صفحات الثقافة

لا يريدون رغيفاً بل كرامة

    عقل العويط

قبل أيام، زارنا مدير الصليب الأحمر الدولي، وأطلق صرخةً مدوّية، لافتاً إلى المآلات الصعبة التي تواجه النازحين السوريين، والدول المستقبِلة على السواء، ومحذِّراً من استفحال هذا المصير المقلق، في ضوء استحالة التوفيق بين القدرات والإمكانات المتوافرة، والموجبات المادية والإنسانية. فهل سمع أحدٌ صرخة هذا الرجل، وخصوصاً جماعات المال والجاه والبحبوحة والثراء الفاحش من جهة، ورافعي شعارات الحرية والديموقراطية والكرامة البشرية من جهة أخرى؟

النازحون السوريون، الفارّون من طغيان النظام السوري، وطائراته، وراجماته، وشبّيحته، ومن وعود “العالم الحرّ” الكاذبة، لا يريدون رغيفاً، على رغم الحاجة الملحّة إليه، بل يريدون كرامةً. هذه هي الحقيقة الأساسية التي تلفّ أحوالهم في لبنان والأردن وتركيا، وفي شتات الأرض.

هذه الحقيقة، فليعرفها كلٌّ من العالمَين القريب والبعيد: دول الجامعة العربية الميمونة وخصوصاً الثريّة والفاعلة منها، الأمم المتحدة، مجلس الأمن، الاتحاد الأوروبي، منظمات حقوق الإنسان، الهيئات الإنسانية ومؤسسات المجتمع المدني في العالم “المتحضر”. وليعرفها الملوك والأمراء والمشايخ، ملوك النفط وأمراؤه ومشايخه. هؤلاء الذين يبذّرون الثروات، ويصرفون الأموال على بناء أعلى ناطحات السحاب، وأكبر الأبراج، وأضخم المجمّعات، وأولئك منهم الذين يشترون متاجر “الربيع” والشانزليزيه ونوادي كرة القدم في فرنسا.

النازحون السوريون لا يريدون أن يحلّوا محلّ أحد، كما لا يريدون شيئاً يُثقل على أحد. يريدون فقط الكرامة.

شأنهم شأن كلّ هاشلٍ من الظلم، وشأن كلّ تائقٍ إلى الحرية والديموقراطية والحق والعدالة والأنسنة. هم يستحقّون بديهيات الاحترام، والندّية، والودّ، والبشاشة، والحلم، والنوم، والبيوت، والمستشفيات، والأدوية، والملاعب، والمدارس، والنزهات، والضحكات، والسعادة. يستحقّون الإقامة النزيهة، لا الذليلة. ويستحقّون أن يستأنفوا وجودهم، ويواصلوا عيشهم ويومهم، وأن تكون لهم بلادٌ حرّة تحتضنهم، وسقوف تؤويهم.

النظام السوري قاتلٌ. لا يهمّه شعبه المقيم تحت جنون القتل، ولا شعبه الفارّ من هذا الجنون. أما العالم، العالم كلّه، فماذا ينتظر؟! نحن اللبنانيين، سبق أن اختبرنا مآسي هذه الحقيقة المرّة، التي لا تزال تردّداتها ومفاعيلها ماثلةً في الأذهان والنفوس والوقائع والأعين. وعليه، فليصرخ اللبنانيون جميعاً، وليقرعوا جدار هذا العالم الأصمّ، إلى أن تُسمَع صرختهم في برّية الأمم. فبعد قليل، سيشتدّ الصراع في سوريا، وعليها، وسيقترب أكثر فأكثر، وسيُسمَع عويلٌ أعمّ، وقد لا يبقى حجرٌ على حجر هناك، ما دام النظام السوري القائم يمعن موغلاً في ممارسة “توراتيّة” العقل والروح والفؤاد.

فلنصرخ أكثر. ولنقرع جدار العالم إلى أن يسمع مَن به صمم!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى