صفحات العالم

لبنان والاصطفاف مع الثورة السورية


علي حماده

مّرة جديدة نعود الى مسألة “النأي بالنفس” التي يتغنى بها المسؤولون في لبنان، ولا سيما صاحب النظرية نجيب ميقاتي الذي يعتقد واهماً ان ما يسمعه من بعض المسؤولين العرب عن “تفهمهم” موقف لبنان، وحساسية الموضوع السوري، يمثل بطاقة ضمان لمستقبله السياسي. فسياسة “النأي بالنفس” عن الازمة السورية كانت ولا تزال في اطارها النظري باعتبار ان لبنان الرسمي لم يفتأ مصطفاً بجانب النظام في سوريا ورئيسه بشار الأسد. فالمعطيات المتعلقة بالتعاون الأمني، والمخابراتي، واداء الديبلوماسية اللبنانية في الجامعة العربية وغيرها من المحافل الدولية، فضلاً عن حراك رئيس الحكومة غير المرئي والمعلن خدمة لبشار الاسد تقودنا الى الجزم بأن سياسة “النأي بالنفس” المعلنة ليست سوى العبارة الملطفة للتواطؤ مع المجرم في جريمته. فبشار يا استاذ نجيب يقتل شعبه، انه لا يمارس السياسة ولا يتبع اسلوباً طابعه سياسي، بل ان اسلوبه في الحكم يعتمد على قتل أكبر عدد ممكن من السوريين في سبيل ان يبقى النظام الذي أنشأه حافظ الاسد فوق كومات من جماجم السوريين على مدى أربعة عقود. و عليه فإن التواطؤ مع قتلة الاطفال في سوريا، وحتى مع قتلة الاستقلاليين في لبنان يعتبر ضرباً من ضروب الاشتراك في الجريمة نفسها. وعلى هذا الاساس نعتقد ان نجيب ميقاتي كان ولا يزال يدور في حلقة مفرغة، محاولاً ان ينزع عن نفسه صفة “رجل بشار” في لبنان، ولكنه في الممارسة الفعلية لا يؤدي أكثر من دور الشريك اللبناني المحلي.

اننا على العكس من الكثيرين في الصف الاستقلالي، لا نقبل اعذار ميقاتي، و لا نعتبر ان اضطلاعه في الآونة الأخيرة بسياسة مزدوجة ازاء النظام في سوريا و معه “حزب الله”، ومحاولته تقديم التزامات في اوروبا وأمام الاميركيين وحتى رسائله الى السعوديين عبر الاعلام وغيره، من شأنها ان تخفف مسؤوليته الكبيرة في ما آلت اليه الاوضاع في لبنان، كما اننا لا نعفيه من المسؤولية الاساسية في الاختراق الكبير الذي يقوم به “حزب الله” في رحم الدولة اللبنانية بهدف الاستيلاء عليها وجعل الدولة ملحقة بالدويلة. ففي النهاية، وبالرغم من كل الخلافات التي تعصف بالحكومة من الداخل، فإن سمتها الاساسية هي الخلافات العائلية. بمعنى آخر، انها خلاف بين أبناء اللون الواحد!

ان لبنان و اللبنانيين معنيون بأن يقفوا مع الحق في سوريا. وهم معنيون أكثر من غيرهم بأن يحصل التغيير الكبير في سوريا اليوم قبل غد. فسوريا ديموقراطية تعدّدية عصرية هي أمل لبنان بإستقرار سياسي، وبدوام الصيغة والنظام والتوازنات. وفي النهاية فإن قرب لبنان الجغرافي وارثه التاريخي لا يبرران له ان يقف على الحياد في معركة الحرية والكرامة في سوريا. وواجبنا جميعاً نحن اللبنانيين ان نكون طليعيين في مؤازرة الثورة السورية في مواجهة الطغيان.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى