إياد شربجيصفحات سورية

لماذا الاعتقالات المركزة للعلمانيين والليبراليين السوريين؟


إياد شربجي *

الموسيقية وعازفة القيثارة سافانا بقلة، الناشط عاصم حمشو، الكاتبة ماري عيسى وزوجها الطبيب جوزيف نخلة، المدونة يارا ميشيل شماس، الناشط الدكتور جلال نوفل، الكاتب سلامة كيلة… والقائمة تطول.

لقد بات واضحاً أن هناك حملة أمنية منظمة اشتدّت في الأسابيع الأخيرة، بعد عودة الخطاب المدني للثورة إلى الظهور إثر الاعتصام الأخير الذي نفذته مجموعة من الناشطين الليبراليين أمام البرلمان السوري يوم 8 نيسان (إبريل) الفائت ورفعت خلاله لافتة تقول «أوقفوا القتل نريد بناء وطن لكل السوريين». وقد حظي هذا الاعتصام بالتفاف شعبي كبير طاول حتى المحايدين وكثيرين من الموالين للنظام: ذلك أنه حمل بعداً إنسانياً وأخلاقياً لا يمكن تبرير إسكاته بالقوة والعنف كما جرى لاحقاً وأوقع النظام بكثير من الحرج أمام مؤيديه والمدافعين عنه.

وقد أفضت هذه الحملة إلى اعتقال عشرات الليبراليين الداعمين للثورة، من أولئك المعتقدين بالنهج المدني السلمي للكفاح ضد النظام، والمنتمين الى الطوائف المختلفة التي تشكل نسيج المجتمع السوري.

طبعاً ليس لهؤلاء أية أفضلية أو ميزة على غيرهم من السوريين الذين يدفعون ولا يزالون أغلى الأثمان… لكن اللافت في الحملة الأخيرة أن النظام يسعى حثيثاً، وبكل تركيز، كي تأخذ الثورة لوناً واحداً.

بكل وضوح، من مصلحة النظام اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن تبدو الثورة السورية «ثورة المتشددين السنّة». وهو يفعل في سبيل ذلك كل ما من شأنه أن يأخذها في هذا المنحى من قتل، وتنكيل، وتدمير للمساجد، وهتك لأعراض العائلات المحافظة، وسبّ للذات الإلهية و… و… ويفعل ذلك قصداً على أيدي شبيحته الإجرامية الطائفية التي لا تخفي عداءها وحقدها الدفين على «أحفاد معاوية»، بل تتباهى بالتنكيل بهم في فيديوات يجرى نشرها وتسريبها لاحقاً في شكل مشبوه لعامة السوريين.

وذلك بغية استثارة رد فعل المكوّن السنّي في البلاد، ودفعه دفعاً نحو التمترس خلف طائفته «المهددة المستهدفة»، ما يخلق بيئة مناسبة لنمو المشاعر البدائية الثأرية، والتي ستأخذ لاحقاً بعداً وشرعة دينيين بحتين كما حدث في فتاوى إعلان الجهاد التي أطلقها بعض المشايخ.

ومع الشعور بالظلم والقهر طيلة نصف قرن خلا سيطرت فيه أقلية طائفية على أكثرية غالبة جرى تشتيتها واستنزافها من كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتم استبعادها عن القرار السياسي والاقتصادي في البلاد، سيتنطّع كثيرون ممن يشعرون بأن السنّة هم من دفعوا الثمن الأكبر والأغلى للثورة للقول بأن من حق هذه الطائفة أن تستأثر بالسلطة بعد سقوط النظام. وطبعاً يخيف هذا الخطاب الأقليات ويشعرها بالرعب من أن يؤول مصير الثورة إلى ما آل اليه العراق المجاور بعد سقوط صدام.

هذا الخصم الذي يحاول النظام صناعته هو ما يعتقد أنه يستطيع إنقاذه الآن:

– أولاً لأنه يمنحه شرعية ومبرراً دوليين لاستمرار استخدامه العنف وتجاوز الضغط الدولي الذي يتعرّض له بحجة مواجهة الإرهابيين.

– وثانياً لأنه سيدفع كثيراً من السوريين الخائفين حقاً من البديل الى الالتفاف حوله، أو على الأقل عدم الثقة بالثورة ونتائجها.

وفي سبيل تحقيق ذلك يزيح النظام من طريقه كل من يقفون عائقاً أمام خطته القذرة تلك من ناشطين ومثقفين ينادون بمدنية الثورة ويحاولون إبعادها عن سلوك درب التطرّف أو التمذهب. ولعل حادثة إطلاق سراح فتاتين سنيّتين كانتا برفقة يارا شماس المسيحية، والإبقاء على الأخيرة واتهامها تسع تهم مختلفة، ليست إلا دليلاً واحداً من بين عشرات الأدلة التي يمكن سوقها لتأكيد هذا الكلام.

وهذا ما ينطبق، بصورة أو بأخرى، على سائر الحالات المذكورة أعلاه.

* صحافي وكاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى