صفحات سورية

لماذا تعيق واشنطن دعم الثورة السورية !!!


محمد رشيد

على أهمية بعض قرارات مؤتمر أصدقاء سوريا، خاصة الاعتراف الجماعي لسبعين دولة بالمجلس الوطني كممثل شرعي للشعب السوري وتشكيل لجنة الاتصال الدولية وفقا للمبادرة الفرنسية، فإن أصدقاء سوريا عمليا لا زالوا يراوحون مكانهم، ولا زالت لغتهم السياسية أقرب إلى “التأتأة” غير المفهومة للجمهور السوري، وتحديدا لأولئك الصامدين تحت نيران النظام وطغيانه.

فالأمر، حتى الآن على الأقل، لا يتعدى تقدم بلاغة اللغة السياسية خطوة صغيرة الى الأمام، ثم الالتفات الى النظام وإلى من يقف خلفه من حلفاء، و الابتهال الى الله أن تكون مواقفهم قد تغيرت قليلا، قليلا، ولكن بما يكفي لصرف الضغوط السياسية والأخلاقية التي يواجهها “الأصدقاء” من أجل تدخل أوسع وأكثر تأثيرا.

وذروة الغرابة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تلعب دور “الكابح”، وذلك موقف قد يحمل دلالات كبيرة وخطيرة جداً، لا بد من مصارحة واشنطن بها، سواء كان هذا الموقف الأمريكي المؤذي يهدف الى “تعويم” الأزمة الى حين الانتهاء من الانتخابات الأمريكية، وتلك كارثة، أم هو موقف ناتج عن هوية بعض حلفاء النظام المختبئين جيدا وراء مرتفعات الجولان، وتلك كارثة أكبر طبعا.

أما إن كانت واشنطن لا زالت تأمل بحل سياسي متوافق عليه مع نظام الأسد، فإن مكاشفة عربية واضحة مع البيت الابيض تكتسب أهمية استثنائية، فكل المحاولات السياسية لحمل نظام بشار الاسد على وقف المجازر و الخضوع للحلول السياسية وفق إرادة وقرارات الجامعة العربية المعمدة في قمة بغداد، او على اساس مشروع المبعوث الدولي كوفي عنان و الذي عمد هو الآخر عربيا في اجتماعات القمة، و قبلها وبعدها، كلها رسائل لا تصل الى عنوانها و هي أيضاً مكتوبة بلغة لا يفهمها صاحب العلاقة.

وهي، ولأنها كذلك، ولما يضاف اليها أيضاً من هوامش تنبت بين الحين والآخر كالأعشاب الضارة والقاتلة مثل التصريحات البلهاء التي تتسلى بها الخارجية الأمريكية وتحرص على تكرارها كل يوم تقريبا عن خطورة تسليح ثوار سوريا وجيشها الحر، فإن القتل والفتك وعرض العضلات والمباهاة مستمر سواء من النظام أو من حلفائه الخارجيين، وما أكثرها هذا الأسبوع.

ودلالة ذلك أن الصراع على مستقبل سوريا بين شعبها الثائر ونظام الحكم الجائر مستمر، إما بإرادة دولية أو لغياب تلك الإرادة الدولية، وللمرة الألف يجد العرب أنفسهم عالقين في شباك سياسة لم يحسنوا التعامل معها بعد، فالسياسة الدولية ليست مواقف وخطوات وإجراءات “مركونة” على الرف بانتظار من يقتنيها حسب المزاج أو حسب الحاجة.

وبالتالي، وتبعا لذلك يصعب على الثورة السورية تلمس الفارق بين موقف واشنطن وباريس ولندن من جهة وموقف موسكو وبكين وطهران والضاحية الجنوبية من جهة أخرى، إلا في لغة التضامن والتعاطف “مرحباً تعاطف”!!! ، وسيكون من العسير جداً إقناع المواطن السوري المنتفض ضد طغيان عائلة الأسد أن مؤتمر أصدقاء سوريا قد أدى الغرض ما لم ينعكس ذلك مباشرة قدرة إضافية نوعية تسد الاحتياجات العسكرية والمالية للثورة.

بل إن الشعب السوري يلمس تناقضا غير مفهوم في مواقف كبار مدعي صداقته، فمن جهة يشيدون “بشرعية الإجراءات التي اتخذتها الثورة لحماية نفسها” ويمتنعون في الوقت ذاته عن تعزير تلك الإجراءات الشرعية “الأمنية والعسكرية” بمعونات فعالة، مستخدمين حججا واهية ومخاوف لا تستند الى أية مقومات واقعية، وما التلويح” بفزاعة “القاعدة إلا سقوطا مدويا في فخ نظام الأسد، الحليف الحقيقي والطويل الأجل للقاعدة بكل جرائمها البشعة في العراق و التي مرت جميعا من الأراضي السورية وبرعاية سلطاتها.

أما النظام فيستطيع أن يلمس قوة الفارق واستجابته لاحتياجات بقائه في الحكم واستمراره في القتل والبطش والتدمير، وعناد في رفض الخضوع لإرادة الشعب مستندا الى معين لا ينضب من مواقف سياسية فعالة، الى تدفق بلا انقطاع للمال والسلاح انتهاء بالحشد المعنوي والبشري، مع استنفار أوسع لتدخل أكبر عند اللزوم.

إلا أن مؤتمر اسطنبول لم يخل مما يفرح القلب، خاصة ذلك التصميم السعودي الحازم على عدالة تسليح ثورة الشعب السوري وتمكينها من تعزيز قدرة الدفاع عن نفسها وتحقيق الانتصار، حتى إن أدى ذلك الى خلاف مع واشنطن، وكذلك تجميع موقف عربي قوي حول ضرورة إحالة الملف الى مجلس الأمن الدولي طبقا لقواعد وأحكام الفصل السابع التي تجيز التدخل الدولي.

وربما أكثر ما يفرح القلب هو ظهور وفد المجلس الوطني السوري بثقة عالية ومميزة، و الإعلان عن وثيقة “العهد الوطني” بأسسها الواعدة ووضوحها الشديد، وربما كان ظهور رئيس المجلس الدكتور برهان غليون على النحو الذي رأيناه، نموذجا مثيرا للتحولات التي يمر بها الشعب السوري إجمالا، فبعد أن اعتدنا على رؤية غليون المثقف والمعارض الديموقراطي، رأينا غليون الثائر والقائد الذي يخاطب شعبه والعالم بلغة واضحة، بسيطة، ولكن مفهومة جداً، وواعدة جداً بانتصار الثورة، واستحالة كسر إرادتها الحرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى