جورج كتنصفحات سورية

لكي لا يتخلف الكرد عن مسيرة التاريخ


جورج كتن

جاء انعقاد المجلس الوطني الكردي في ظروف الثورة السورية ضد النظام القمعي ليبين مواقف مختلف الاطراف والتيارات السياسية الكردية مما يجري في سوريا. وليس جديداً تشتت الحركة الكردية التي شهدت أحزابها إنشقاقات متوالية، في توالد تحكمه في كثير من الاحيان عوامل شخصية لتفصيل احزاب على قياس سكرتيريها العامين. لكن الدعوة لتوحيد الصف الكردي لم تتوقف منذ زمن وشهدت محاولات عديدة منها الجبهة والتحالف و التنسيق والمجلس السياسي، فشلت في تشكيل مرجعية موحدة للكرد. فهل نجح المجلس الوطني الكردي الحالي فيما فشلت فيه التجارب السابقة؟

يبدو ان المجلس قد وحد احزاب وشخصيات في ائتلاف أوسع من المحاولات السابقة، ولكن تلك مسألة نسبية فالساحة الكردية ما زالت موزعة في الواقع العملي وليس حسب بيانات تدور الزوايا الحادة لترضي أكبر عدد ممكن من الأطراف. هناك قوى واحزاب كردية خارج المجلس ومنها تيار المستقبل وحركة الإصلاح وغيرها اتخذت موقفاً منخرطاً كلياً في الثورة السورية كانت نتيجته اغتيال مشعل تمو الاكثر التزاما بالثورة في الصف القيادي الكردي. فيما تحفظ المجلس في بيانه الختامي عندما اشترط قبول المعارضة السورية للمطالب الكردية القومية ليقبل الإنضمام إليها.

التيار الثاني خارج المجلس يمثله حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الفرع السوري لحزب العمال الاوجلاني والذي تميز في الفترة قبل العام 1999 بارتباطه بالنظام السوري وأجهزته الامنية بحكم انخراطه في العمل المسلح ضد السلطة التركية بدعم وتسهيل من النظام، إلى ان تبدلت السياسات الإقليمية وعقد اتفاق اضنة الذي انهى العداء بين النظامين وطرد بعدها حزب العمال من سوريا مما مكن من اعتقال أوجلان، لتنقلب السلطة على فرعه السوري ملاحقة واعتقالاً طوال سنوات، لتعود بعد اندلاع الثورة وتدهور العلاقات مع تركيا إلى غض نظر السلطة عن نشاطاته والسماح بعودة قياداته المنفية لسوريا.

الاتحاد يجتذب انصارأ من المتشددين تجاه تركيا، ورغم خطابه المنمق حول الثورة السورية فهو يتهم المعارضة بأنها عميلة لتركيا وبالتالي وحسب تعبير “باييك” القيادي في جبال قنديل، “حزب العمال وتابعه الإتحاد سيقاتلان في خندق النظام ضد تدخلات تركيا في الشأن السوري”. وهو السبب الرئيسي لعدم قبول الاشتراك في المجلس الوطني وليس الخلاف على عدد ممثلي الإتحاد في المجلس. الحزب الآن يستفيد من سماح السلطة له بالنشاط العلني، فأرسل تهديدات لاحزاب كردية ودعا لانتخابات علنية لممثلين للشعب في بعض المناطق وأنشئ مدارس لتعليم اللغة الكردية وغير ذلك من النشاطات التي يقول عنها انها تطبيق “للإدارة الذاتية الديمقراطية” دون انتظار من يعترف بها!

التيار الثالث الذي لم يشارك في المجلس الوطني هو تيار حديث يتكون من إتحاد تنسيقيات الشباب الكرد لرفضه وصاية الاحزاب الكردية التي تريد إلحاق الحركة الشبابية بها وتتردد في المشاركة الفاعلة في نشاطات التظاهر ضد النظام السوري والمطالبة بإسقاطه، وتفضل أن تتصدر هذه الفعاليات بقيادتها وتحت شعاراتها لخشيتها من ان الحركة الشبابية هي منافس سيقلص هيمنتها على الشارع الكردي. الأحزاب حاولت داخل المظاهرات ممارسة سياستها هذه حتى لو ادت لصدام مع تنسيقيات الشباب المستقلة عنها. أما من اعتبروا مشاركين في المجلس عن الشباب فهم يمثلون اقلية في صفوفهم وتمثيلهم في المجلس ضئيل.

هناك اصطفاف آخر للاحزاب والتيارات الكردية حسب معايير مختلفة غير التعدد حسب الموقف من النظام والمعارضة والثورة، فعدد من الاحزاب منخرط في المجلس الوطني السوري وأخرى في إعلان دمشق وثالثة بهيئة التنسيق الوطنية للتغيير، وقد وعد المجلس الكردي في بيانه الختامي بالعمل لإنهاء هذا الوضع على أساس أنه سيفاوض جميع هذه الاطراف على برنامجه الذي رفع سقفه إلى “المطالبة بحق تقرير المصير ضمن وحدة البلاد”، لينخرط بكامل مكوناته في الجهة التي تقبل برنامجه هذا. علماً بأن مكونات المجلس ليست موحدة في مواقفها التي حاول البيان الختامي تصويرها بما يرضي الجميع، فهناك معارضة داخل المجلس من أحزاب آزادي ويكيتي والوحدة، التي لا نتوقع أن تستمر طويلاً في المجلس بعد نهاية الاجواء الإحتفالية التي رافقت انعقاده، وعندما تتعارض السياسات في الوصع السوري الراهن.

الحركة الكردية أمام منعطف تاريخي حاسم، مصيرها ومستقبلها يتوقفان على اتباع السياسات المناسبة لاوضاع البلاد الراهنة، فربط الموقف من الثورة والمعارضة والانخراط فيها، بالدور التركي وبمدى ابتعادها عن التعاون مع تركيا أو قطع اية علاقة بها “لأنها تضطهد أكراد تركيا”، سيقود إلى العزلة عن المكونات الاخرى المعارضة، وربما بالنسبة لاطراف متشددة الإنزلاق للقتال إلى جانب النظام. المسألة بالنسبة للعرب والكرد هي الصراع مع النظام الديكتاتوري القائم وليس مع تركيا اوغيرها من الدول، لذاك فإن أي تأييد غير مشروط يأتي للثورة من تركيا أو غيرها من المنطقي عدم رفضه.

كما أن اشتراط موافقة المعارضة السوريةعلى برنامج الحركة الكردية بخصوص الحقوق القومية، هو كمن يضع العربة أمام الحصان، أو أنه سياسة : “إما كل شيء أو لا شيء”، أي : “إذا لم تقبلوا ما تضمنه برنامجنا ككرد فانتم لا تختلفون عن النظام، وسنقف على مسافة واحدة منكما، وصراعكم لا يهمنا لأن أولويتنا هي لمطالبنا القومية وليس للديمقراطية”.. وهذا الموقف يشابه مواقف قوميين عرب معارضين للنظام يرجحون أولوية المسألة القومية والوطنية على الديمقراطية، فيجدون انفسهم عند منعطفات حاسمة في خندق النظام القمعي.. ولكن لحسن الحظ فإن التطور قد تجاوز هؤلاء في المجال العربي وربما سيتجاوزهم في المجال الكردي، مع ملاحظة أنه رغم تخطى التطور للايديولوجيا الثابتة، لكنها تبقى حية في أذهان البعض رغم فواتها..

الاولوية للديمقراطية تعني أن نضع الحصان الديمقراطي أمام العربة السورية ليقودها إلى ما تريده أغلبية شعبها، علماً ان هذه الاغلبية لن تطغى على الاقلية لأنها محكومة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية المتممة له، ومنها التي تتعرض لحقوق الاقليات. لا ضمانة مئة بالمئة يعطيها أحد للآخر بأن هذا سيتوفر حتماً بعد إسقاط النظام، حتى لو اعطيت هذه الضمانة كتابياً في “اتفاق”. الضمانة الأكيدة هي استمرار العمل لتصبح هذه الاهداف حقيقية ومطبقة وهذا من المفترض أن توفره الديمقراطية لكافة الاطراف لتعرض برامجها وسياساتها للمواطنين ليقرروا ما يريدون. وهذا ينطبق على حقوق المرأة وحقوق القوميات وحقوق الاديان. والحكم مسبقاً بان “الاكثرية عربية أو الاكثرية مسلمة أو غيرها، لذلك فالنتيجة ستكون لصالح العرب والمسلمين أو غيرهم”، هو خاطئ، لأن عرب سيصوتوا لصالح حقوق الكرد ورجال سيصوتوا لصالح حقوق المرأة ومسلمون سيصوتوا لمسيحي مثلاً كرئيس للجمهورية أو للوزراء كما حدث مع فارس الخوري في ظل الديمقراطية.

هناك الكثير من العرب باعداد متزايدة باتوا يعتبرون سوريا وطن نهائي للسوريين على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم تحت شعار “سوريا أولاً”. الاحزاب التي لا تزال تنادي بالوحدة العربية في تراجع لأن ما تطرحه حول الأمة الواحدة أصبح من الماضي واقرب للخيال منه للحقائق، واندحار حزب البعث في العراق وما سيتبعه من اندحار البعث السوري مثال لتراجع ايديولوجيا قومية لم تعد تناسب العصر، لتتحول العروبة لرابط ثقافي وليس قومي أو أيديولوجي.

في السياسة هناك مرحلية وائتلافات حول شعارات الحد الادنى التي يتفق عليها الجميع وهي في المرحلة الراهنة إسقاط النظام والانتقال لنظام ديمقراطي تعددي مدني، أما الليبراليين واليساريين فيحتفظون ببقية أهدافهم للمرحلة المقبلة والإسلاميين كذلك والقوميين العرب والكرد كذلك، إشتراط أن يقبل الإئتلاف المعارض كامل برنامج كل طرف يعني أن الائتلاف لن يقوم ولن يستطيع اي طرف من هؤلاء وحده بقوته المحدودة أن يسقط النظام الذي ما زال متماسكا.

أظن أنه لكي لا يقال كما صرح البعض أن “التاريخ يخوننا على الدوام ككرد”، يفترض عدم الدعوة للانعزال عن العملية الثورية بوضع شروط صعبة. الإنخراط في حركة التاريخ، في المسيرة الإنسانية العالمية المتجهة بشكل أساسي للديمقراطية، وفي المسيرة السورية الثورية التي وضعت أولويتها في الوصول لديمقراطية، فرصة تاريخية للتغيير تفتح الطريق لإنجاز الحقوق القومية، إذا لم يستفد منها الكرد السوريين فسيفسر ذلك بأنهم من تخلى عن مسيرة التاريخ.

كاتب فلسطيني من سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى