صفحات سوريةميشيل كيلو

لقاء التشاور وتوصيات الحوار؟


ميشيل كيلو

تلقيت وصديقين من المثقفين دعوة الأستاذ فاروق الشرع، نائب رئيس الجمهورية، إلى لقاء في مكتبه. ترددت في البداية، ثم قررت تلبية الدعوة، كي أخبره بوجهة نظري حول ملابسات سبقت اللقاء التشاوري، والنتائج التي وصل إليها.

في الملابسات: كان الجسم السوري المعارض، الحزبي والثقافي، قد تقدم بمطالب إلى الجهات الرسمية، قال إنها تشكل بيئة، يضمن تنفيذها نجاح الحوار، الذي كانت السلطة قد وعدت بإجرائه، ثم قررته وأعلنت عنه على لسان رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد، ورأت أنه سيمر في طورين متعاقبين أولهما « لقاء تشاوري « مهمته تحديد موضوعات وآليات الحوار، يعقبه بعد فترة « مؤتمر حوار وطني « يعلن الأسس التي يتم التوافق عليها حول وضع جديد قيل رسميا وحزبيا إن سوريا ستنتقل إليه، وسيكون مغايرا لوضعها الراهن. وهو وضع لم يعد، كما يبدو، مرجعية بالنسبة لأحد، بمن في ذلك أهل الحكم، الذين لو كانوا يرون فيها مرجعيتهم لما وافقوا على تغييره. هذه المطالب كانت موجهة في سائر بنودها نحو تغليب كفة حل سياسي سلمي على الحل الأمني العسكري والعنيف، عبر فتح الباب واسعا أمام حوار جدي وشامل يطاول ظروف البلد من كافة جوانبها، ينتهي بنقلها إلى حال طبيعية تزول منها السياسات التي ستؤدي إلى تمزيق المجتمع وتهشيم الدولة وإبادة قسم كبير من الشعب، ووضع مصير البلد على كف عفريت، وتعريضه لمفاجآت سوداء، ستقوم جميعها على التقاتل بالسلاح وانفلات المشاعر الطائفية والتفتيتية، وعلى أحقاد نرى كل يوم عينات منها على شاشات التلفاز تقشعر لها الأبدان، لو أن أحدا قال قبل أشهر قليلة إنها ستحدث في سوريا، لاعتبرناه مجنونا أو جاهلا بالسوريين، المسالمين والمتحابين!

لكبح الحل الأمني وفتح باب الحوار، اقترحنا وقف إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، والسماح بالتظاهر المرخص وحمايته، وإطلاق سراح من لم يرتكب جناية من المعتقلين على خلفية الأحداث الجارية، وإحالة من هم في السجون إلى المحاكم، وإعلان الحل السياسي خيارا وحيدا للنظام، والتعويض على أسر الشهداء جميعهم، والإفراج عن كافة معتقلي الرأي، مع إعلان حول تغيير الدستور، وإقرار بأن للأحزاب المعارضة شرعية الأمر الواقع، على أن يسبق اللقاء، فيخلق أجواء ثقة في البلاد ويخفف احتقان أجوائها. ومع أن من استمعوا إلينا من الرسميين أبدوا إيجابية وتفهما حيال هذا كله، فإن شيئا منه لم يتحقق قبل اللقاء، الذي باغتنا باعتماد بعض مطالبنا كتوصيات صدرت عنه، مما يعني أنه قبلها، ولكن باعتبارها مطالبه هو وليست مطالبنا نحن كمعارضة!

أثار هذا الأمر انتباهي، وجعلني أشك في صدق الدعوة إلى الحوار التي وجهت إلينا، وأعتقد أن من دعانا، أو أحدا ما لا أعرفه، أراد استبعادنا عن اللقاء، لأنه لو أراد حقا مشاركتنا، لكان أعلن قبول ما أوصى بتنفيذه من مطالبنا قبل اللقاء، ولأخذنا بكلامنا وألزمنا بحضوره، مع ما كان سيترتب على ذلك من نتائج مهمة ستنعكس إيجابيا على أهميته الوطنية، ومن تحول في طبيعته، سيجعله لقاءا تشاوريا وطنيا عاما بالفعل، بدل أن يكون لقاء أناس ينتمي معظمهم إلى لون سياسي رسمي واحد.

هل فات هذا الجانب من المسألة الذين رتبوا للقاء، أم أن ما فعلوه كان مقصودا، أرادوا من خلاله الظهور بمظهر المطالب بإطلاق سراح المعتقلين والمتظاهرين والسماح بالتظاهر السلمي، بدل أن يكون موقفهم استجابة لمطالب المعارضة؟ والغريب أن مطالبنا اعتبرت شروطا مسبقة لا يجوز تقديمها، لأنها تمس بهيبة الدولة، كأن وقف الحل الأمني شرط تضعه المعارضة وليس مطلبا شعبيا عاما، أو كأن إنجاح الحل السياسي لا يعزز هيبة الدولة واحترامها لدى المواطنين، ولا يجعلهم يشعرون أنها دولتهم الحريصة على حياتهم ومصالحهم. هكذا إذن، إن المطالب التي رفضت بزعم أنها شروط تعجيزية تمس بهيبة الدولة، قبلت كتوصيات من الذين رفضوها. فكيف يستقيم الأمران، ونصدق أنه لم يكن هناك رغبة في إبعاد المعارضة والمعارضين عن الحوار، من جهة ما؟

هذه القراءة، التي فاتحت نائب الرئيس بها، عززتها ملاحظات قدمها عضو هيئة الحوار أستاذ القانون الدكتور إبراهيم دراجي، تنصح بالإسراع في تطبيق توصيات اللقاء، من أجل إضفاء الجدية على نتائجه، خاصة وأنه بدا واضحا خلاله أن تغييب المعارضة عنه لم يغيب صوتها منه، بعد أن كرر ووسع مطالبها معظم المتحدثين فيه، بدءا بالدكتور طيب تيزيني مرورا بالأستاذ علي حيدر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وصولا إلى صديقي النظام الدكتورين قدري جميل ومحمد حبش.

طالب الدكتور دراجي بإجراءات تؤكد صدقية الحوار، الذي خضع للتلاعب كما سبق أن شرحت، بينما برز بعد المؤتمر تطوران خطيران: كان أولهما هجوما عسكريا مكثفا وعاما شنته في كل مكان قوى الحل الأمني، بهدف معلن هو وقف التظاهر والحراك المجتمعي قبل حلول شهر رمضان، أي خلال أقل من أسبوعين من نهاية اللقاء. بما أن هذا الهدف ليس قابلا للتحقيق، فإن قيام أنصار هذا الحل بتصعيد هجماتهم في كل مكان، وانتقالهم إلى تطويق واقتحام مدن وقرى سبق لهم أن أعلنوا تهدئتها، وشنهم حملات دهم واعتقال لا سابقة لها في تاريخ سوريا كله، طاولت حتى مثقفين وفنانين مسالمين نزلوا إلى منطقة الميدان بدمشق للتعبير عن رغبتهم في وقف العنف وحقهم في التظاهر السلمي، فقد بدا وكأن هذا هو رد السلاح على لقاء دعا إلى الانتقال نحو نظام تعددي ديموقراطي مدني، أراد إحباط توصياته ونتائجه وقطع الطريق على «مؤتمر حوار وطني» موسع، سيعقد تحت رعاية وبحضور رئيس الجمهورية، قد يتفادى الثغرات التي واكبت لقاء التشاور ويكون من الصعوبة بمكان مناوأته، في حين تبدى الجزء الآخر في هجوم كلامي وعملي عاصف ركز على قادة اللقاء وموضوعاته، بحجة أن تنفيذ توصياته أو مواصلة الحوار الوطني سيؤديان عمليا إلى «اجتثاث البعث»، خاصة إن تم حقا إلغاء المادة الثامنة من الدستور، التي تجعل الحزب قائدا للدولة والمجتمع. أخيرا، وقبل أيام قليلة، صرح أحد معارضي الحوار من أتباع الحل الأمني أن لقاء التشاور كان جريمة.

ما هي فرص مواصلة الحوار؟ يبدو أن النظام سيطبق توصية اللقاء الأولى، التي طالبت بمراسيم جمهورية تقر قوانين الأحزاب والانتخاب والإعلام، التي تمسك بالعصا من منتصفها بين ما هو قائم وما هو مطلوب، ولا تلبي مطالب قطاع واسع من الشعب والمعارضة. هل سيطبق النظام بقية المطالب/ التوصيات؟. أعتقد أن هذا يرتبط اليوم بعناصر ثلاثة:

ـ مسار الحل الأمني، الذي تصاعد بشكل انفجاري خلال الأسبوع الأخير، وطاول معظم مدن وقرى سوريا، ويرجح أن يدخل في مرحلة حسم خلال شهر رمضان، فإن لم يحقق أهدافه كانت النتيجة جعل سقوط النظام مسألة محتملة.

ـ ميزان القوى بين أنصار الإصلاح وخصومه داخل البعث والسلطة. لا شك في أن نتائج اللقاء بينت رجحان كفة خصوم الحل السياسي، وأكدت أن المتشددين من أعداء الإصلاح بدأوا يجمعون صفوفهم حول الحل الأمني وقادته، وأنهم يريدون منع الصراع الدائر داخل المجتمع والدولة من الوصول إلى داخل الحزب والسلطة، بأي ثمن.

ـ قدرة المعارضة على اتخاذ مواقف عقلانية، وعلى توحيد صفوفها وخطابها، والتأثير في الحراك المجتمعي، الذي تزداد حاجته إلى وحدتها ووضوح مواقفها من جهة، كما في النظام وخياراته من جهة أخرى.

رغم محدودية ما نسب إلى « لقاء التشاور» من أهمية، يبدو أنه كان نقطة مهمة في سير الأزمة السورية، التي عبر انعقاده عن دخولها في طور جديد، جعل قسما من السلطة يراها بداية إصلاح جدي يلاقي الحراك الذي يجري في الشارع، ويؤمن أن الإصلاح غدا ضرورة لا مهرب منها، بينما اندفع قسم آخر إلى موقف يقوم على فكرة جوهرية هي: كل شيء أو لا شيء، فإما الحفاظ على السلطة كما هي، أو لا بلاد ولا عباد!

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى