صفحات سوريةغازي دحمان

لحظة الارتدادات على إيران وأذرعها/ غازي دحمان

 

 

بتسارع مذهل تتداعى الجبهات الإيرانية الواحدة تلو الأخرى، من عدن حتى إدلب ودرعا، والبقية تتحضر، لدرجة يمكن القول معها اننا إزاء تطبيق حرفي لنظرية «أثر الفراشة» التي تصف الظواهر ذات الترابطات والتأثيرات المتبادلة والمتواترة التي تنجم عن حدث أول، قد يكون بسيطا في حد ذاته، لكنه يولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية والتي يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد، وفى أماكن أبعد ما يكون عن التوقع، وهو ما عبر عنه مفسرو هذه النظرية بشكل تمثيلي يقول ما معناه، أن رفرفة جناح فراشة في الصين قد يتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن في أميركا أو أوروبا أو أفريقيا ، فكيف حصل ذلك ولماذا؟

في الأصل لم تكن إيران تملك القدرة على إدارة الصراع مع خصومها في أكثر من ساحة ضيقة ولوقت محدد، فكان يكفيها التركيز مثلا على إدارة « حزب الله» وصراعاته من الوسط اللبناني والإكتفاء بهذا القدر كنفوذ لها خارج حدودها، على الرغم من أن الحزب كان يكلفها وفق بعض التقديرات بحدود الخمسين مليون دولار يدخل في حسابها الأسلحة ذات التكنلوجيا المنخفضة التي ترسلها إيران له وقسم منها كان يصنع في معامل الدفاع السورية ذات التكلفة المتدنية، فيما يجري صرف الباقي على شكل ميزانيات لبعض المنابر الإعلامية للحزب ومرتبات للكوادر العاملة فيه، وكان عدد المفرّغين محصورا ضمن قوائم محدّدة، وعلى مدار السنوات من الـ2000 إلى 2011 أي بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب وسكون حركة» حزب الله» باستثناء حرب تموز 2006 والتي لم تكلف إيران كثيرا نظرا لان الدول العربية موّلت أثار الحرب وتداعياتها، صارت ميزانية الحزب معلومة وثابتة وصار ممكناً اقتطاعها من رأس كوم تصدير النفط الإيراني.

وحتى ذلك الحين، ورغم توسع النفوذ الإيراني في العراق، فإن ذلك لم يكن له إنعكاس ولا تأثير على إيران، ذلك أن نخبة العراق، وفي أغرب حالة إستدعاء نفوذ خارجي، عملت على تمويل التدخل الإيراني في الشأن العراقي، قدمت له الكوادر ليؤسس منها الميليشيات التي ستتحكم برقبة العراق، وقدمت له فوائضها النفطية ليصرف منها عليها ويغطي بعض نشاطاته في المنطقة، على ذلك مثلت تجربة إيران في العراق مشروعا تربحياً قل نظيره في تاريخ الصراعات وحتى العلاقات التعاونية بين الدول والأطراف.

غير أن هذا النمط العلاقاتي السهل والبسيط أوقع إيران في فخ إغراء القوة إذ لم يميز قادتها واستراتيجيوها المتواضعي الخبرة بين الفرص السهلة التي مثلتها ساحة العراق وبين تقدير حجم قوتهم الحقيقية وما إذا كان الربح المحقق هو ناتج قوتهم وانعكاس لها أم هو نتيجة ظروف ومتغيرات صبت في كيسهم، لكنها تبقى متغيرات أنية وغير ثابتة على الدوام.

وقد مثل هذا الفخ إحدى الورطات الكبرى التي سيكون لها إرتداد عكسي على مشروع إيران وأدواتها في المنطقة، إذ بناءً عليه ستندفع الجمهورية الإسلامية إلى طلب التوسع في الإقليم بما يفوق قدرات قوى عظمى دون الاضطرار إلى حساب التكاليف بدقة ودون حساب حركة الخطوات بحذر وتدقيق، فكان الاعتقاد في طهران أن الأمور ستسير بانسيابية ومرونة، ولم تكن تملك من أدوات القوة سوى وجود شخصية علي خامنئي الملهمة ومكونات خارج حدودها وفي البلدان المستهدفة مستعدة للموت فداء لثورته ، ثم دعّمت عناصر القوة تلك بإبتسامات الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد ظريف التي ستخترق جدران العداء في الساحة الدولية وترضخ الرأي العام العالمي!، بالإضافة لذلك نشر صور الحاج قاسم سليماني كشخصية إسطورية يتنقل بين الساحات ويكفي أن يدوس بحذائه العسكري أرض ساحات المواجهة كي تتلقح بالثورة الإسلامية وتنجب النصر الإلهي!.

نتج عن فخ إغراء القوة ورطة من نوع أخر تمثلت بعدم معرفة ماذا تريد إيران، وهذه حالة أنتجتها حالة النشوة والسكر بوهم القوة، وقد تجلى ذلك بشكل صريح في سوريا، إذ لم تعرف إيران وأذرعها ما هو الهدف من تدخلهما ضد الثورة على إعتبار أن كل هدف يجب ان ترصد له ميزانيات وإمكانيات وبرامج وإستراتيجيات واضحة لتحقيقه، فقد كان الهدف في البداية إنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط، وكان سيكون هدفا سياسيا عقلانيا لو أن طهران وأذرعها وضعوا لائحة تنفيذية لهذا الهدف تنطوي على خيارات واقعية من نوع أنه إذا تعذر الحفاظ على النظام يمكن التنازل والقبول بالحفاظ على أجزاء منه تحفظ بعض من مصالح إيران، غير أن طهران وأذرعها تاهوا بين عمليات التطهير العرقي والمذهبي وإقتطاع أجزاء من سوريا كما فعل حزب الله في القصير وحاول أن يفعل في جبهة القنيطرة- درعا.

لقد سقط المشروع الإيراني بخطأ حساباته القاتلة وتسرعه غير المنطقي، لم يكتف قادته بإعلان باكر عن إمبراطوريتهم التي تعجز عن تأمين مادة الخبز لمواطني طهران، بل طوروا تصوراتهم الإمبراطورية والتأكيد أنهم سيحكمون المنطقة لمئات السنين القادمة!، في زمن لا تستطيع أعظم قوى العالم الرهان على إستمرار سيطرتها على إنتاج سلعة صغيرة لأكثر من السنة المالية التي هي بصددها.

لم يكن صعبا كسر المشروع الإيراني ومثل أي مواجهة ركّز الخصوم على مفاصل قوّة هذا المشروع والمتمثلة ببعض أذرعه في المنطقة وجرى إستنزافها بكثافة بحيث تعطلت كل مفاعيل قوتها وتحولت إلى عبء على المشروع، وفي المرحلة اللاحقة ينتظر أن تظهر تداعيات هذا الجنون الإيراني في أكثر من موضع ولعل أولها سيكون إنتفاضة المكونات التي حاولت إيران تجييرها لصالح مشروعها بالتزوير وثورة هذه المكونات ضد وكلاء إيران الذين نصبتهم لقيادة هذه المكونات بعد أن استنزفوها وهددوا مستقبل تعايشها مع شركائهم في أوطانهم من أجل خدمة الجنون الإيراني.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى