صفحات العالم

لا لحزب الله ولا للنصرة/ حـازم صـاغيـّة

 

 

 

الضربة الموجعة التي وجّهتها “جبهة النصرة” لـ “حزب الله” في جرود بريتال تبعث على شيء من الفرح لكنّها تبعث على شيء من الأسى في الوقت ذاته. أمّا الفرح فمصدره انكسار طاووسيّة حزب الله على مرأى ومسمع الذين تعوّدوا، أو عُوّدوا، على التعامل معه بوصفه مصنع انتصارات لا تنضب. وأمّا الأسى فمصدره أنّ تنظيماً آخر، أشدّ أصوليّةً وتزمّتاً، فضلاً عن كونه غير لبنانيّ أصلاً، هو الذي وجّه هذه الضربة لـ “حزب الله”.

فأن تتراجع قوّة الحزب، أو أن ينقشع ضعفه، فهذا يمكن أن يكون مبدئيّاً سبب قوّة للدولة اللبنانيّة. أمّا أن تتقدّم قوّة “جبهة النصرة”، أو أن تنقشع هذه القوّة، فهذا سبب فعليّ للمزيد من إضعاف هذه الدولة الضعيفة واستضعافها.

هنا، لا بدّ من إعادة الاعتبار لمبدأين:

الأوّل، أنّ الوقوف إلى جانب طرف أصوليّ – طائفيّ ضدّ طرف أصوليّ – طائفيّ آخر هو أقرب إلى الذهاب مذهب الخيار الزائف الذي يتعفّف عنه كلّ راغب في بلد يكون سيّداً ومستقلّاً وحديثاً، وفي مواطنيّة حرّة ولائقة.

والثاني، أنّ الوقوف إلى جانب طرف عسكريّ سوريّ، كـ “جبهة النصرة”، يدخل لبنان ويتدخّل فيه ويقتل أو يخطف أفراداً منه، لا يقلّ خطلاً عن الوقوف إلى جانب طرف عسكريّ لبنانيّ، كـ “حزب الله”، يدخل سوريّا ويتدخّل فيها ويقتل أفراداً سوريّين.

والحال أنّ أيّ انحياز عن هذين المبدأين يجعل صاحبه طائفيّاً، يقارب الوضع السياسيّ استناداً إلى خلفيّته الطائفيّة هذه مهما أعطاها أردية وأغطية سياسيّة أو إيديولوجيّة.

وقد يكون مفهوماً أن يشمت لبنانيّون رأوا ويرون سلاح “حزب الله” يصدّع مجتمعهم ويحول دون دولتهم، بالحزب وبالضربة التي استهدفته واستنزفت الكثير من هيبته. وبالمعنى نفسه، قد يكون مفهوماً أن يبدي سوريّون الشماتة نفسها بالحزب إيّاه، بعدما تورّط حتّى أذنيه في الحرب السوريّة وفي قتل السوريّين.

لكنّ البائس هو أن نضطرّ إلى الاصطفاف في هذا الخيار الزائف الذي يقدّمه لنا واقع بالغ التردّي والبؤس. فلا “حزب الله” بديل “جبهة النصرة” ولا “جبهة النصرة” بديل “حزب الله”، ولن يكون طلب “الحلّ” عبر البندقيّة السنّيّة أفضل حالاً من طلبه عبر البندقيّة الشيعيّة أو أيّة بندقيّة طائفيّة أخرى.

ولقائل أن يقول إنّ الأمور تتعرّض للفرز على النحو هذا، وعلى المرء أن يختار. إلاّ أنّ فرزاً كهذا هو أيضاً فرز للعقل والضمير والكرامة الإنسانيّة والوطنيّة، وهذا ما يوجب الاستنكاف عن إبداء الانحياز فيه لأنّ ردّات الفعل والشماتة لا تكفي لبناء موقف كريم ولائق ونبيل.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى