صفحات العالم

للإطاحة بالأسد… لابد من تحرك الأقلية العلوية!


Bassma Kodmani – NYT

عندما يتأكد كبار القادة العلويين من أنهم سيكونون بأمان، فقد يبدؤون بسحب دعمهم لعائلة الأسد، وقد ينضمون إلى المعارضة- أو يقدمون لها المساعدة سراً على الأقل، ويمكن أن تساهم أي إشارة منهم في إقناع قادة الجيش العلويين النافذين بالانشقاق عن النظام وسحب عدد من الضباط معهم.

بعد أربعة أشهر على الاحتجاجات الشعبية وحملة القمع الشرسة التي شملت أعمالاً دموية في مدينة حماة المركزية، يوم الأحد، يصر الرئيس السوري بشار الأسد على رفض التنحي من السلطة، مشدداً على قدرته على إصلاح نظامه.

ما يبقي الأسد في السلطة حتى الآن هو جهاز الأمن النافذ الذي صممه والده حافظ الأسد، وتسيطر عليه الأقلية العلوية التي ينتمي إليها.

يشكّل العلويون 12% من الشعب السوري، وقد أعلنوا دعمهم الكامل للأسد خوفاً من التعرض للذبح في حال الإطاحة به، فإذا أرادت المعارضة الديمقراطية في سورية أن تنجح في مساعيها، يجب أن تقنع العلويين أولاً بأنهم يستطيعون الانقلاب على نظام الأسد من دون التعرض للأذى.

ليس هذا الاحتمال مستبعداً بقدر ما يظن بعض المراقبين، فمع تراكم جثث الضحايا- فقد قتلت قوى الأمن حوالي 1500 مدني منذ شهر مارس- لم يغفل القادة العلويون عن انهيار نفوذ النظام بوتيرة سريعة وعجزه عن استعادة السيطرة على الوضع.

عندما يتأكد كبار القادة العلويين من أنهم سيكونون بأمان، فقد يبدؤون بسحب دعمهم لعائلة الأسد وقد ينضمون إلى المعارضة، أو يقدمون لها المساعدة سراً على الأقل، ويمكن أن تساهم أي إشارة منهم في إقناع قادة الجيش العلويين النافذين بالانشقاق عن النظام وسحب عدد من الضباط معهم.

لقد سيطر العلويون على سورية منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة في عام 1970، لكن على عكس الأسد الأب، لم يتمكن بشار الأسد يوماً من السيطرة على جهاز الأمن المحلي بشكل كامل منذ تسلمه السلطة في عام 2000، بل إنه حاول إظهار نفسه بصورة الرجل الراقي والإنساني وسعى إلى توسيع قاعدة النظام عبر التواصل مع السنّة الذين يشكلون النسبة الأكبر من الشعب السوري. تزوج بشار الأسد من امرأة سنية ثرية تنتمي عائلتها إلى مدينة حمص- أحد معاقل الثورة الراهنة- وشجع على بناء مساجد للسنّة ومدارس لتعليم القرآن.

ولكنه لم يغير شيئاً في تركيبة قوى الأمن السورية التي تسيطر عليها عشيرته العلوية، ففي العقد الأخير، ترك بشار لشقيقه ماهر الأسد مهمة تنظيم قطاع الأمن بدعمٍ من أقاربه الذين يسيطرون بدورهم على الشرطة السرية التي تتحكم بزمام الوضع في سورية.

منذ منتضف شهر مارس، ومع تصاعد وتيرة أعمال العنف التي رافقت قمع الاحتجاجات، طرد الجيش بعض الضباط والجنود- منهم جنود سنّة موالون للنظام سابقاً- لتقليص فرصة نشوء حركة تمرد. لعبت الفرقة الرابعة الشهيرة، التي يقودها ماهر الأسد وتتألف أساساً من علويين متطرفين موالين للنظام، دوراً أساسياً في حملة القمع الحاصلة. تحظى هذه الفرقة بدعم جماعة منظمة من البلطجية هي عبارة عن ميليشيا بلباس مدني.

حتى عندما يستلم جنرال سني دفة القيادة، غالباً ما تكون السلطة الحقيقية بيد مسؤول علوي ينوب عنه. نتيجة هذه البنية القائمة، لا يمكن الاتكال على الجيش لتنفيذ حملة قمعية عنيفة، لكن لا يستطيع هذا الجيش أيضاً الانشقاق عن النظام بجميع عناصره.

خوفاً من عقوبة الإعدام، سعى الجنود المستاؤون سراً إلى إضعاف النظام. يقول قادة المعارضة إن بعض الجنود والضباط حذروهم أحياناً من حصول اعتداءات وشيكة، لكن من المستبعد أن يسحب كبار قادة الجيش دعمهم للنظام، كما حصل في مصر وتونس، لذا يجب ألا تتأمل قوى المعارضة كثيراً بحصول هذا السيناريو.

ليس الجيش هو من يحمل مفتاح التغيير، بل الشعب العلوي ككل، لكن سيحتاج العلويون إلى ضمانات من المعارضة قبل أن يتخلوا عن الأسد، ففي الشهر الماضي، حاول القادة ورجال الدين العلويون التواصل مع الشخصيات الدينية السنّية، بما في ذلك قادة “الإخوان المسلمين”، للحصول على ضمانات تحمي أمنهم ومصالحهم في حقبة ما بعد الأسد، ويجب أن تقدم المعارضة وعوداً مماثلة لتشجيع أعداد كبيرة من العلويين على الانضمام إلى الثورة.

من مسؤولية الأغلبية السنّية أن تطمئن العلويين والأقليات الأخرى مثل المسيحيين والدروز والشيعة- كونهم مقتنعين بأنهم يحتاجون إلى حماية النظام- كي يتأكدوا من أنهم لن يتعرضوا لأي أعمال انتقامية. يمكن أن ينقذ هؤلاء القادة السياسيون والدينيون السنّة سورية من مخالب الصراعات الطائفية.

وحدهم السوريون يستطيعون إطلاق هذه العملية الحساسة، إذ يبقى الدور الذي يمكن أن يؤديه العرب أو الغربيون محدوداً. يتأثر الوضع السوري العام بذكريات حافلة عن التدخل الأجنبي، وهو أمر واقع لم يخترعه نظام الأسد بل استغله لمصلحته.

في سورية، كل من يدعو إلى تدخل خارجي يُعتبر خائناً، لذا سيؤدي أي تهديد غربي بإطلاق أعمال عسكرية إلى إيذاء المعارضة أكثر من النظام. لكن يمكن أن تلعب القوى الخارجية دوراً مفيداً عبر إعلان امتناعها عن استعمال القوة العسكرية. سيساهم أي تصريح مماثل في إضعاف حجة الأسد الذي يقول إن الانتفاضة هي نتيجة تدخل أجنبي، وهكذا ستتخلص الأغلبية المترددة في سورية من مصدر قلق كبير.

بدأ السوريون من الفئات المختلفة يفهمون أن الجميع وقعوا ضحية هذا النظام، وأن المؤامرة الحقيقية هي من تنفيذ عائلة الأسد نفسها. يجب أن يتحرك القادة السُّنة فوراً لمنع الثورة من التحول إلى حرب أهلية عبر طمأنة الأقليات إلى أنها لن تواجه أي أعمال انتقامية في سورية الجديدة. قد يؤدي هذا الأمر إلى سحب العلويين إلى صفوف المعارضة وبالتالي ضمان انهيار النظام.

* المديرة التنفيذية لمشروع “مبادرة الإصلاح العربية”.

الجزيدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى