صفحات سورية

لماذا دير الزور أهم من الرقة؟/ محمد الحسن

 

 

التعقيدات التي تشهدها الساحة السورية في هذه المرحلة الحاسمة من عمرها – على ما يبدو – ستجعل المشهد بعيداً عن عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل ست سنوات، وهذا بات أمراً محتماً، أيقنه معظم السوريين، الذين وإن تخلى كثير منهم عن فكرة الإطاحة بالأسد في مقابل العودة إلى منازلهم، إلا أنهم ما زالوا مجبولين بالأمل لدولة تضمهم وتعيد لهم حياتهم المسلوبة، حتى لو كانت بلا أنياب.

هذه التعقيدات التي تشهدها سورية أثرت بلا شك في المنطقة، وجعلت منها ورشة عمل لا تهدأ، فيها كثير من عوامل القياس والحساب والتوازن الإقليمي والدولي، الذي بات هو أيضا مزعزعاً أمام التحركات الإيرانية الطائفية في سورية ولبنان.

لكن في المقابل، لا يزال تنظيم «داعش» الإرهابي «شعرة معاوية» التي تجمع هذه الأطراف جميعاً في تلك البقعة الجغرافية، لتشكل موقفاً دولياً موحداً ولو موقتاً لإعادة ترتيب المنطقة من جديد، لتعيد الأطراف جميعاً إلى طاولة حوار قد يفضي عنها نتائج ملموسة «أكثر واقعية» لكل السوريين، مؤيدين كانوا أم معارضين.

ولعل أبزر هذه النتائج هو سورية الفيديرالية التي باتت «واقعاً» لا يمكن الهرب منه، لكن ضمن ترتيبات يحاول فيها كل طرف سوري قضم أكبر قدر ممكن من الأراضي لمصلحته لتقوية موقفه سياسياً، فبات من الظاهر منطقة للعلويين وأخرى للكورد وثالثة تضم السُنة في الجنوب مع دروز الجبل، لكن تبقى دير الزور «بيضة القبان»، يحاول كل من الأتراك والكورد والنظام السوري الحصول على امتيازات فيها بعد الانتهاء من معركة الرقة، التي من المتوقع هي الأخرى أن يجري فيها تهجير لسكانها نحو الريف امتداداً إلى دير الزور، وهذا ما يجعل من تغيير ديموغرافي مقبل «واقعياً» أيضاً تلعب فيه قوات الأكراد (قسد) دور المبضع الأميركي، في حين تلعب فيه العشائر (الفيلق الأول) دور المبضع التركي والعربي، وتلعب فيه (الحشد الشعبي) دور المبضع الإيراني أو الشيعي. فدير الزور والبادية السورية تعوم اليوم على بحر من الغاز والنفط، فضلاً على قوتها زراعياً وقدرتها على تحقيق اكتفاء ذاتي لمن يسيطر عليها. كما أن لموقعها الجغرافي مكانة استراتيجية مهمة، إذ تربط سورية بالعراق وفيها يمر نهر الفرات النابع من تركيا أيضاً.

النظام السوري وميليشياته التابعة قررا المضي قدماً في ما يسمى «البدر الشيعي»، وهذه المرة عبر العشائر أنفسهم. قبل فترة عاد شيخ عشيرة البكارة نواف البشير إلى حضن النظام السوري، وقبل يومين ظهر مقطع صوتي مسرب له عن تشكيل ما يسمى بجيش العشائر بقيادته وبإشراف النظام السوري بالتأكيد ومعه الميليشيات الإيرانية، ما يعني محاولة ضم عشائر الريف الشرقي للنظام عبر إغرائهم بالرواتب والمزايا، وهذا أيضاً ما بشّر به البشير أتباعه.

في المقابل، سحب تنظيم «داعش» خلال الأشهر الستة الماضية الكثير من موارده وأفراده ومقاتليه من خطوط القتال، وذلك من أجل تعزيز جبهته الغنية بالنفط في دير الزور بسورية، ما يعني تخليه نظرياً عن الرقة التي باتت شبه ساقطة بعد سيطرة (قسد) على خط الدفاع الأول «الطبقة».

«داعش» الذي كان استولى على دير الزور في 2014 تشكل له موقعاً استراتيجياً لخطوط إمداده، إذ تحيط بها الجبال ويمر عبرها نهر الفرات، الأمر الذي يجعلها عصية على أي هجوم بري مفاجئ من القوات البرية، وبحيث لا تجدي الضربات الجوية وحدها الشيء الكثير أيضاً، لذا سيبدو الحديث عن أي تحرير للمدينة وريفها عبر عشائرها التي تحيط بها، فمن يكسب ودهم؟

اليوم، تتعاظم مسألة إدارة شؤون المناطق التي غادرتها قوات النظام السوري والتي سيتم تحريرها من «داعش» في دير الزور بيد (القبائل)، إذ ظهر الحديث مرة أخرى عن دور عشائري في المرحلة الحالية وفي المستقبل، فلهذه العشائر قوة لا يستهان بها من حيث التنظيم الاجتماعي والعسكري أيضاً فيما لو تم الاعتماد عليها في المرحلة اللاحقة من التحرير.

ويبقى السؤال الأكبر حول من سينظم «ديناميكية» عمل هذه القوى العشائرية في ما بينها بعد استعادة المدينة (دير الزور) وريفها من يد «داعش»، خصوصاً أن لكل شيخ عشيرة اتصالات تمركز تموضعه في الخريطة السياسية المقبلة؟

* صحافي وكاتب سوري.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى