صفحات العالم

لا لحصار سورية… لا لتدويل أزمتها


د. فايز رشيد

حصار عربي على سورية… بهذا يمكن تلخيص ما جرى مؤخرا في الجامعة العربية حول هذا البلد العربي. الحصار في مضمونه وشكله يشبه الحصار الغربي ـ الأمريكي عليها فما يدور حالياً في المنطقة العربية شبيه بما جرى قبيل العدوان الأمريكي- الغربي على العراق، فمن التهديدات الإسرائيلية- الامريكية للبرنامج النووي الايراني، إلى إمكانية قيام الولايات المتحدة ودول الناتو بتكرار ما حصل في ليبيا على سورية، فقرار الجامعة العربية ‘بتوفير الحماية للمدنيين السوريين، وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة’، هذا القرار استكمله الأمين العام للجامعة نبيل العربي بتصريحات قال فيها: بأن الجامعة ستطلب حماية دولية للمدنيين السوريين. العقوبات العربية لسورية لم تقتصر على التدويل فقط بل امتدت الى سحب السفراء العرب من دمشق، والأعتراف الرسمي بالمعارضة السورية كبديل للنظام، والتهديد بممارسة الحصارعليها…وفوق كل ذلك: تعليق عضويتها في الجامعة العربية، وامهالها أربعة أيام (فقط) لقبول (للأنصياع) القرار العربي.

كنا نتمنى لو اتجهت الجامعة العربية فعليا لمحاولة الحل الموضوعي للأزمة السورية دون الاستعانة بالحماية الدولية، فتجربة كل من العراق وليبيا أثبتت وتثبت بما لا يقبل مجالاً للشك: أن الولايات المتحدة ودول الناتو لا تتدخل من أجل حماية المدنيين العرب، وإنما من أجل مصالحها ومن أجل قطف ثمار الثورات العربية، فمن يريد حماية المدنيين لا يدوس رقابهم ببساطير الجنود كما كان المشهد في العراق، ولا يتسبب بقتل مئات المدنيين كما حدث ذلك في ليبيا، الولايات المتحدة ورغم انسحابها المقرر من العراق قبل نهاية العام الحالي، ستبقي قوات كبيرة لها في هذا البلد العربي تحت مسميات مختلفة، هذا عدا عن القواعد العسكرية المتبقية في العراق. في ليبيا حازت العواصم الغربية وبدعم من واشنطن وبمقاسمتها للحصص، على معظم صادرات النفط الليبي. هذه العواصم ليست حريصة على بناء الديموقراطية في أقطار العالم العربي، فالديموقراطية العربية لا تناسب هذه الدول، انطلاقاً من حرصها على الحليف الإسرائيلي.

نفهم أن هناك تعثرا في تطبيق بنود المبادرة العربية السابقة في سورية، فالأزمة اكبرمن امكانية احتوائها ببضعة أيام، وسورية قبلت المبادرة وقبلت بزيارة اللجنة الوزارية العربية لها مع من تريد اصطحابهم من منظمات حقوقي واعلامية واشرافية وغيرها، لكننا لا نفهم مطلق(لأن من الصعب ذلك) فهم اللجوء الى الحصار العربي لسورية والى تهديدها بالحل الدولي، الذي هو في الأساس حل أمريكي-غربي بفعل موازين القوى السائدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، وتحكم القطب الواحد في عالم اليوم. لا يقبل مطلق عربي بالحل الأمني في التعامل مع الأزمة في أي بلد عربي وفي سورية أيضا، فالحل الأمني كان فاشلاً ويظل فاشلاً وسيكون ويبقى فاشلاً. الطريق الوحيد لحل الأزمة السورية هو الحوار والحوار فقط بين المعارضة بمعظم أطيافها والحكم في سورية، حوار يقوم على قاعدة الاستجابة لمطالب الجماهير العربية السورية في الإصلاح والديموقراطية واحترام حرية الفرد وحقه في إبداء رأيه بنظام بلده السياسي، وما يجري فيه من تطورات بمختلف مناحيها من خلال انتخابات ديموقراطية حقيقية بعيدة عن التزييف، وبإشراف لجنة من الجامعة العربية على هذه الانتخابات. في نفس السياق نود القول عن جزء من المعارضة السورية التي تطالب بتدخل أجنبي في دولتها، بأنها تقامر بمصير بلدهاولا تستحق أن يطلق عليها كلمة معارضة.

نعم، نرفض الحصار على سورية، وندين تدويل الأزمة، لحساسية الظروف الراهنة ايضا انطلاقاً من: الأوضاع المتوترة في المنطقة بشكل عام، وانطلاقاً من حساسية الوضع السوري، وسورية بلد مجاورلفلسطين المحتلة، وما تزال أجزاء من أرضها محتلة وهي هضبة الجولان من قبل العدو الصهيوني، الذي ضّم هذا الجزء من الأرض العربية السورية بقرار من الكنيست واعتبره أراضٍ إسرائيلية، ونعم، تبقى سورية كما كانت، وستظل، دولة ممانعة للمخططات الأمريكية – الصهيونية – الغربية للهيمنة على المنطقة، وانطلاقاً أيضاً من حساسية الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني في هذه المرحلة تحديداً، وفي إسرائيل حكومة فاشية يمينية ترفض الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، والحقوق الوطنية لسورية ولبنان في أراضيهما المحتلة، منذ زمن تهدد إسرائيل بشن الحرب في المنطقة: إمّا على ايران أوعلى قطاع غزة أو على لبنان أو سورية أو على كل هذه الاطراف مجتمعة، وذلك من اجل القضاء عل معسكر المقاومة والممانعة في المنطقة ونحن مع هذه القوى قلبا وقالبا.

انطلاقاً من كل هذه التقديرات والمواقف وانطلاقاً من العلاقات التحالفية العضوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ندعو إلى الحل السريع للأزمة في سوريةعلى قاعدة الحوار الديموقراطي وتحقيق الأصلاحات المرجوة وعدم التدخل في الشان السوري ورفض التدويل، وبخاصة أيضا أن الــنوايا تتـجه لأنـشــاء منطقة عازلة على الحدود التركية السورية، بما يعنيه ذلك من تهديد لوحدة الأراضي السورية، وهذه حلقة من حلقات المؤامرة التي تستهدف سورية وطنا وشعبا وموقفا.

الولايات المتحدة ليست حريصة على حقوق الإنسان في العالم العربي لا في سورية ولا في فلسطين ولا في غيرهما من الأقطار العربية، فبالأمس القريب كان مشهد صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، حين رحبّت واشنطن وكل العواصم الغربية بتحرير الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، وانزعجت واشنطن وحليفاتها الغربيات من تحرير الأسرى الفلسطينيين، واعتبرته مضراً بالسلام في المنطقة! وبالأمس فقط وقفت الولايات المتحدة ضد قبول عضوية فلسطين في اليونسكو، ولما نجح القرار رغماً عن إرادتها، أوقفت مساعدتها السنوية لمنظمة اليونسكو. الولايات المتحدة تضغط أيضاً على العديد من دول العالم من أجل تغيير مواقفها من قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. بماذا يشي هذا؟ هذه المواقف تؤشر الى: أن حقوق الإنسان العربي ليست أولوية بالنسبة لواشنطن وحليفاتها، بل الأولوية لمصالحها وإسرائيل. هذه المواقف تؤشر أيضاً إلى أن هذه الدول لا تحترم الديموقراطية، فلو كان العكس، لاحترمت واشنطن وحليفاتها قراراً صوتت عليه غالبية دول العالم، ولكن ازدواجية المقاييس هي شرع واشنطن!، وللأسفت انتقلت هذه الأزدواجية الى الجامعة العربية فلم ولا ولن يجري التعامل مع النظام في البحرين ولا مع االنظام اليمني بنفس مقياس التعامل مع النظام السوري.

بالتالي، فهل الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية حريصة على حقوق الإنسان في سورية؟ لا نعتقد ذلك، ولتفهم جامعتنا العربية الموقرة، ذلك. تفاءلنا، وعكسنا الأمر كتابة، بمرحلة جديدة من عمل الجامعة بسبب من تسلم نبيل العربي لأمانتها العامة، ولكن فترة بسيطة مرت على تسلمه منصبه، أثبتت بما لا يقبل مجالا للشك، أن الجامعة ليست أكثر من حلقة لتهيئة الظروف والأجواء لتدويل بعض الأزمات العربية، كما يجري الآن مع سورية.

‘ كاتب فلسطيني

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى