صفحات العالم

لماذا اقتطعت أقوال أردوغان؟/ عبد القادر عبد اللي

 

 

في 14 كانون الثاني/يناير 2014، ألّفت وكالة الصحافة الفرنسية، خطاباً باللغة العربية، نسبته لرئيس الجمهورية التركية السابق عبد الله غول. وبما أن الخطاب كان بالعربية، فقد استغرق الأمر حوالي 24 ساعة، حتى تنفيه رئاسة الجمهورية على لسان مستشار الرئيس، بعبارة قصيرة. وذلك لأن الخبر الأصلي كان مكتوباً ومرفقاً برابط صوتي، في موقع الرئاسة التركية. وكان مستغرباً عدم إبعاد الوكالة الفرنسية للشهود في عملية التلفيق. والخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام حينها: أن رئيس الجمهورية التركية يوجه السفراء الأتراك في اجتماعهم السنوي للاستعداد لتغيير في السياسة التركية تجاه سوريا.

التلفيق قضية مهمة لا بد منها في الصراعات السياسية، وتتأجج كثيراً عند الصراعات العسكرية، والميدان الرئيسي للتلفيق هو الإعلام. وقد كانت القاعدة الذهبية، أثناء العمل في “مراكز الدراسات الاستراتيجية”، تقول: “كل خبر يمكن أن يكون فيه كذب، وليست المهارة باكتشاف الكذب، ولكن المهارة هي بقراءة ما وراءه”.

عندما سمعتُ رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، يدلي بتصريحاته للصحافيين عقب صلاة العيد، أصغيت بكل جوارحي، علني أحظى بمادة تتعلق بما جرى أثناء زيارته لموسكو حول سوريا، بعد دخول روسيا الصراع بشكل مباشر. ولكن خاب ظني، ولم أجد ما يستحق التوقف عنده. ولكن المفاجأة عندما بدأت الصحف تتناقل نصف جملة من رد رئيس الجمهورية التركية على سؤال صحافي حول نتيجة المباحثات في موسكو، فأجاب وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” بالصوت والصورة، هو الآتي: “في الحقيقة أنني لم أستطع رؤيةَ وضوحٍ بعد في الرؤية الروسية تجاه سوريا. ولكننا على الأقل، بدأنا مرحلة عمل هناك عن طريق وزير خارجيتنا. أمامنا اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة. وتوصلنا إلى قرار يقضي بعمل وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا وتركيا. وبحسب النتيجة التي يتم التوصل إليها هناك، وفي حال الموافقة، سنستمر بالتفاوض بمشاركة من العربية السعودية وإيران، ولنستمر بالعمل الخماسي. وبعد ذلك، لننقل التطورات في هذه المنطقة إلى نقطة معينة بمشاركة الاتحاد الأوربي وقطر والأردن. يمكن أن تكون هناك مرحلة انتقالية دون الأسد أو مع الأسد، ولكن ما يجب أن يكون هو أن أحداً لا يرى مستقبلاً لسوريا مع الأسد، لا يمكن أن يُقبل بشخص، بديكتاتور تسبب بقتل 300-350 ألف شخص”.

بحسب القاعدة، يمكن أن يحمل الخبر كذباً أو تحريفاً، وهذا طبيعي، ولكن لابد من البحث في ما وراء عملية اجتزاء الخبر، الذي أوردته بعض الوكالات ومنهم وكالة الصحافة الفرنسية. أي بمعنى آخر، ما الغاية من أخذ نصف العبارة: “يمكن أن تكون هناك مرحلة انتقالية دون الأسد أو مع الأسد” على طريقة “لا تقربوا الصلاة”؟

ولم تنقل الخبر مجتزأ، في تركيا، حتى وسائل إعلام المعارضة التركية. فقط بعض صحف ومواقع “مناهضة الإمبريالية”، وهذه عموماً تتبنى خطاب إعلام الإمام الفقيه. علماً أن الصحافة التركية المعارضة “تنصح” حكومتها، مرة في الأسبوع على الأقل، بأن تغير موقفها من النظام السوري. وفي الإعلام العربي نقل الخبر كثير من وسائل الإعلام، وبغالبيها –حتى التي تدعي المهنية- نشرت الخبر منسوباً إليها إفراطاً في الثقة.

من تلفيقٍ باسم غول، إلى اجتزاء باسم رجب طيب أردوغان، مروراً بإثارة قضية اللاجئين السوريين، وقوارب الموت، وتجار البشر، نجد أن هناك رغبة جامحة بأن تغير تركيا موقفها من النظام السوري والمعارضة السورية. على رأس هذه القوى التي ترغب بهذا التغيير تأتي الولايات المتحدة التي فاوضت تركيا على مدى أكثر من سنتين كي تغير مواقفها من النظام السوري، وتضع أولويتها “داعش” وليس النظام. ولا يمكن قراءة الصراع بين السلطات التركية وحزب “العمال الكردستاني” بعيداً عن هذه المحاولات بعد فشلها. من جهة أخرى ها هي “داعش” تزيد من تهديدها للسلطات التركية، وتعدُ “بفتح اسطنبول” من جديد بالتوازي مع هذه الحملات الإعلامية.

ليس ثمة مواقف ثابتة في السياسة، والدول تعمل من أجل مصالحها، ولن يكون مفاجئاً التغيير في مواقف الدول عندما تتطلب مصالحها ذلك. ولعل المواقف من النظام السوري هو أكثر المواقف تغييراً وسرعة بالتغيير، إذ نكاد ندوخ من تناقض التصريحات الأميركية حول سوريا، حتى إننا بتنا نسمع في اليوم الواحد متناقضات متعددة من مؤسسات الولايات المتحدة الأميركية المختلفة.

ويجب ألا يتفاجأ المراقب والمحلل السياسي، إذا ما غيرت تركيا موقفها من قضية ما، لأنها تعاني من وضع صعب جداً الآن؛ فعلى الصعيد السياسي هناك انسداد في الأفق، ويصعب تشكيل حكومة ائتلافية من الأحزاب الموجودة، ومن المحتمل ألا تأتي الانتخابات المبكرة بجديد. وعلى الصعيد العسكري، هي أيضاً في وضع صعب بعد عودة الحرب مع حزب “العمال الكردستاني”. وفي السياسة الخارجية مازالت موسكو لا تمارس ضغوطاً جدية على تركيا، ولو مارست، فقد يمكن أن تحظى بنتائج.

حتى الآن تغيير الموقف التركي من النظام السوري أمنية لأطراف عديدة، ولعل تركيا والسعودية وقطر، هي الدول الثلاث الأخيرة التي مازالت متمسكة بموقفها من النظام السوري. لكن السعودية مشغولة باليمن، وتركيا بحزب “العمال الكردستاني”. بمعنى آخر التغيير محتمل، ولكن ماذا سيُقدم للأمن القومي التركي مقابل هذا التغيير؟

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى