صفحات العالم

لبنان بين سوريا وسفيرين!


عبد الرحمن الراشد

في الماضي كانت الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية تعبر حدودها مع لبنان لملاحقة المطلوبين أو فرض وجودها على الجار الضعيف. الآن، زادت الاختراقات وتوسعت عملياتها على التراب اللبناني بالقتل والخطف، تدوس كل يوم القوانين الدولية على أرضها وعبر الحدود مع لبنان ولا تبالي.

ومع هذا، علينا أن نكون واقعيين ونتفهم رفض وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور دعوة السفيرة الأميركية لحماية كل السوريين الفارين، المدنيين والعسكريين. فحماية اللاجئين ستتطلب نشر القوات اللبنانية على طول الحدود السورية واستعدادها للاشتباك العسكري.. حمل أكبر من قدرات الدولة اللبنانية على تحمله، وقد يترتب عليه مخاطر فتح جبهة قتال، وربما اقتتال لبناني داخلي.

وفي الوقت نفسه الذي ترفض فيه طلب السفيرة الأميركية، من المتوقع من الحكومة اللبنانية كذلك أن ترفض طلب السفير السوري الذي يريدها أن تلعب دور الأمن والشبيحة السورية بملاحقة واصطياد اللاجئين السوريين وتسليمهم إلى الجار الغارق في ذبح مواطنيه.. فلا الدولة اللبنانية تملك القدرة على خوض حرب، ولا يتوقع منها أن تخاطر بمواجهات مع النظام السوري، وفي الوقت ذاته لا يفترض أن تكون خادما لنظام دمشق وتقوم بالمهمة القذرة نيابة عنه. ولا يجوز للسفيرة الأميركية أن تحاضر على اللبنانيين وتدعوهم أن يخاطروا ببلدهم الصغير، في وقت تتلكأ فيه حكومة بلدها في المساعدة بحماية الشعب السوري، متحججة بالخوف من النظام البديل أو الحرب الأهلية.

تورط لبنان في مواجهة القوات السورية أو منع اللاجئين يعني أن عليه حراسة حدود طويلة من 375 كيلومترا، أي نحو أربع مرات طول حدود لبنان مع إسرائيل. أمر في غاية الصعوبة والخطورة، وفوق هذا سيضع اللبنانيين أمام اختيارات تقسم البلاد أكثر مما هي مقسمة. وقد تتطور الأزمة، أي توغل القوات السورية في الأراضي اللبنانية، إلى درجة تضطر لبنان إلى طلب المساعدة الدولية، لكن هذا أمر مستبعد وفق تطورات الأزمة الحالية، لأن النظام السوري مشغول بالمناطق المشتعلة في أنحاء البلاد، ولن يخاطر بفتح جبهات مع تركيا أو لبنان. فهو وإن يعتبر لبنان أرضا رخوة، ويعامل سلطتها دائما كجمهورية «موز»، يدرك أنها قد تتحول إلى معسكر دولي ضده، وبالتالي أتصور أنه سيظل يعتمد على حلفائه الذين يقدمون الخدمات له بالنيابة. ورغم شكوى السفير السوري في بيروت من وجود جماعات سورية متمردة ضد بلاده على الأراضي اللبنانية، فهو يعرف أيضا مدى تشابك العلاقة بين البلدين، نفس العذر الذي كان يستخدمه النظام في السنوات الثلاثين الماضية للتدخل في شؤونه. ويعرف أيضا أن الأراضي التركية تتحمل العبء الأكبر في حماية اللاجئين السوريين وإخفاء الثوار وحمايتهم. هذا هو قدر لبنان وسوريا.. علاقة متورطة دائما.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى