مراجعات كتب

لربيع الفائت: في محنة الأوطان العربية أصولاً وفصولاً/ أحمد بيضون

 

أحمد بيضون: فرص عربية ضائعة

بيروت – لارا عبود

في كتابه “الربيع الفائت: في محنة الأوطان العربية أصولاً وفصولاً” الصادر حديثاً عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في بيروت، يجمع الباحث والأكاديمي اللبناني، أحمد بيضون (1943)، عدداً من المقالات التي كتبها في أزمنة متفرّقة وأثار فيها جملةً من القضايا السياسية والفكرية المرتبطة بالبلاد العربية، مُنطلقاً من محطّات محورية في تاريخها، وصولاً إلى الأحداث التي تعصف بها منذ قرابة ستّ سنوات.

يخصّص بيضون مساحةً واسعة من عمله للحديث عن “حركات التغيير العربية”، غير أنه يعترف، في مقدّمته، بأن “الكتاب ليس سيرةً للحركات التي أطلقنا على أوائلها اسم “الربيع العربي”، ثمّ تحيّرنا في اختيار اسمٍ لتواليها، ولا هو سيرة لمؤلّفه، في أعوام قليلةٍ مضت، بما هو واحد من الذين اختاروا التأمّل في هذه الحركات طريقةً لمداراة استغراقهم فيها ولحفظ انتسابهم إليها في آن”.

في ندوة نظّمها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في “مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر”، في بيروت، أمس الخميس، لمناقشة الكتاب، أدرج المؤلّف عمله ضمن إطار نقدي ذي مستوَيين: “نقد الشعوب، ونقد الأنظمة”، موضّحاً أن المستوى الأوّل يتعلّق بحالة الطائفية الموجودة لدى الشعوب، والثاني بصفة “السلطانية” التي طغت على مُعظم الحكّام العرب، وفق تعبيره.

ودافع بيضون عن منهجية الكتاب، معتبراً أنها “تعمّقت في تحليل السياقات الواردة، ولم تهتمّ بسرد كلّ الأحداث تاريخياً، كما وردت”.

شارك في الندوة، أيضاً، كلّ من الكاتب اللبناني شبلي الملّاط، ومدير “المركز العربي”، خالد زيادة. في مداخلته، التي وصفها بأنها “محاولة استدراج إلى نقاش حام”، تحدّث ملّاط عن “الأمل الذي أحدثه إسقاط أربعة قادة دكتاتوريين، قبل انطلاق الثورات المضادّة التي أطفأت الشعلة”، كما تناول “أثر التركيبة الطائفية في عرقلة مسار الربيع الذي أصبح فائتاً”.

وتطرّق الكاتب اللبناني إلى مصطلح “التبلر” (من تبلور) الذي استخدمه بيضون في كتابه، واصفاً إياه بأنه “أدقّ من فعل البلورة، وقد أصاب هدفه في تناول ضرورة تبلر المواطنين في إطار وطني بعد إخراجهم من إطار الحبس الطائفي”.

يرى ملّاط أن “العمل الدستوري حاسم جدّاً في هذه المرحلة من الانتقال الاجتماعي والسياسي الذي تُحدثه الثورات، عبر إيجاد صيغة قانونية لتحقيق الانتقال”، منتقداً “عدم تعمّق الكاتب في الجانب الدستوري”، كما أشار إلى مفهوم اللاعنف الذي ركّز عليه الكتاب، واصفاً إياه بأنه “مفهوم أساسي”.

من جهته، وصف خالد زيادة الكتاب بأنه “مقدّمة سيرة ذاتية للكاتب، لما جمعه من تصوّرات شخصية حول مسارات الربيع العربي”، مضيفاً أنه “جمع بين سرد الأحداث والتحليل بطريقة عميقة تجمع السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية”.

تخلّل النقاش حديث عن دور المرأة في ظلّ اعتماد خيار اللاعنف، وأُثير سؤال حول السياق الذي ينبغي مقاربة “الثورات الشرق أوسطية” فيه، هل هو مع الثورات الأوروبية أو مع غيرها؟ سؤال جاءت مقارباته مختلفةً؛ فبينما رأى بيضون “عدم إمكانية ربط الثورات العربية بالثورات الأوروبية بسبب تغيّر السياق العام في العالم”، ذهب ملّاط إلى العكس من ذلك؛ مستدلّاً بتأثّر المحيط الإقليمي بما حدث في البلاد العربية.

يتألّف العمل من سبعة فصول، حمل الأوّل عنوان “في المطالع والأصول: حركات التغيير العربية من إرث السلطانية المُحدثة إلى التشييد المؤسسي للديمقراطية”. وفيه يُصنّف الباحث الأنظمة العربية التي مسّتها حركات التغيير بين “أنظمة إرثية محدثة” أو “أنظمة سلطانية محدثة”، معتبراً أن السلطانية هي نفسها الإرثية، لكن بقدر مضافٍ من حدّة الملامح والأوصاف.

وفي الفصل الثاني، “معالمُ للهاوية”، يبحث المؤلّف في تاريخٍ للطائفية، وفي تشكّل الطوائف كوحداتٍ سياسية، وفي الهوية والمذهب الديني والمواطنة، بينما يحاول في الفصل الثالث، “الخوف على سورية”، رسم حدود التسليم الواقعي بتحوّلات الثورة السورية، متسائلاً: هل تسقط هذه الثورة؟

يثير الباحث في الفصل الرابع، “الحلول بما هي مشكلات”، مسألة مداواة الأوطان بتفكيكها، معتبراً أن اتّخاذ الوحدة الطبيعية الصغرى أو الوحدة العصبية قاعدةً لتفكيك الأوطان القائمة، باسم إرساء السلم الأهلي، لا تختلف حظوظه في إدراك الغاية المرجوّة منه عن اتّخاذ الوحدة الطبيعية الكبرى قاعدة لدمج الأوطان القائمة باسم القوّة القومية. كما يتناول في الفصل نفسه مسألة العلمانية، فيرى أن العلمانيين العرب يشعرون بالضعف في قواعد موقفهم، فيوطّنون أنفسهم في كلّ مكان تقريباً.

أمّا الفصل الخامس، “بلايا محيطة”، فيجمع فيه المؤلّف أوراقاً كتبها في أوقات متفرّقة، وتناول فيها قضايا مختلفة؛ مثل ضعف البلاد العربية وتحّوّلها كرةً في ملعب إقليمي كبير، ومسألة المهدي واستخدامه مصطلحاً سياسياً، والحرب على “الإرهاب”، والقضية الفلسطينية، والحراك السياسي والشعبي في لبنان.

وفي الفصل السادس، “مشكل المعرفة في مشكل الحل”، يتناول بيضون مسألة الاستبداد بالمعرفة، فيذهب إلى أن الباحثين كانوا موضع متابعة مركّزة من الأجهزة المكلّفة بالسهر على نفاذ المعايير الرسمية في إنتاج المعرفة بالمجتمع وبالنظام السياسي الاجتماعي.

ويطرح في الفصل السابع، “إشارات وتنبيهات”، السؤال الآتي: الدين في المجتمع أم العكس؟ ليجيب بالقول إن “تاريخ المجتمعات الإسلامية أرحب بكثير من تاريخ الدين الإسلامي أو المذاهب الإسلامية”. كما يقدّم في هذا الفصل قراءة لكتاب عبد الرزاق أحمد السنهوري “فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية”، إضافةً إلى مقالات أخرى؛ هي “في فشل السياسة” و”أزمة في ترتيب الزمن” و”نهاية المجتمعات”.

“شرور ما بعد الربيع العربي: لمحة في المصلحة والقيمة”، هو عنوان الفصل السابع والأخير، وفيه يدعو إلى “اعتبار البشر الذين ملأوا الميادين حقائق”، مضيفاً “لا ينتقص من حقيقتهم هذه أن قوّة القمع الموصوفة من هنا واستشراء التسلّح من هناك والنجدة الخارجية للأنظمة وتألّب الدول ذات المصلحة على الحركات الشعبية من هنالك قد ألزمت هؤلاء البشر بالانكفاء عن ساحاتهم وحجبت معظم أصواتهم”.

يُذكر أن أحمد بيضون كاتب وباحث ومترجم لبناني، درّس العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، وكان أستاذاً زائراً في جامعات فرنسية عدّة، كما تعاون مع هيئات علمية وثقافية كثيرة لتنفيذ مشروعات عديدة تولّى مسؤولية معظمها. صدر له قرابة 15 كتاباً، بعضها بالفرنسية؛ من بينها: “الأخلاط والأمزجة”، وهو ديوان شعري (1989)، و”الصراع على تاريخ لبنان” (1988)، و”كلمن: من مفردات اللغة إلى مركبات الثقافة” (1997)، و”الجمهورية المتقطّعة” (1999)، و”الإصلاح المردود والخراب المنشود” (2012).

العربي الجديد

حول “الربيع الفائت” لأحمد بيضون/ خالد زيادة

(*) يمكن لأي متابع ممن عاشوا أحداث العام 2011، ما عُرف يومها بالربيع العربي، حين عمّت حركات الاحتجاج بلدان تونس وليبيا ومصر ثم سوريا واليمن، مع امتداد الحركات الاحتجاجية إلى البحرين والأردن والعراق والجزائر والمغرب، يمكن لأي من الذين تابعوا الأحداث آنذاك، وما زالوا يتابعون مصائر هذه الحركات أو الانتفاضات، أن يعتبرها امتداداً لحياته الشخصية. هذا هو على وجه التقريب ما فعله أحمد بيضون حين مهد للكتاب بطرف من سيرته الذاتية، أو الجزء المتعلق بالحقل العام والاهتمامات الوطنية والأوقات التي كرست للعمل الحزبي والسياسي، فضلاً عن الكتابة وممارستها كفعل اجتماعي وفكري.

ولا شك بأنني مثل الحاضرين في هذه القاعة حين اندلعت أحداث تونس في الأيام الأخيرة من العاك 2010، والأيام الأولى من العام 2011، كنت أعتبر أن ما حدث ويحدث شأنٌ لا يتعلق بالتونسيين، وانما يتعلق بي وأمثالي من الذين انتظروا عمراً كاملاً هذا الحدث الذي سرعان ما امتد وانتشر خلال أيام وأسابيع وأشهر قليلة، ليشمل البلدان العربية كافة في انتظار تغيير طال انتظاره.

والمقالات المواكبة التي كتبها أحمد بيضون والعائدة للعام 2011، تشي بنوع من التفاؤل المشوب بالحذر. لقد رحل الرئيس التونسي وتنحّى المصري وسقط الليبي وراوغ اليمني واستمر الشعب السوري في سلميته رغم القمع الوحشي، وكان التيار الاسلامي في تونس يظهر الاعتدال مثل اخوان مصر الذين انخرطوا في العملية السياسية وفي سلسلة الاستفتاءات على الدستور والانتخابات التشريعية والرئاسية.

تذكرنا كتابات أحمد بيضون العائدة من 2011، بالدور الذي لعبه الشباب، فكان الحضورُ في الساحات والميادين شبابياً في ظاهرة كانت متوارية عن الأنظار، وعن الدور الذي لعبته وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي. ولكن وبشكل أكثر وضوحاً وصراحة،  تحمِلُنا على إعادة الاعتبار لصياغة الدساتير، واطلاق الحريات، واعتماد الديموقراطية وسيلة لتقرير شكل النظام واختيار ممثلين.

كان إذاً ثمة تشابه بين الحركات ولنقل الثورات. التي شهدتها البلدان التي خرج فيها المواطنون إلى الساحات والميادين. إلا أن ما يلاحظه أحمد بيضون مبكراً، هو أن هذه الحركات تبتعد عن الشعبوية، ويحلل الفرق بين الممالك والجمالك، ولماذا قامت هذه التحركات في البلدان المتحدرة من الانقلابات العسكرية والتي تحولت إلى جمهوريات وراثية.

وبالرغم من أن “الربيع الفائت” كان ربيعاً عربياً، إلا أن التدخل الخارجي كان حاكماً في ليبيا. ونوايا التدخل الايراني والتركي لم تكن خافية. كذلك فإن تدخل قوات درع الخليج في حسم الموقف في البحرين كانت تشي بصراع اقليمي وسني وشيعي، لا يمكن تجاهله.

يذكرنا أحمد بيضون في “الربيع الفائت” بالتفاؤل الذي ساورنا، وهو غير الاغتباط بتنحي رئيس أو ما افترضناه تغييراً لنظام. وانما في تلك الشعارات والأفكار التي اطلقت والتي كانت تبشر بإحلال الديموقراطية بديلاً للأنظمة الآحادية والتسلطية في تلك الآونة المبكرة، وكان يمكن الأمل بنظام يفصل ما بين السلطات، وحسب قوله: يتحقق بتحقق استقلال الضعفاء وسيادة البرلمان المنتخب وحصانة أعضائه. ومن بين ما يقترحه: الحياد السياسي للإدارة العامة، وحرية تكوين الأحزاب، وحرية تأسيس الجمعيات وتنشيط التنظيمات والعمل النقابي، ونزاهة الانتخاب وحريته، وتحرير الاتصال والاعلام، وفي التعليم والتربية، يتعيّن الانطلاق مما شددت عليه تقارير التنمية البشرية. واقتران التنمية بإجراءات اقتراب من العدالة الاجتماعية، وإعلاء صرح المواطنة، يقول: فيما يبدو أنه نهاية الآمال: تلك لائحة غير حصرية بمسائل لا بدّ لما يمكن تسميته ثورة ديموقراطية عربية من أن يواجهها.

إلا أن هذا التفاؤل الذي تشاركنا فيه جميعنا لا يلبث أن يتضاءل عند مواجهة الواقع والوقائع التي تطفو على سطح الأحداث. يعود أحمد بيضون إلى موضوعه الأثير حول الطوائف ليعمق البحث فيها على ضوء المستجدات التي طرأت بعد 2011، ليميز بين المذهب والطائفة، انطلاقاً من استفحال النزاع الشيعي السني وأهم ما يبرزه هو مواكبة الطائفية  للحداثة. يقول: “واكبت الطائفية ما اقتضاه التوغل الغربي في اقتصاد جبل لبنان”، وعلى الطرف الآخر من هذه المرحلة الطويلة، أي اليوم، نرى أشد المنظمات طائفية أكثرها ضلوعاً، في شبكات الاتصال والتواصل الجديدة وأشدها اعتماداً لأحدث الصواريخ والمتفجرات وأوسعها انتشاراً بين طلاب العلوم البحتة والتطبيقية.

تستأثر الثورة في سوريا بأجزاء من كتاب أحمد بيضون، تتبعاً لمساراتها السلمية أولاً والعنفية تالياً. فمن الريبة والقلق الشديدين على مسار الثورة السورية ومصيرها مع تصاعد العنف والتشكيلات الجهادية، وصولاً إلى التدفق الروسي، يستنتج بأن اخلاء الرقة للنصرة ثم إخلاء تدمر لداعش، بعد أن كان جيش نوري المالكي حليف الحكم الايراني والأسد، قد أخلى لها الموصل بلا قتال يُذكر أيضاً، يقول: “أفضل وصف يسعنا اقتراحه لهذه الاستراتيجية، هو أنها “هندسة للعدو الملائم”، لا يلائم نظام الأسد أن يدع عدوّه يظهر على حقيقته، أي أن ينكشف وقوف نظام بالحديد والنار في مواجهة شعبه، يلائمُ النظام أن يكونَ الارهاب هو العدوُ المتصدرُ لأن الارهابَ عدو العالم كله”..

يترواح الكتاب، الذي يضم مقالات ومداخلات ودراسات كُتبت جميعها بعد اندلاع الثورات العربية، بين تعقب للوقائع وتحليل لظواهر تبرزها مجتمعاتنا من الطائفية والمذهبية إلى التعددية التي مثالها لبنان. ومن ذلك أيضاً التصدّي للعلمانية التي لا تتمتع بصيت حسن في المشرق العربي، يقول: “هل يجدي أنصار العلمانية في مجتمعاتنا التي يغلب عليها الاسلام شيئاً أن يقدموا تضحيات تتناول المضمون أو أخرى تقتصر على الشكل فحسب فيرفعوا مثلاً راية الحكم المدني عوضاً عن راية أخرى يرونها أشد استنفاراً للخصومة هي راية علمانية”.

لست بصدد الإشادة بالكتاب ولا بالكاتب الذي لا يحتاج إلى شهادة إضافية. لكني أريد أن أنوّه بالجهد الذي بذله أحمد بيضون في كل ما يكتبه، وفي بحثه عن العبارة التي تنطق بالفكرة، وهذا دأبه على الدوام. وهاكم مثالاً على ذلك، يقول: “إن بعضاً من أقرب الجماعات إلى الاضطلاع بعبء المقاومة العلمانية تؤثر إخفاء رأسها في حضن لا يمحى هو حضن المنطق الأقلّي. هي خائفة على حرياتها، وهذا خوف ممتع بالشرعية والواقعية معاً، لكن أين لحظ الدفاع الأقلّيه، وهو الساعي إلى تعميم التمييز والمدافع أيضاً عن الطغاة، أن يأمل الصمود فيما هو يساهم في طمس الفوارق في صفوف الأكثرية إذ لا يجد ما يُعرّف به نفسه غير مجابهتها جملة؟” (ص 175).

تتراوح الدراسات والمقالات التي يضمها الكتاب، والتي سبق أن ألقيت في مناسبات، وكتبت في صحف، بين تحليل الوقائع، والتعليق على أحداث، خصوصاً ما تعلّق منها بأحوالنا اللبنانية والسورية ثم العربية، وهي أقرب ما تكون إلى ما يمكن أن نسميه بالتاريخ المباشر. فبعض أجزاء هذا المؤلف التي كتبت خلال خمس سنوات سابقة، يمكن أن نعتبرها، قراءة مدققة للأعوام السالفة في محطات ومفاصل لافتة.

يقرن المؤلف في إحدى المقالات التي تحتل عنواناً معبراً هو “الاستبداد بالمعرفة” ليبين عدم القدرة على توقع ما جرى وما يجري، وما بين أنظمة الاستبداد، وحسب قوله: “كانت المجتمعات، مجتمعات سرية: بمعنى أن أحداثها كانت تبقى سراً عليها، فلا تجتمع لها معرفة بنفسها حيث ينبغي لهذه المعرفة أن تجتمع: أي في المراكز المنوط بها، عرفاً، مهمات تحصيل المعرفة بالمجتمع وجمعها وتنظيمها ثم نشرها حيث يلزم”.

في هذا الفصل من الكتاب قراءة دقيقة وهامة لعلوم الاجتماع في بلداننا، يقول: “ان الباحثين يكونون موضوع متابعة مركزة من الأجهزة المكلفة السهر على نفاذ المعايير الرسمية في انتاج المعرفة وبالنظام السياسي الاجتماعي”.(ص 215).

إذا لمحنا في مطلع الكتاب تفاؤلاً بقيام الحركات والثورات في العديد من البلدان العربية، فإن المقالة الأخيرة تنحو صوب التشاؤم، يقول: “يسود شعور مشروع بالخيبة صفوف من أبدوا تضامناً مع هذه الحركات في المرحلة التي يمكن أن يطلق عليها اسم اجمالي، هو اسم المرحلة “الشعبية”. وهي اتسمت بضخامة الحشود الشعبية وغلبة الأشكال السلمية من تظاهر واعتصام عن العمل ووضوح الأهداف المعلنة وانعقاد قدر مرموق من الاجماع عليها..”، ومع ذلك يختم بالقول: “لا بديل من اعتبار البشر الذين ملاؤا الميادين لشهور من الزمن في هذه الكثرة من العواصم والمدن المنتشرة بين المحيط والخليج حقائق- كانوا وما زالوا حقائق”.

وفي الأسطر الأخيرة يقول: “هذا يرتب مهمات يجب أن تكون طويلة النفس، في الأرجح، ولا بدّ من أن تكون ثقيلة على حامليها”.

يُسهم أحمد بيضون في مقالاته وأبحاثه التي ضمّنها في هذا الكتاب الذي جعل له عنواناً معبّراً هو “الربيع الفائت”، في الإضاءة على الوقائع التي شهدتها السنوات الماضية، حافظ خلالها على طريقته المتأنية في سرد الوقائع وتحليلها والتعقيب عليها. وبهذا المعنى فإن هذا الكتاب يحتّل مكانة في ما كُتب وما سيُكتب عن مرحلة غيّرت أفكارنا، ومع ذلك نقول أنها ليست سوى البداية.

(*) كلمة مدير “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” (بيروت)، الدكتور خالد زيادة، والتي ألقاها في ندوة حول كتاب “الربيع الفائت” لأحمد بيضون في مكتبة المركز، وقد قدمها الزميل صقر أبوفخر وشارك فيها الدكتور شبلي الملاط، بحضور جمع من المثقفين والمهتمين…

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى