زين ابراهيمصفحات سورية

لتسألوا الجدات ماذا نفعل …!


زين ابراهيم

أخاطب أولئك السوريين اللذين يحملون بأيديهم آلات الموت وفي عقولهم أنانية مفرطة وفي قلوبهم رعب عميق من أخوتهم .

نعم قد لا يصدق الكثير كلامي ولكن الانسان يقتل  إما لأنه أناني يريد أن يسلب حق الآخرين ، أو لأنه خائف منهم أن يبادروا لقتله وهو هنا يتصرف بأنانية أيضاً .

هل سمعتم ببدوي الجبل …..هل سمعتم بنديم محمد ……هل سمعتم بسلمان العيسى… وماذا عن بوعلي ياسين من عين الجرب

وماذا عن سعد الله ونوس  أو هاني الراهب  وغيرهم …

ما هو الشعور الذي يتنابكم أهو شعور بالفرح أو ربما الفخر وأنتم تقرأون أسماءهم مثلاً ؟ وهل سمعتم بهم أصلاً .

 قد يفخر الانسان بانجازاته أما أن يفخر بما حققه غيره فتلك قصة أخرى وأما أن يكون موضوع فخره مآسي صنعها غيره فتلك كارثة . وأنتم هنا تعون معنى كلماتي حقا أليس كذلك ؟

أخاطبكم  وهنا لست حتى على ثقة من أن تصلكم كلماتي ، فصوت غطرسة القوة وجنازير الدبابات أعلى من صوت كلماتي  .

لنتوقف عن الحديث عن أولئك الأشخاص وإن كنت أجزم أن أغلبكم لم يعرفهم ولم يسمع بهم كذلك  ولنتوقف عن الفخر بأعمال ليست لنا ولنبدأ الحديث عن أشخاص كنا نعرفهم حتى وقت قريب عاشوا معنا وماتوا بيننا .

هل تعرفون فعلاً أولئك الفلاحين في الجبال واللذين شقوا طرقاتها بزنودهم ، عاشوا تحت سمائها ورضوا بالقليل من خيرات أرضها بقناعة وتقاسموها بمحبة .

لم تزر جدتي دمشق أبداً ولم تكن تهتم حتى لزيارة اللاذقية ويوم زرتها قبل وفاتها بسنوات أحمل معي حنقي على العالم كله وأحمِّلُه ضيقة حالي

نظرت إلى وبدون أن تسألني عن التفاصيل قالت لي :

” يا بنيي الدنيا هيك ، ناس لقمتا زقوم وناس لقمتا سليمانية  ولازم تطول بالك “

أكاد أشك أنكم عرفتم جدتي . جدتي ولدت بعد سفربرلك بقليل وعاشت عمرها كله في الضيعة .كانت أمية تعلمت بالصدفة حقن الابر العضلية فصارت دكتورة الضيعة لخمسين عاماً حتى جاء أحد الأحفاد مثلكم ، طبيباً متعلماً فأحالها إلى التقاعد.

واليوم يرقص شباب فوق أجساد شباب … وفي النصف الآخر من المشهد شهيد ينقذ شهيد …

” يالله اشملنا بعطفك يالله “

هل تعرفون وبالرغم من كوني شاباً فقد عشت طويلاً في حياتي وفي حياة آخرين وسافرت طويلاً وعرفت الكثير من البلدان والاشخاص.  مدن وقرى كثيرة زرتها، ومشيت في دروبها على قدمّي ، ولكن كل ما رأيته سابقاً و كل ما اجتزته  قبلاً كان عملاً تافهاً بامتياز وعلى جميع المستويات  وحتى في أحلك لحظات حياتي وحتى عندما أجد نفسي وحيداً في مواجهة الموت أحياناً .

واليوم أجد نفسي أقف عاريا أمام أعظم امتحان في العالم .

أرجوكم لا تقارنوا بيني وبين أولئك العمالقة في الشارع يهتفون للحرية فأولئك لا ينتمون أصلاً لبني البشر إنهم صنف مختلف

إنهم الشهداء .

ولكن قارنوني مع باقي البشر العاديين والبسطاء  واللذين يخافون الموت والفقر والحاجة وحتى البرد القارس واللذين وجدوا أنفسهم عراة فجأة أمام امتحان الحياة الحقيقي .

هل تعرفون ماذا كان امتحاني ؟

كان سؤالا بسيطا جدا في نصه .

أنت أيها الانسان أين تريد أن تقف ؟

كم أتمنى لو أن جدتي لا تزال على قيد الحياة فتساعدني بنصائحها الآن ولربما تساعدكم أنتم أيضا..

لم لاتعودوا إلى قراكم ولتسألوا الجدات ماذا نفعل …!

أما أنا فقد أخترت ، وأنا متأكد من أن جدتي الآن فخورة جداً بي ، وتسمع كلماتي وتصلي لأجلنا جميعا  .

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى