زين الشاميصفحات سورية

لماذا حمص … أو هل يمكن تأسيس دولة علوية ؟


زين الشامي

ليست هي المرة الاولى في تاريخ سورية التي يطرح فيها موضوع الدولة العلوية، المرة الاولى كانت في شهر ايلول عام 1923 حين اعلنت دولة الانتداب الفرنسي على سورية قيام الدولة العلوية وعاصمتها مدينة اللاذقية على الساحل السوري ووقتها، وحسب ما اعلنت سلطات الانتداب، كان من المفترض ان تضم تلك الدولة اجزاء من محافظات طرطوس وحمص وحماة اضافة الى اللاذقية.

اليوم الحديث عاد من جديد عن نية النظام السوري، الذي يقوده رئيس وضباط ومسؤولون غالبية منهم ينتمون الى الطائفة العلوية، تأسيس مثل هذه الدولة، ويضربون امثلة على ذلك ما تتعرض له بعض المناطق في محافظات حمص وحماة واللاذقية وطرطوس من قمع وحشي وقتل وتهجير للسكان.

وللحقيقة فقد شهدت محافظة حمص وسط البلاد العديد من المجازر التي راح ضحيتها المئات من ابنائها، كمجزرة حي كرم الزيتون والحولة اضافة الى الهجوم العسكري الذي دام اكثر من شهر على حي بابا عمرو وسط المدينة، حيث تعرض اهالي هذا الحي لحصار محكم من قبل قوات النظام السوري قبل ان تقتحمه وتدمره عسكريا. وكان من نتيجة ذلك ان سقط الآلاف من ابناء المدينة ونزح عشرات الآلاف منهم باتجاه محافظات حماة وحلب ودمشق وريفها، اضافة الى اولئك الذين فروا الى لبنان. اما اليوم فتبدو العشرات من احياء المدينة او القرى والمناطق المجاورة، شبه خالية من اهلها.

بعض المراقبين يشيرون الى اصرار قوات النظام السوري على اقتحام وتهجير اهالي مناطق معينة في حمص وريفها مثل سهل الحولة الذي تجاوره بعض القرى العلوية والشيعية اضافة الى مدن الرستن وتلبيسة والقصير ايضا. كذلك تحدث البعض عن عمل قوات ومرتزقة النظام السوري على تهجير نحو خمس قرى من ريف حماة، ويضربون مثالا على ذلك مجزرة القبير التي راح ضحيتها نحو مئة شخص. وفي اللاذقية شهدت منطقة الحفة «السنية» ومعها قرية «سلمى» عملية عسكرية لقوات النظام كان من نتيجتها مقتل المئات من ابناء المنطقة من الطائفة السنية ونزوح عشرات الآلاف منهم الى مناطق جسر الشغور في ادلب والى الحدود التركية. هذه الوقائع المؤلمة على الارض بدأت تعطي نوعا من القبول للحديث عن هذا «المخطط»، نقصد تفكير النظام السوري وعمله على تأسيس دولة علوية في المستقبل.

هناك من يتحمس ويعتبر هذا المشروع كما لو انه قادم لا محالة، وما هي إلا مسألة وقت حتى تصبح الدولة العلوية واقعا قائما، ويعتبرون تلك الدولة المنشودة بمثابة «الملجأ الأخير لتلك العصابة من المجرمين الذين سينفصلون عن سورية ليعيشوا في بلد لن يلاحقهم فيه أحد… يتمتعون بثروات سورية المنهوبة على مدى خمسين عاما.. ويحتمون بأسلحة سورية التي دفعنا ثمنها… لتصدير أكبر تهديد لنا». على حد تعبير احد الناشطين السوريين في مقالة كتبها على موقع للمعارضة السورية.

ويرى المتيقنون من قيام هذه الدولة وتنفيذ هذا المخطط ان ما يعيق ذلك «هو وجود غالبية سنية، فكان الواضح أن تهجير السنة هو الجواب لهذه التساؤلات. وقد بدأ التهجير باكراً عندما تم قصف حي الرمل الفلسطيني في مدينة اللاذقية، ثم كانت البداية الحقيقية لتنفيذ التهجير و إفراغ المدن هي كلمة بشار الاسد عندما قال إن سورية تتعرض لمخطط لتقسيمها… فمنذ تلك اللحظة بدأ النظام حملة لا تؤدي إلى القضاء على الثورة، وكان القصف والحصار احدى الوسائل».

لكن ورغم كل ما أشيع وما يشاع عن امكانية قيام مثل هذه الدولة فإن للواقع الجغرافي والديموغرافي السوري كلمة مختلفة. فالحقيقة على الارض سوف تجعل من الصعوبة بمكان تأسيس مثل هذه الدولة حتى لو افترضنا ان هناك نية او مشروعا معدا لها، بحيث يهرب اليها الرئيس الحالي في حال اجبر على الرحيل من السلطة بفعل قوى الثورة في الداخل او بموجب حل اقليمي ودولي متفق عليه.

اولى الحقائق على الارض السورية هي الحقيقة الديموغرافية او الواقع الديموغرافي السكاني المتعلق بالهوية الطائفية والدينية لتلك المناطق التي يفترض ان تكون ضمن حدود الدولة العلوية. وهذا الواقع الديموغرافي هو واقع بالغ التعقيد والتشابك، في كل من محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة، ففي اللاذقية يختلط السنة والعلويون والمسيحيون في العديد من المدن والقرى، اختلاطا يكاد يكون تاما، مثل مدينة اللاذقية «وهي العاصمة المفترضة للدولة العلوية المفترضة» التي تسكنها غالبية سنية واقليتان علوية ومسيحية. كذلك مدينة جبلة المجاورة التي تسكنها غالبية سنية وتحوط بها قرى علوية ومسيحية وسنية ايضا، وهذا التوزع يشبه تماما ما هي عليه مدينة الحفة «السنية» التي يحيط بها بعض القرى العلوية. الشيء نفسه ينطبق على مدينة بانياس في طرطوس التي تسكنها غالبية من «السنة» واقلية من العلويين ومحاطة بقرى علوية وسنية ومسيحية. ايضا محافظتي حمص وحماة، فهناك غالبية سنية في المدينتين وقرى ومدن محيطة بهما متعددة ومتنوعة من الناحيتين الطائفية والدينية.

ان هذا التداخل يفترض تهجيرا قسريا للملايين من السكان او عمليات تطهير عرقي بحق طائفة معينة، وهي طائفة ليست قليلة او اقلية، ان ذلك من الاستحالة تحقيقه واقعيا، لاسباب كثيرة اولها، عملي يتعلق بقدرات النظام السوري على فعل ذلك، وثانيهما ان العالم جميعه يراقب ما يحصل في سورية، ان قتلا او تهجيرا جماعيا لطائفة او جماعة سورية ما قد يجمع القوى الدولية العظمى كلها رغم كل خلافاتها ضد نظام الرئيس الاسد للعمل على اسقاطه.

السبب الآخر يتعلق بموقف النخب العلوية نفسها من هذا المشروع، حيث لم يسجل الى اليوم ان مثقفا واحدا او رجل دين او جنرالا عسكريا كبيرا عبر عن تأييده لمثل هذه التوجهات، لا بل على العكس فإن رجل دين علويا مثل الشيخ محمود قدور قال حرفيا في لقاء مع تلفزيون «الجديد» اللبناني خلال مقابلة مع الصحافي رامي الامين ان «العلويين حاربوا الفرنسيين واسقطوا مشروع الدولة العلوية في الماضي واليوم سنحارب العالم من اجل عدم قيام مثل هذه الدولة».

اما من حيث الحقائق الجغرافية على الارض، فيبدو ضربا من المستحيل ان تعيش وتحيا دولة ضمن محيط وحدود كلها معادية من الناحية الطائفية تركيا «السنية» في الشمال، ادلب وحلب السنيتين في الشرق، حماة وحمص من الجنوب الشرقي، ايضا طرابلس اللبنانية «السنية» في جنوبها.

واخيرا، ومن ناحية عملية فإن الإعلان عن هذه الدولة سيكون نهاية وجودها ذلك لأن الشعب السوري و كل محيطها لن يرى فيها إلا مكاناً يتخندق فيه النظام بما يشبه الانسحاب العسكري… وهذا ما يجعله هدفاً عسكريا والقضاء عليه سيكون أسهل من إسقاط النظام الذي استطاع البقاء بسبب كذبة الممانعة والعصابات المسلحة والحرص على وحدة سورية والخوف على المنطقة، أما وقد انسحب للتخندق في مكان او حصن ما او «دولة علوية»… فهذا يجعله أشبه بحصن باب العزيزية الذي تخندق فيه القذافي وكلنا يعرف الخاتمة غير السعيدة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى