صفحات الثقافة

لقمة العيش نقطة ضعف مثقفينا


لطفي خلف

ماذا يُفهم من طرح الدهشة الثقافية على ساحات حياتنا اليومية بتناقضاتها وأشكالها وتشعباتها المختلفة؟ هل الهمُّ الثقافي هو القاعدة الهرمية العريضة لهمومنا الأخرى؟ الشرائح والطبقات البشرية داخل كل أمة في مجتمعنا الدولي مختلفة ومتنوعة أيضا وقارئ أبجديات التاريخ يفهم ما أعنيه بسهولة ويسر لأن العصور الأوروبية القريبة الماضية – على سبيل المثال – أفرزت داخل مجتمعاتها أحقادا طبقية تركت بصمات جلية إيجابا كانت أو سلبا بهدف تغيير وإسقاط مفاهيم بالية حول الملكية الفردية مثلا، أو حول الزواج وشأن الكنيسة والدين بأمور الحياة المتنوعة الأخرى والثقافة جزء لا يتجزأ منها، حتى حدث ما حدث من ثورات داخل تلك الأمم، وفرنسا كانت المثال الأبرز والأكثر شمولية لما ذكر.

الغربة هي الخطوة الأولى لمن تلسعه نيران الهم الثقافي في بلادنا العربية، والغربة لها تجلياتها وأنماطها المتعددة فمنها غربة المنفى وغربة الروح والغربة داخل الوطن على شكل الإقامة الجبرية أو داخل سجون وأقبية السلطة. ولكن الغربة ليست سوى وسيلة من أجل الوصول إلى الغاية والهدف الذي يسعى المثقف إلى تحقيقه.

لم يتحقق بعد آلاف السنين حلم أفلاطون في إنشاء ‘المدينة الفاضلة’؟ ولم يتحقق حلم جيفارا الثائر الأرجنتيني الطبيب في كنس الظلم عن وجه الكرة الأرضية، ولم يتحقق حلم الآلاف الآخرين من المثقفين ودعاة البناء في إصلاح الكون على مدى العصور والتاريخ، لكن فكرة التنوير والإصلاح والبناء ما زالت تسكن مخيلة المثقفين والمفكرين وستبقى كذلك حتى آخر ثانية من عمر الزمن، لأن الإنسان بطبيعته وتركيبه الفسيولوجي والنفسي ميال إلى الاستقرار والطمأنينة والسلم.

لقمة العيش بالنسبة للمثقف هي نقطة ضعفه، إذا حجبت عنه ضاق أفق تفكيره فإما أن يقبض على جمر الثبات ويواصل بشد الحزام على بطنه – في أحسن الأحوال – وإما أن يختار المنفى أو السجن أو التصفية الجسدية فيما لو أرخى لفكره العنان، لأن المثقف نقيض للسلطة والديكتاتورية عند البعض.

ولأن للقمة العيش دور كبير في ذلك، فالجائع لا يقف عند محطات الإبداع والإنجاز إلا إذا حصل على الأمان وتمكن من توفير أسباب الطمأنينة له ولعائلته بضمان البقاء والعيش الكريم تحت سقف هذه المرحلة الاقتصادية العالمية الصعبة مع عدم نسياننا أن للمعاناة الدور الأكبر في الخلق والإبداع.

هل أصبحت البشرية ضعيفة إلى حد العقم في إنجاب باحثين ومفكرين ومثقفين يدعون لتصحيح المسار الحالي للحالة الثقافية بعد الشرخ المذهل ما بين الحداثة والأصالة من ناحية وما بين الثقافة ومناحي الحياة الأخرى من جانب آخر والذي أوصل حتى المبدع نفسه إلى التشكيك في الدور الإبداعي الحالي في نهضة الأمم ورفع مستوياتها في جميع ميادين الحياة عن طريق دور الفكر والفلسفة والأدب؟

‘ كاتب من فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى