مراجعات كتب

لبنان الإصلاح المردود والخراب المنشود: أحمد بيضون

 

عرض وليد الزبيدي

الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان منذ عام 2005 حتى الآن، لم يكن وقعها المتصاعد، نتيجة للحدث الهام، المتمثل باغتيال رفيق الحريري -زعيم تيار المستقبل- لكن الاغتيال وبالطريقة التي حصلت، أشعل فتيل أزمة قديمة لها تاريخها وحضورها في الحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية.

ورغم تأكيد الباحث الدكتور أحمد بيضون في مقدمة كتابه -الذي صدر بعنوان “لبنان الإصلاح المردود والخراب المنشود”- على أنه يبحث في أزمة لبنان المتصاعدة منذ عام 2005 وحتى الآن وتداعيات هذه الأزمة، إلا أن البحث والطواف في قضية لبنان، يستدعي التفتيش والاستغراق طويلا في أهم مراحل الصراع في هذا البلد، وخلاف ذلك يعتري الدراسة أو البحث الوهن والضعف الشديد ما يحول دون الوصول إلى الهدف والتشويش على المتلقي.

في أهم دلالة لعنوان الكتاب، أن المؤلف، يوجه نقدا لاذعا لسياسيي لبنان، لأنه يرى في نهاية المطاف، وهي خلاصة الكتاب، أن السير الحثيث في لبنان يتجه صوب ضفة خراب ينشده هؤلاء، وابتعاد مقصود عن الإصلاح الحقيقي.

-الكتاب: لبنان الإصلاح المردود والخراب المنشود

-المؤلف: د احمد بيضون

-عدد الصفحات: 256

-الناشر: دار نشر الساقي, بيروت, لبنان

-الطبعة: الأولى/2012

طائفية الدستور

لا يمكن الخروج بوصف دقيق لصورة الخراب المنشود من خلال النتائج، التي وصلت إليها الأوضاع في لبنان، دون البحث في الأسس والثوابت في الحياة السياسية، التي يعتقد المؤلف بيضون أنها قد أفضت في نهاية المطاف إلى الصورة المركبة والثنائية، التي يمتزج فيها الإصرار على تقديم الخراب والنأي بعيدا بالإصلاح، ويفرد لذلك أول فصول كتابه، مناقشا “دستور لبنان” بكل ما يعتريه من ثوابت تحقق ما يذهب إليه عنوان الكتاب، حول ثنائية “الخراب والإصلاح”.

يقول بيضون أن لفظ “المواطنون” لم يدخل الدستور اللبناني إلا عام 1990م، أي بعد اتفاق الطائف، الذي توقفت بموجبه الحرب الأهلية -التي نشبت عام 1975م، وتواصلت بدموية ودمار وخراب حتى أواخر عام 1989 م- عندما تم اتفاق الأطراف اللبنانية على وقف الحرب في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، التي سُمي الاتفاق نسبة إليها، أما قبل ذلك التاريخ، فإن ما يرد في الدستور اللبناني هو لفظة “لبنانيون”، لكن هذا التبديل في اللفظ أو المصطلح لم يغير من واقع النفوس شيئا, وهنا يردد الكثيرون في لبنان من المطالبين بإصلاح حقيقي عبارة: نريد إصلاحا للنفوس لا إصلاحا للنصوص. في دلالة واضحة على أن الأزمة متجذرة وليست وليدة نزاعات آنية أو خلافات في الديانة والعقيدة فقط.

ويحاول بيضون في هذا الصدد إثبات مكمن الخطر، من خلال مناقشة المواد الخاصة بالدستور، إذ يرى أن من الضروري الالتفات إلى ما يخرج في نص الدستور أوّلا، وفي غيره من القوانين ثانيا، عن الروح العامة، مشيرا إلى مجموع النصوص التي تحدثت بها الصفة الطائفية للنظام السياسي القائم في لبنان من حين صدور الدستور -بل قبله أيضا- هي نصوص متصلة بأخرى تسبغ الصفة الطائفية على جوانب رئيسية من الحياة المدنية للّبنانيين أيضا.

ينتقد الكاتب تعديلات الدستور عام 1990م، التي أُريد منها في الإعلان عن التعديلات “إلغاء الطائفية السياسية” مؤكدا أن ما جاء بدستور 1926م بهذا الخصوص لم يتغير.

الطائفية والمواطنة

بين دستور عام 1926م وتعديلات ما بعد اتفاق الطائف عام 1990م، هناك ميثاق الاستقلال الوطني الذي يُطلق عليه أحيانا ميثاق عام 1943م، وهي سنة استقلال لبنان، ويقول عنه بيضون: ميثاق المخيّلة الطائفية، وبدون شك، أن الحديث عن الطائفية في لبنان في ضوء دستور هذا البلد، ومن ثم الاستقلال واتفاق الطائف وما جرى بعده من تعديلات، مرورا بالدماء التي سالت في الحرب الأهلية التي اشتعلت عام 1975م، لا تعطي تصورا حقيقيا لكامل الصورة الطائفية في لبنان، لأن الفرز فيه على أساس الطائفة والدين والمذهب لم يبدأ في الدستور اللبناني، الذي ظهر بعد ست سنوات من إعلان الدولة اللبنانية من قبل الجنرال الفرنسي غورو من قصر الصنوبر عام 1920م، بل يمتد بجذوره إلى ثمانين سنة قبل ذلك، وهو ما لم تعالجه الكثير من البحوث والكتب والدراسات اللبنانية.

ويتضح ذلك عندما نشبت أزمة 1840م، وأفضت إلى نظام سياسي وإداري سُمي بـ”نظام القائمقاميتين”، لينفجر الصراع الدموي ثانية عام 1860م، ما تسبب بتدخل دولي أسس لنظام جديد أسمه “المتصرفية”، وهو تكريس عملي للطائفية والمحاصة في لبنان التي بذروها للمرة الأولى بقوة قبل عشرين عاما من ذلك التاريخ، وكان تأثير القوى الخارجية واضحا في ذلك الوقت، فقد كانت بريطانيا تدعم الدروز في حين تقدم فرنسا الدعم للموارنة.

معضلة طغيان الهوية الطائفية على حساب هوية المواطنة، تجدها حاضرة بقوة في جميع الأزمات السياسية وما تعكسه من تداعيات اجتماعية، وهذه المعضلة تُعد الأرضية الأبرز في الأزمة السياسية الحالية في لبنان.

محطات لبنانية

لم يقتصر الأمر في لبنان على المحطات المؤسسة بقوة للمحاصة، التي تمتد إلى ما قبل منتصف القرن التاسع عشر، فهناك محطات لا بد من التوقف عندها، قبل الوصول إلى حجم الأزمة في لبنان منذ اغتيال الحريري عام 2005م وحتى الآن، وهو ما يحرص الكاتب بيضون على مناقشته ومحاولة الإيغال في الزوايا الأكثر تأثيرا فيه، فهناك الوجود الفلسطيني في لبنان وحرب إسرائيل وغزوها للبنان عام 1982، ونشوء حزب الله، ودخول القوات السورية لبنان، وهناك حدثان مهمان حصلا في تلك الفترة ألقيا بالظلال على الحياة السياسية في لبنان، هما قيام الثورة في إيران بزعامة أية الله الإمام الخميني في فبراير/شباط 1979م، وبعد ذلك وقوف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى جانب إيران ضد العراق في تلك الحرب، وانقسام الداخل اللبناني بين مؤيد للعراق ومعارض لسوريا وبالعكس.

لم يقتصر الأمر عند التأييد والرفض لكل من سوريا والعراق، فقد أخذ التقسيم الطائفي يتجه صوب التفعيل السياسي وعلى جميع الميادين، وتم تقسيم المقاومة الفلسطينية في لبنان على أنها “سنية” وحركة أمل وحزب الله على أنها “شيعية”، ومن هنا أصبح سُنة لبنان يقتربون أكثر فأكثر من المملكة العربية السعودية.

في حين وجدت الثورة الإيرانية في شيعة لبنان أرضا خصبة لمشروعها في المنطقة العربية، وكان مفتاح هذا المشروع “تعزيز شعارات الثورة الإيرانية المعادية للشيطان الأكبر بخلق عناوين تحت مسمى مقاومة إسرائيل”، وهو ما تم تكريسه من خلال وجود حزب الله في الجنوب اللبناني.

ويقول المؤلف بهذا الصدد: إن توزيع المهام بين طرفي “شيعة لبنان” قد تم بطريقة ناجحة ومحنكة، فقد تم إيكال المشاركة في الحكومة والبرلمان إلى حركة أمل، في حين أخذ حيز المقاومة حزب الله.

وفي فصل موسع بعنوان “أشياع السنّة وأسنان الشيعة: كيف حلّ بلبنان هذا البلاء؟” يستغرق بيضون كثيرا في تفسير أوضاع لبنان المتردية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن، ويقول بهذا الصدد: يصح القول إن المجتمع اللبناني كان أقرب إلى الظهور منتظما في ديانتين حين ينظر إليه غير اللبنانيين من الخارج، وأما حين ينظر إليه اللبنانيون من داخل فكان أقرب إلى الظهور مؤلفا من ثماني عشرة طائفة.

يتطرق المؤلف إلى العديد من الموضوعات في تحليله لاضطراب الأوضاع في لبنان وازدياد وتيرة المخاوف منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005م، فيتوقف عند انتشار الأثر الإيراني في لبنان، فبعد أن دخلت أولى مظاهر التشيع الإيراني بداية القرن العشرين بعد قدوم عائلة إيرانية إلى النبطية، وبقيت شبه محصورة في تلك المنطقة، يقول بيضون: لقد تحول الأمر بعد ذلك وتحديدا بعد الثورة الإيرانية إلى ضرب من الاستعراضية شبه العسكرية، وانتشار مضامين ومسالك إيرانية المشرب في أوساط الشيعة اللبنانيين، وهي مضامين ومسالك لم تكن معهودة منهم قبل الثمانينيات من القرن العشرين، أو كانت محصورة جدا ومحدودة الأثر بين ظهرانيهم.

دولة حزب الله

قبل أن يتوصل المؤلف إلى أن حزب الله هو الذي يحكم لبنان بعد الانسحاب السوري، يتحدث عن هذا الحزب تحت عنوان “دولة حزب الله” وذلك بعد تقديم بعنوان “الفقيه يفرض ولايته”، ويرى أن حزب الله قد سعى منذ أكثر من عقدين ليحكم السيطرة على لبنان ويتحكم بها، وهو يحصل على دعم إيراني مفتوح في سبيل الوصول إلى هذه النتيجة، ولم تتمكن الدولة اللبنانية من منع حزب الله من امتلاك السلاح، وأصبح بإمكانه اجتياح بيروت وفرض السيطرة عليها كما حصل في الثامن من مايو/آيار عام 2008 عندما احتل مقاتلو حزب الله بيروت الغربية.

أما مقومات “دولة حزب الله” كما يرى المؤلف، فإنها تتمثل في شبكة مرافق متنوعة تنسج شرنقة خدمات من كل نوع تقريبا حول كتل كبيرة من الطائفة الشيعية في لبنان، فضلا عن الهياكل العسكرية والسياسية والأمنية والإعلامية الضخمة.

وفي الخلاصة التي يتوصل إليها الدكتور أحمد بيضون -وهو مفكر لبناني، حائز على شهادة الدكتوراه “دكتوراه دولة في الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة باريس، السوربون- أن الأزمة في لبنان قد أصبحت في جوهرها أزمة زعامة وهوية.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى