صفحات العالم

لماذا أعلن تنظيم الدولة الحرب على مسيحيي مصر؟

 

 

ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد

بعد أربعة أشهر من قيام انتحاريٍ من تنظيم الدولة الإسلامية بقتل 28 من المصلين المسيحيين في القاهرة، استهدف التنظيم المسيحيين المصريين مرة أخرى، وهذه المرة مع تفجير مزدوج لكنيستين يوم الأحد أسفر عن مقتل 44 شخصًا على الأقل وإصابة العشرات.

واستهدفت هذه الهجمات كنيسة في مدينة طنطا في الدلتا، فضلًا عن كنيسة في الإسكندرية حيث كان بابا الكنيسة تواضروس الثاني يقيم القداس. وكان هذا اليوم هو الأكثر دموية في أعمال العنف الموجهة ضد أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط منذ عقود.

وعندما أعلن تنظيم الدولة مسؤوليتها في غضون ساعات من الهجمات، لم تكن مفاجأة. ولعدة أشهر، دأب تنظيم الدولة الإسلامية على إثارة النزعة الطائفية على غرار العراق داخل مصر. وفي هذا الصدد، يأمل التنظيم في زعزعة استقرار البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الشرق الأوسط، وتوسيع نطاق مشروعه الواضح الآن، وهو إبادة الأقليات في المنطقة.

ولم تتمكن السلطات المصرية حتى الآن من مواكبة هذا التهديد المتصاعد. وقد يرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى عدم كفاءتها، لكنّه يعكس أيضًا التطور المتزايد لقدرات تنظيم الدولة الموجهة إلى مصر. ومع دخول التنظيم في حالة دفاع في أماكن أخرى، تصبح أرض مصر جذابة للغاية لتصبح جبهة محتملة في أجندة التنظيم. ويبدو أنّ تنظيم الدولة يركز الآن المزيد من الوقت والموارد ومواهب التنظيم الدولية في مصر، الأمر الذي يجعل من المحتمل أن يزداد الوضع سوءًا في المستقبل.

ويعدّ استهداف المسيحيين في مصر استراتيجية محسوبة بالنسبة للتنظيم. ويأمل تنظيم الدولة أن يكون إشعال الفتنة الطائفية في مصر خطوةً أولى في طريق تفكك البلاد. وقد هزت العديد من الانفجارات القاهرة والدلتا منذ عام 2013، وقد نفذها كل من تنظيم الدولة ومبايعوها في أنصار بيت المقدس، التي تعهدت بالولاء للرقة عام 2014. ومع ذلك، فإنّ جهود تنظيم الدولة الإسلامية كانت معتلة بشكلٍ كبير حتى الآن في البر الرئيسي لمصر، حيث يقيم ما يقرب من 97% من السكان، ويرجع ذلك جزئيًا إلى قوة الحكومة المركزية، والطبيعة الهاوية لقدرات التنظيم، وربّما الأهم من ذلك، التماسك النسبي للمجتمع المصري. وكان التنظيم قد حقق نجاحات أفضل بكثير في شمال سيناء النائية، حيث قتل أكثر من ألف جندي حكومي في الأعوام الأخيرة، لكنّ المنطقة بعيدة للغاية عن القاهرة لكي تشكل تهديدًا وجوديًا للحكومة.

وهكذا، على الرغم من أنّ هجمات يوم أمس الأحد لم تكن الأولى في استهداف المسيحيين المصريين من قبل الجهاديين أو الإسلاميين أو حتى بعض الغوغاء من المسلمين العاديين، إلا أنها تمثل تغيرًا جذريًا في طبيعة التهديد الذي يواجهه المسيحيون المصريون الآن، مع آثارٍ بعيدة المدى على البلد ككل.

لقد اتخذ تنظيم الدولة خطوةً جذريةً تتمثل في افتراض أنّ المسيحيين في مصر كالشيعة في العراق، مع الإيمان بإمكانية قتلهم دون تمييز وبدون سبب آخر سوى ما يؤمنون به. ومنذ تفجير كنيسة القاهرة في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، كان مؤيدو التنظيم على الإنترنت يدفعون بقوة باتجاه هذه الفكرة، مدعين أنّ مسيحيي مصر كانوا أولًا وقبل كل شيء مشركين، وبسبب «الغدر» الذي أظهروه، وهو «التحالف» مع الغرب والحكومة المصرية، على حد قولهم، كان عليهم أن يُقتَلوا.

وأطلق مؤيدو تنظيم الدولة المصريون «حملة استطلاع لكشف المرتدين المصريين» عبر الإنترنت من أجل جمع معلومات الاستهداف الجماعي؛ وأنتجوا ملصقات مروعة «مطلوب ميتًا» لحث المؤيدين على اتخاذ إجراءات فردية وجماعية. وظهرت آثار ذلك في فبراير/شباط الماضي، عندما فر مئات المسيحيين في شمال سيناء من منازلهم في حالة ذعر، بعد مقتل سبعة مسيحيين بوحشية من قبل مقاتلي تنظيم الدولة.

ولا تعدّ هذه الاستراتيجية في واقع الأمر نتيجةً لتنقيحٍ أيديولوجي داخل تنظيم الدولة. ولتنفيذها تداعياتٌ خطيرة على أمن مصر، وعلى الاستقرار الإقليمي ككل في حالة نجاحها. ولأعوام، كافح أعضاء التنظيم والجهاديين بشكل عام مع السؤال الجدلي، لماذا فشل الجهاد في بر مصر الرئيسي. ويعدّ هذا السؤال مصيريًا بالنسبة للتنظيم، ليس بسبب حجم مصر فحسب، بل أيضًا لأنّه يختبر ما إذا كان المشروع الجهادي يمكن أن ينجح في بلدان لم تدمرها الحرب الأهلية أو يوجد بها استقرار نسبي.

وتوجد دراسة جهادية مفيدة ظهرت عام 2014 من قبل منظرٍ لتنظيم الدولة يدعى «أبو مودود الهرماسي». بعنوان «سر الأحجية المصرية»، ويروي الكاتب أولًا أنّ المسلمين المصريين يشبهون الخراف بسبب عدم فهم «واقع النضال»، قبل أن يقدم «مفاتيح النجاح الجهادي». ومن بينها القتل الطائفي للمسيحيين من أجل إثارة بعض المناطق الريفية، والأهم من ذلك استهداف كل مسيحي دون استثناء، مضيفًا أنّ إثارة الفتنة الطائفية ستكون مفتاح الكشف عن واقع الصراع وتأجيج المشاعر الكامنة في صدور المسلمين تجاه العقيدة المسيحية. وبالنسبة له، نجح الجهاد في السيطرة على الأراضي والمناطق في سوريا والعراق واليمن، فقط بعد إثارة الفتنة الطائفية. ويختتم المؤلف رسالته بهذه الدعوة: «لا تترك أي مسيحي في مصر حتى تهدد حياته». وفي الأشهر الأخيرة في مصر، بدأت تنظيم الدولة أيضًا في استخدام نغمةٍ مماثلة تجاه الصوفية، الذين يشكلون نسبةً كبيرة من المسلمين في مصر وشمال أفريقيا وأماكن أخرى، حيث قطع رأس اثنين من رجال الدين الصوفية في سيناء وأجبرت آخرين على «التوبة».

ومن غير المحتمل أن تنجح هذه الاستراتيجية كما يتصور تنظيم الدولة في مصر، لكنّ محاولة تنفيذها ستترك دربًا من الدمار الذي سيلحق في المقام الأول بالأقلية المسيحية في مصر. وقد يرتد برنامج الإبادة الجماعية الذي يقوم به التنظيم إلى صدره كما كان الحال بالنسبة إلى أسلافهم الجهاديين في الثمانينات والتسعينات، والذين فقدوا بقتلهم الوحشي للمدنيين أي قاعدة من الدعم الشعبي. ويشير منظر التنظيم، «الهرماسي»، إلى أنّ هناك طائفية عميقة الجذور في المجتمع المصري ساهمت فيها السياسات الحكومية أيضًا. وما زالت مصر، شأنها في ذلك شأن العديد من الدول الأخرى في المنطقة، تفرض قوانين مجحفة، وتضع قيودًا تمييزية على بناء الكنائس، وتفشل في مقاضاة الجناة الطائفيين، في حين يواصل بعض الإسلاميين إثارة الكراهية ضد الأقليات دون رقابة. ولكن، لم تعمل الطائفية بشكل جيد حتى الآن لتنظيم الدولة في مصر ولم يجد التنظيم سياقا أيديولوجيا يمكن لأفكاره الراديكالية أن تزدهر فيه.

ذي أتلانتيك

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى