد مع الرجال. وأذكر أن في نفس الأسبوع الذي تدفقت فيه بيانات بعض المثقفين المتخوفين من غياب الوعي في حركة الشارع ولاسيما الأرياف قراءةً من شعاراتها، كان المتظاهرون في التل يهتفون بـ: يا ناهد بدوية.. أنت رمز الحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى