حازم نهارصفحات مميزة

لقاء الدوحة: المحاولة الأكثر جدية للمعارضة السورية


حازم نهار

اعتدت فيما مضى على عدم الإنصات لأية مهاترات أصادفها في طريق العمل، ولطالما كنت مقتنعاً بأن العمل الجيد والمستند إلى المصلحة الوطنية سيفرض نفسه في المآل. لكن ما يدفعني اليوم للكتابة والتوضيح هو حجم الأكاذيب التي أثيرت حول لقاء الدوحة، وحاول بعضها المس بشخصية عربية بقامة عزمي بشارة، لكن بالطبع دون نجاح.

وهذه الشهادة لا تأتي من شخص شارك في جميع جلسات اللقاء وحسب، بل أيضاً من شخص كان له الدور الأول في التخطيط والإعداد لهذا اللقاء.

من المعروف أن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يديره الدكتور عزمي بشارة قد دعا عدداً من الشخصيات الثقافية في سورية بتاريخ 29/7/2011 للمشاركة كمحاضرين في الندوة البحثية حول سورية، وقد كانت هذه الندوة ذات طابع بحثي لخبراء في الشأن السوري، وبالتالي لم تكن معنية أبداً بإصدار بيان أو موقف ما، بل هي محاولة من المركز لحث أصحاب الفكر على التفكير في الشأن السوري بهدوء.

أثناء هذه الندوة برزت الحاجة لمعرفة أوضاع المعارضة السورية وبحث شؤونها وشجونها، وقد قدمت للمركز اقتراحاً باستضافته لندوة سياسية تدعى إليها بعض الشخصيات السياسية المعارضة من داخل وخارج سورية، وقد أيد المركز هذه الفكرة ووعد بالعمل على تحقيقها في أقرب وقت.

بعد ثلاثة أسابيع تقريباً جاءني رد رسمي من المركز بالموافقة على الندوة وبتكليفي دعوة الشخصيات المعارضة المناسبة للمشاركة في هذه الندوة السياسية على ألا يزيد العدد عن 25 شخصية، وفعلاً بدأت التواصل مع القوى السياسية داخل وخارج سورية دون أي محاولة لإقصاء أي طرف، وكان عنوان هذه الندوة “لقاء تشاوري للمعارضة السورية”.

وقد حدّدت هذه القوى كالآتي: هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي، الإخوان المسلمون، التيار الإسلامي المستقل، وجرى اعتماد عدد تقريبي هو 4-6 من كل اتجاه سياسي، بالإضافة لعدد محدود من الشخصيات المستقلة وعدد من الشباب الناشطين. بعض الشخصيات التي دعيت كانت ممنوعة من السفر وبعضها ليس لديها جواز سفر أصلاً، لكن في المآل حضرت شخصيات من القوى المختلفة، رغم أني ارتكبت خطأ غير مقصود في الدعوة لاعتقادي أن بعض الشخصيات التي جاءت من لقاء استنبول التشاوري تمثل حركة الإخوان المسلمين، وقد تبينا غير ذلك في الندوة.

ووضعت برنامج جلسات نقاشية للقاء تضمن الآتي: أوضاع المعارضة السياسية في سورية، الحراك الشعبي في سورية، التنسيقيات والشباب، خطة عمل المعارضة ورؤيتها للمستقبل والخطوات المطلوبة.

وكان المطلوب أن يحضر المدعوون بتاريخ 4 أيلول ليكون يوم 5 أيلول والفترة الصباحية من يوم 6 أيلول هما يوما عمل اللقاء التشاوري.

بدأ اللقاء التشاوري بكلمة ترحيبية من الدكتور عزمي بشارة، وبعدها أراد المغادرة، لكن معظم الحضور أصروا عليه كي يبقى ويحضر مستمعاً على الأقل، وهكذا كان رغم أنه لم يحضر جميع الجلسات.

أثناء الجلستين الأولى والثانية برزت الحاجة للانتقال سريعاً نحو الجانب العملي الخاص برؤية المعارضة وتوافقها ووحدتها خاصة مع ضغط الشباب الحاضرين للقاء الذين رأوا أن وحدة المعارضة وتوافقها قد أصبح مطلباً شعبياً ملحاً.

من جهتي رأيت هذا الأمر مفيداً ويأتي استمراراً للجهود التي بذلناها من أجل وحدة قوى المعارضة بدءاً من 25 آذار 2011 استناداً لعدد من النقاط وهي: ضرورة وجود بوصلة سياسية للحراك الشعبي، والتخفيف من التصريحات والتصرفات غير المسؤولة باسم المعارضة السورية، خاصة تلك التي تتجه نحو بناء علاقات غير مدروسة مع دول العالم باسم المعارضة السورية، واشترك في تلك الجهود آنذاك: برهان غليون، حسين العودات، عارف دليلة، حبيب عيسى، عبد العزيز الخير، حازم نهار…وهي الجهود التي أثمرت بعد 4 أشهر من العمل المتواصل عن تشكيل هيئة التنسيق الوطنية التي ضمت طيفاً واسعاً من القوى السياسية إلا أنها لم توحِّد جميع أطراف المعارضة حيث اعتذر إعلان دمشق عن المشاركة آنذاك.

وبعد جلسة نقاش تم التوافق على تكليف لجنة لصياغة بيان توافقي بين أطراف المعارضة الحاضرة في الدوحة، وشارك في اللجنة ممثلون عن جميع الأطراف السياسية، وبعد أن تمت صياغة البيان عرض للنقاش وكان هناك توافق عام في الرؤية، إذ أكد الجميع على إسقاط النظام ورفض الحوار والانحياز الكامل للثورة وتشكيل ائتلاف سياسي مفتوح لجميع القوى السياسية المعارضة وقيام هذا الائتلاف السياسي الأكبر في تاريخ سورية بالتحضير لعقد مجلس وطني تدعى إليه الشخصيات المستقلة والنشطاء وشباب الثورة وممثلين عن المؤتمرات التي عقدت والمبادرات التي أعلنت. لكن مجموعة استنبول عادت ورفضت الانضمام للائتلاف بعد التوافق على أفكاره السياسية، لأن هذه المجموعة أوضحت رغبتها بمجلس وطني لا ائتلاف سياسي، رغم أن الكلام الأخير لعدد من مجموعة استنبول كان هو الموافقة على الانضمام للائتلاف شريطة نسبة محددة من المقاعد في قيادة الائتلاف.

بعد ذلك سافر القادمون من دمشق من هيئة التنسيق الوطنية وإعلان دمشق بتاريخ 7 أيلول على أن يكون هناك مصادقة من قبل هيئاتهم القيادية، وأن يتم الإعلان عن الائتلاف من قبلهم بتاريخ 11 أيلول، وبعد ذلك بأسبوع يتم الإعلان عن أسماء قيادة الائتلاف على أن تكون مؤلفة من 25 شخصاً، 16 داخل سورية و9 خارج سورية، وتم تكليف لجنة ثلاثية للمتابعة مؤلفة من 3 أشخاص هم: برهان غليون، حازم نهار، نبراس الفاضل، مهمتها التواصل مع الإخوان المسلمين وبحث مسألة انضمامهم للائتلاف ومتابعة أمور الائتلاف لحين الإعلان عن قيادته.

جاء وفد الإخوان المسلمين بتاريخ 8 أيلول، ولم يستغرق اللقاء معهم أكثر من ساعتين لإعلان موافقتهم الأولية على الانضمام للائتلاف مع بعض التعديلات الطفيفة على النص وعدد أعضاء الهيئة القيادية، على أن يعودوا لهيئاتهم القيادية من أجل المصادقة على الانضمام خلال أيام قليلة.

ما زالت الحوارات مستمرة حتى اللحظة مع هذه الأطراف الثلاثة، ومع غيرها، من أجل إنضاج هذا الائتلاف والإعلان عنه.

هذه هي قصة لقاء الدوحة الذي انبرى بعض من حضروا وبعض من لم يحضروا لإعاقته والتشكيك به والنيل من المضيف ومن بعض الشخصيات التي حضرت وشاركت.

بقي أن أثبت النقاط التالية حول اللقاء:

1- لقاء الدوحة هو لقاء تشاوري برزت الحاجة إليه أثناء الندوة البحثية التي أجريت قبل شهر من قبل المركز، وأثناء اللقاء برزت الحاجة لنقاش عملي خاصة بوجود عدد من الشباب الذين هم على تواصل مع الداخل السوري، ولم يكن اللقاء معنياً بإصدار بيان في الأصل.

2- لا علاقة لحكومة قطر باللقاء لا من قريب ولا من بعيد.

3- لم يطلب أحد من هذا اللقاء أي شيء، لا الدكتور عزمي بشارة ولا غيره، وحضوره لبعض اللقاءات كان بناء على رغبة الحاضرين باعتباره شخصية عربية معروفة بانحيازها لثورات الشعوب.

4- لا يعرف عزمي بشارة من الحاضرين إلا بضعة أسماء لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.

5- الشق العملي في اللقاء هو تشكيل ائتلاف لقوى سياسية وليس مؤتمراً أو مبادرة غير محددين..بالتالي لا يصح هنا فتح موضوع الإقصاء وعدم الإقصاء.

6- لم يكن الإعلام موجوداً لأن الهدف المركزي للقاء التشاوري كان حوار أطراف المعارضة حول أمور تخصها في اللحظة الراهنة، وربما هذه هي النقطة التي استغلها البعض لإثارة الإشاعات حول اللقاء، خاصة مع التزام جميع المشاركين بعدم التحدث حول اللقاء في الإعلام.

7- لم يكن هناك خلاف سياسي بين الأطراف الموجودة لا على أهداف الثورة ولا على الرؤية للمستقبل، لكن كان هناك نقاش حول دلالات ومعاني الكلمات التي تكتب، وهذا أمر طبيعي بين أطراف لأول مرة تتاح لها فرصة الحوار فيما بينها منذ عقود.

8- في هذا النقاش لم يكن هناك حضور للأيديولوجيات الحزبية ولم يسع أي طرف لفرض أيديولوجيته، وكان النقاش سياسياً بامتياز حول الأهداف وبرامج العمل. وأثناء النقاشات تم تناول جميع المواضيع والمشاكل كالقضية الكردية والأقليات في سورية، وغيرها من الأمور المطروحة على جدول أعمال المعارضة السورية، ولم يكن هناك فيتو من أحد على طرح أي موضوع.

9- تزامن اللقاء مع صدور مبادرة جامعة الدول العربية، لكن هذه المبادرة لم تكن مطروحة على مائدة النقاش بالمطلق، ولم يتعامل معها أي طرف سياسي، وجميع من صرحوا في الإعلام حولها قالوا هي مقدَّمة للنظام ولا تعني المعارضة في شيء.

10- لم تطرح فكرة أي اتفاق وسط بين المعارضة والنظام السوري من قبل أي طرف سياسي، ولا عرض الأمر من أية جهة.

الواضح أن الافتراءات التي قيلت عن لقاء الدوحة تنطلق مما يلي:

هناك أناس لا يعرفون التقدم إلى الأمام إلا عن طريق التقليل من أهمية الآخر أو الإساءة له والافتراء عليه، وربما أحس البعض أن لقاء الدوحة فعلاً هو الحركة الأنضج والعمل الأكثر جدية كونه قام على حوار بين جهات سياسية موجودة بالفعل على الأرض وذات تاريخ معروف في معارضتها وتضحياتها، وهي الحركة التي ربما كان هناك خوف من نجاحها بدلاً من الحركة الخلبية للمؤتمرات وحالة الإسهال المزمن في المبادرات غير المدروسة وافتتاح الدكاكين الفاشلة، فما حصل من مؤتمرات ومبادرات أثار من الضجة أكثر مما قدم فعلياً للثورة. على الأغلب عمل البعض هنا استناداً لمقولة: اكذب عن الدوحة كي تنجح في استنبول أو القاهرة أو غيرها، بما يعني أن المطلوب هو إفشال اللقاء من أجل إبراز غيره، والسؤال هنا: أية مصلحة وطنية تكمن وراء هذه السلوكيات والذهنيات؟.

رغم ذلك باعتقادي أن هذا اللقاء التشاوري كا ناجحاً وقدم أكثر مما هو مأمول منه، فهي المرة الأولى التي يحدث فيها حوار جدي بين أطراف المعارضة السورية من الداخل والخارج، لذلك من المهم لمن يضعون نجاح الثورة السورية في اعتبارهم الانتباه إلى ضرورة المراكمة والبناء على نجاحات هذا اللقاء.

والغريب أيضاً هو خطاب التشبيح الذي ظهر في بعض الأماكن من قبل الأكثر مزاودة في تبني شعار “إسقاط النظام”، وكان الأولى بهم إسقاط ذهنية التشبيح من رؤوسهم أولاً، إذ لن يكون طموح السوريين اليوم هو الإتيان بشبِّيحين متنكرين بزي المعارضة، خاصة تلك الشخصيات التي تريد أن تتصدر المشهد وقد كانت إما جزءاً من النظام القائم ومندرجة فيه أو صامتة تعيش في حالة انقطاع شبه دائمة عن البلد وأهله ومعاناته.

لقد آن الأوان لإيقاف ذلك السباق المحموم المرتكز إلى التنافس السلبي، والنظر للمستقبل من وحي هموم وحاجات الثورة السورية العظيمة والمصالح الوطنية السورية العليا.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. بحسب البند رقم خمسة من هذه المقالة: “الشق العملي في اللقاء هو تشكيل ائتلاف لقوى سياسية وليس مؤتمراً أو مبادرة غير محددين..بالتالي لا يصح هنا فتح موضوع الإقصاء وعدم الإقصاء.”
    لا أفهم إذاً سبب التنافس بينكم وبين المجلس الوطني السوري. هذا التنافس الشديد الواضح في هذه المقالة نفسها والواضح أيضاً في مواقف برهان غليون حسب الأخبار التي وصلتنا. لماذا لا تنضموا إلى المجلس الوطني السوري بصفتكم ائتلاف سياسي ؟ وما هو وجه التعارض بين ائتلافكم السياسي ومجلس وطني واسع يضم كل أو جلّ الطيف السياسي السوري ؟
    مع جزيل الشكر

  2. اخي حازم نهار بعد التحيه انا محمود الغادري مسوؤل اللجنه الايطاليه للدفاع عن حقوق الانسان في سوريا اسستها في عام 1986 ولازالت تعمل حتى هذه الايام وبشكل اكثر فعاليه مع جميع منظمات حقوق الانسان . انني اثمن فيك الصراحة في وضع النقاط على الحروف لانه هناك اناس ومع الاسف تهمهم مصالحهم الخاصه والانا المتنامي والمتاْصل في شخصيتهم . هم الذين يشككو في اي عمل جاد لدعم الثورة السوريه فهم لايختلفون كثيرا عن اعداء الثوره. انني ومن موقعي المتواضع جدا ادعم وبدون تردد اي وحدة للمعارضه تدعم الثورة في الداخل وتلبي مطالب الشعب في التحرر واسقاط العصابه الحاكمه

  3. كنت اتمنى عليك …..استاذي الكريم ان تسمي كل شخص اراد تحقيق مصلحته الشخصية …وتسمية كل من يريد ان يتسلق ظهر المظاهرات والثورة ليتصدر المشهد …..باسمائهم حتى نعرف الحقيقي من الوهمي ….ونعرف من ينبغي ان يتحدث باسم المعارضة والثوار في الداخل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى