صفحات سورية

لعبة التفاوض وخلطة دي ميستورا/ عبدالإله فهد

 

 

‎كثر في الآونة الأخيرة الكلام عن انعقاد مؤتمر جديد للمعارضة السورية للخروج بوفد للمفاوضات أكثر قوة وتماسكاً من الوفد الحالي الذي، وعلى رغم ما حظي به عند تشكيله من دعم دولي غير مسبوق منذ «جنيف2» 2014، إلا أن التباينات التي ظهرت بعد تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات ووفدها المفاوض، بين مكوناته، وعدم قدرة الهيئة على إحراز أي تقدم في ملف جنيف. بل على العكس، كان هناك تراجع واضح وربما غير مسبوق في الأداء، لأسباب كثيرة أرى أن أهمها، إلى جانب التباينات بين مكونات الوفد، تتركز في عدم وجود رؤية وخطة عمل سياسية وإعلامية وإدارية واضحة من جهة، وتجاوز الوفد المفاوض لصلاحياته ومهماته، كما حصل في جنيف 4، من ناحية ثانية. ‎لقد كان في عدم وضع جدول زمني لكل مرحلة، وعدم وضع الآليات المناسبة للوصول إلى أي تقدم، وكذلك عدم العمل على نقاط متفق عليها والبناء على هذه النقاط، والدخول في التفاصيل من دون أي أرضية مشتركة، أثر سلبي وغير مقبول على الإطلاق.

‎من الناحية السياسية، فشل الوفد المفاوض بالدخول في مهمته الأصلية وهي المفاوضات، بل أقحم نفسه في المستنقع الذي وضعه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، تحت مسمى المجموعات الأربع (محاربة الإرهاب – الدستور – إعادة الإعمار – الانتقال السياسي). ‎لم يرتقِ الأمر إلى مستوى المفاوضات، بل اقتصر على ما هو أقرب إلى المحادثات التي تتم من خلال ورشات عمل غالبها من غير أهل الاختصاص، إذ يوجد نفس الأشخاص في كل الورشات وفي جميع الاختصاصات في نفس الوقت! ‎إعلامياً، اقتصر الملف الإعلامي على المؤتمرات والتصريحات الرنانة لرفع السقف وتبرئة الذات من الاتهامات، من دون أن تلعب أي دور في التعبير عن حجم الحدث أو إيصال الرسائل الصحيحة للشعب السوري والمجتمع الدولي، وكانت في مجملها تصلح لخطبة في مظاهرة في الأحياء الشعبية المنتفضة أكثر من أن تكون كلمات مسؤولة وتصريحات سياسية في مؤتمر صحافي جاد. ‎المبعوث الأممي، والذي لم يكن حيادياً، أضاع الوقت في إدارة العملية وليس قيادتها من ناحية، والغرق بالتفاصيل وبعثرة الملف من دون تحقيق أي تقدم من ناحية أخرى. ‎وفد النظام، ومنذ البداية، كان يسعى لإفشال المفاوضات وعدم الالتزام أو القبول بجدول الأعمال المقترح لكل جولة، واستباق كل جولة من المحادثات بهجوم عسكري على قوات المعارضة، وارتكاب المجازر بحق المدنيين وتضييق الحصار وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية والسعي المتواصل لإبرام اتفاقات الهدن، وكذلك الخداع بمحاربة الإرهاب في محاولة للحصول على التعاطف الدولي.

‎بعد جولات عدة سعت لتحقيق بنود جنيف والتي من أهمها (إنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، وتُشكل على أساس التوافق) لجأ المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا إلى جمع وفد الهيئة العليا ومنصات القاهرة وموسكو على طاولة واحدة للوصول إلى وفد واحد، واعتبر أن هذا الأمر هو نجاح مميز، وصوّر الأمر وكأنه وصل إلى دمشق وأزاح الأسد، لكن الصورة سرعان ما انكشفت، وأعلنت الوفود أن هناك تباينات كثيرة وعلى درجة عالية من الأهمية في ما بينها، وعلى رأسها مصير الأسد، إذ تصر بعض مكونات الهيئة العليا على رحيله في بداية المرحلة الانتقالية، بينما تصر منصتا القاهرة وموسكو وبعض أعضاء الهيئة العليا على بقائه في بداية المرحلة الانتقالية. ‎كل ذلك وضع المجتمع الدولي في موقف محرج جداً، لذلك لجأ لنسب الفشل للمعارضة والإعلان عن مؤتمر جديد كما جرت العادة عند الوصول إلى عنق الزجاجة دولياً، أمر تكرر ابتداء من المجلس الوطني إلى الائتلاف الوطني إلى هيئة العليا للمفاوضات بحجة عدم التمثيل الحقيقي للمعارضة، وضرورة توسيع الوفد كي يكون أكثر تمثيلاً من ذي قبل، مع العلم أن وفد الهيئة العليا اعتبر من المجتمع الدولي بأنه الأكثر والأفضل تمثيلاً عند تشكيله وإعلانه. ‎إذا كان للتجارب الفاشلة أي فائدة، فهي ضمان عدم تكرارها، وفي ذلك إشارة إلى أن إنشاء أي جسم سياسي جديد بنفس الطريقة ونفس الأشخاص والتباينات في ما بينهم، لن يكون له أي قوة أو تأثير قبل معرفة التوافقات الأميركية – الروسية غير المعلنة حتى الآن، وكذلك التوافق بين الدول صاحبة النفوذ في الملف السوري، تمهيداً لإصدار قرار أممي تحت الفصل السابع يلزم الجميع بتطبيق قرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي من جهة وتوحيد رؤية الوفد المفاوض حول عدم بقاء الأسد ومحاكمته وتلبية متطلبات الشعب السوري في الحرية والكرامة من جهة ثانية.

* الأمين العام السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى