صفحات العالم

لا منطقة أمنية


ساطع نور الدين

ما نشرته صحيفة «صباح» التركية الوثيقة الصلة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، قبل يومين عن خطة لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، محورها إقامة منطقة آمنة للمعارضين المدنيين والمنشقين العسكريين بعمق خمسة كليومترات داخل الأراضي السورية، لا يعدو كونه اجتهادا نظريا يستبعد إقامة مثل هذه المنطقة ويدحضها أكثر مما يدعمها، لكنه يفتح النقاش الأكثر جدية حتى الآن حول مرحلة ما بعد الأسد.

مصدر الخطة معارضون سوريون هم على الأرجح من جماعة الإخوان المسلمين الذين استكملوا عملية النشر في الصحيفة الإسلامية بمؤتمر صحافي لقيادتهم في اسطنبول أعلنوا فيه تأييدهم التدخل التركي المنفرد في سوريا، من دون تفويض أو تكليف إلا من المعارضة السورية نفسها، مع أن «صباح» أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن تركيا لن تقدم على تنفيذ مثل هذه الخطة إلا إذا كانت بقرار دولي واضح وطلب عربي صريح، وهو ما يتطلب إجماعا مستحيلا في مجلس الأمن وأيضا في جامعة الدول العربية.

بمعنى آخر، كانت الصحيفة تكشف في تقريرها الأول من نوعه والذي نشر في صدر صفحتها الأولى أن أنقره غير متحمسة لفكرة المنطقة الآمنة المرفقة بالحظر الجوي، وغير تواقة أصلا إلى فكرة تدخلها العسكري في سوريا كما إلى أي تدخل عسكري مباشر، مهما كان عنوانه وهدفه، لأنها كانت ولا تزال تعتقد أن الأزمة داخلية جدا، ويمكن أن تحسم في الداخل السوري مع معونة خارجية، باستثناء العقوبات والضعوط على النظام لكي يوقف حمام الدم ويجنب بلاده حربا أهلية واسعة النطاق.

فالمنطقة الأمنية ومعها الحظر الجوي هما إعلان حرب لا ترغب تركيا أو أي دولة أخرى مجاورة أو بعيدة في خوضها مع سوريا. وما يمكن أن يبدأ بشريط من خمسة كيلومترات يمكن أن يغطي بسرعة المساحة السورية كلها، ويتطلب غارات جوية على المواقع العسكرية للنظام في كل مكان، وقد يستدعي أيضا دخول قوات برية تركية إلى ما هو أعمق من تلك المنطقة الأمنية في الأراضي السورية، ما يعني فتح جبهة على طول الحدود المشتركة من دون توفير ملاذ آمن للمنقشين والمعارضين الذين يمكن أن يصبحوا هدفا سهلا للقوات البرية السورية.

والأهم من هذه التفاصيل الأمنية المهمة جدا، هو أن المطلوب أن يوسع المنشقون والمعارضون انتشارهم على امتداد الأرض السورية لا أن يتجمعوا في مكان واحد مهما كان حصينا، لكي يتم تفادي فكرة التقسيم التي طالما اتهم النظام خصومه بالسعي إليها منذ أن طرح للمرة الأولى خيار المنطقة الأمنية والحظر الجوي.. الذي يبدو اليوم أنه لم يعد جذابا مع اتساع المعارضة وتطورها على مقربة من الحدود السورية مع بقية الدول المتاخمة لها!

يمكن أن تصبح المنطقة الأمنية والحظر الجوي أمرا واقعا، لا يستند إلى قرار دولي أو طلب عربي، وهذا ما هو حاصل اليوم بالفعل. أما خطة إطاحة النظام فهي كانت ولا تزال تعتمد على الداخل السوري، ولا أحد سواه.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى