صفحات سوريةمحمد زهير كردية

لكنْ هل سيرحل عن الساحة فعلاً؟

 

محمد زهير كردية *

صديقة قديمة، التقيتُها ذات صباح دمشقي وكانت في أبهى حالاتها كما لو أنه يوم الزفاف. ولدى سؤالي عن سبب سعادتها الحقيقية الواضحة وسط كل هذا الحزن السوري أجابت: «سألتقيه بعد قليل، الرجل والعشيق والأمل والحياة بأسرها… وأنا رهن اشارته ما أراد». وأضافت بعد طول شرح: «هيا بنا وإلا سنتأخر». رافقتها من دون أدنى كلمة أو تعليق وهاجس الاكتشاف يملأني، في طريقٍ مكتظٍ بالسيارات والمشاة ورجال الأمن والجيش، ولافتاتٍ وصورٍ وأعلامٍ انشقت عنها الأرض. حتى السماءُ خلَت من الطيور الطليقة الجناحين وصارت حلبةً للطائرات الحربية المقاتلة.

توقف السائق قبل نهاية الطريق وقال: «الطريق مغلق لأسباب أمنية، انزلوا هنا». ولدى نزولنا ومتابعتنا الطريق مشياً على الأقدام، صرتُ، ومن دون سابق إنذار، جزءاً من مئات الحجّاج السوريين الى ساحة الأمويين ممن قال عنهم التلفزيون الرسمي بعد اللقاء المنتظر انهم «تجاوزا الخمسمئة ألف شخص». سألتُ صديقتي: «ما الذي يفعله حبيبك في مكان كهذا ووسط كل هذا الزحام، هل يعمل هنا أم ينتظرك في أحد المقاهي؟».

نظرت اليّ باستخفاف واستغراب قائلةً: «موعدي معه هو هنا، في ساحة الأمويين». ولم تكد تنهي كلامها حتى بدأ الصراخ والهتاف يرتفع من المئات المتجمعة في الساحة، وانضمت صديقتي الى الجوقة وركضَت مسرعةً على درب جلجلتها الوطني باتجاهه، بشار حافظ الأسد. مئات السوريين المهووسين به، المتباركين بمرآه، المتصوفين بملمسه إن استطاعوا لمسه، وهم يقدمون الغالي والرخيص على مذبح بقائه على العرش: «لأجل عيونك يا أسد/ بدنا نحرق هالبلد». وسط كل هذه الطقوس هاتفني أحد الأحبة ليخبرني أنه مع مجموعة من الشبان في مدينتي قاموا بتمزيق صورة كبيرة لذلك الشاب الذي عبدَته صديقتي القديمة تلك.

وقبل تمزيق صور الإله الابن تلك وبعدها، تساقطت أوثان الإله الأب من درعا قبل عامين الى الرقة قبل أيام، في ثورة رفعت شعار «… ما منركع إلا لله». وبالعودة الى ساحة الامويين والعبيد المتجمعين فيها، سيطر عليّ بِحُب وفرح خبر تمزيق الصور على حساب كل حلقات الدبكة والرقص ومجموعات اللطم والتحسر كلما ابتعد الاسد عن عبيده، وتساءلت في نفسي: هل أبقى وأراقب الى ان يرحل الأسد من تلك الساحة أم ارحل الى الجانب الآخر من سورية، حيث أنا والكثيرون منذ 15 آذار 2011؟!.

لكن… هل سيرحل من الساحة فعلا؟

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى