صفحات العالم

لماذا غير البعض مواقفهم عندما جاء دور سورية؟!

 


صالح القلاب

ليس غريبا على الإطلاق وليس مستغربا أن تبادر قطر وأن تسارع بمجرد أن وصل «تسونامي» الثورات العربية إلى سورية، مبتدئا بمدينة درعا حاضرة حوران الذي احتضن معركة «اليرموك» الفاصلة وسارت عبر دروبه الجيوش الإسلامية الفاتحة إلى دمشق، إلى الإعلان عن وقوفها إلى جانب هذه الدولة «الشقيقة» التي تتعرض لمحاولات داخلية وخارجية لزعزعة أمنها واستقرارها، وهذا تمثل في إرسال الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رئيس وزرائه ووزير خارجيته الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إلى دمشق برسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد تتضمن التأكيد على الدعم الكامل للجهود التي تقوم بها القيادة السورية لإفشال هذه المحاولات.

وحقيقة، فإن هذا الموقف كان متوقعا، فقطر، التي كانت ولا تزال الأكثر حماسا لإطاحة معمر القذافي والتي أبدت مثل هذا الحماس وأكثر منه لإسقاط زين العابدين بن علي وإسقاط الرئيس المصري «السابق» حسني مبارك، تربطها بسورية علاقات متينة اتخذت أشكالا متعددة خلال السنوات الأخيرة، وهي كادت تصبح رقما معلنا في تحالف «فسطاط الممانعة» الذي لا يزال قائما حتى الآن، والذي يضم دمشق وطهران كأساس، ويضم أيضا حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، كما كانت هناك قناعة بأن جماهيرية القذافي كانت على صلة متينة بهذا الفسطاط، إذ هي ليست عضوا «كامنا» سريا فيه دون إعلان.

قد يبدو هذا الموقف القطري مستغربا ومستهجنا في ضوء الاندفاعة القطرية الشديدة لتأييد «تسونامي» الثورات العربية ودعمه والوصول بهذا الدعم، بالإضافة إلى الدور الذي قامت ولا تزال تقوم به فضائية «الجزيرة»، حتى المشاركة العسكرية ببعض الطائرات الحربية، لكن هذا الاستغراب لا يلبث أن يتلاشى ويزول عندما يعرف أصحابه أن سورية بالنسبة لقطر ليست تونس ولا مصر أيضا، ولا اليمن، وأن الرئيس بشار الأسد بالنسبة للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ليس زين العابدين بن علي ولا محمد حسني مبارك وأيضا ولا علي عبد الله صالح، والمسألة هنا أكبر من «التغيير والإصلاح» الذي يحتاجه الشعب السوري بعد كل هذه الفترة الطويلة من الأحكام العرفية وحكم الحزب الواحد والاستبداد السياسي وغياب الحريات العامة وعدم وجود الديمقراطية في أبسط صورها؛ بل هي متعلقة بحقيقة أن دمشق هي بوابة طهران وأن تفادي شرور الجمهورية الخمينية يتطلب علاقات متينة مع «القطر العربي السوري الشقيق» والاقتراب كثيرا من «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي هو الجهة الإقليمية المقابلة لما كان يعتبر جبهة دول الاعتدال التي كانت تضم مصر والمملكة العربية السعودية والأردن وبعض دول مجلس التعاون الخليجي وإن بصورة مواربة غير مباشرة.

وبالطبع، فإن قطر وهي تتخذ هذا الموقف الذي يجب أن لا يكون مستغربا ولا مفاجئا، فإنها لا تقدم إلا المبررات التي تبدو موضوعية ومقبولة؛ فسورية كما يقول كثيرون تختلف عن تونس ومصر واليمن وجماهيرية القذافي في أنها لا تزال دولة مواجهة وأنها تدعم المقاومة العراقية وتحتضن المقاومة الفلسطينية (حماس وبعض التنظيمات الأخرى) والمقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله، وأنه بالتالي لا ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها، وأنه على الشعب السوري أن يتحلى بالمزيد من الصبر والاحتمال وأن يؤجل «ترف» الديمقراطية والحريات العامة من أجل الهدف الوطني والقومي الأكبر، وأن المعركة لا تزال مستمرة، وأنه «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

ثم، وبالمقدار نفسه، فإنه في الإمكان إيجاد عذر لزعيم حركة حماس الذي هجم على الشيخ يوسف القرضاوي هجمة غضنفرية لأنه أطلق تصريحات مؤيدة لـ«الثورة السورية» على غرار تأييده لـ«الثورة التونسية» و«الثورة المصرية» و«الثورة اليمنية»؛ فالمجاهد خالد مشعل يقيم إقامة دائمة في دمشق وتمويله الأساسي من إيران، ولهذا فإن التزامه بالولي الفقيه لا يقل عن التزام حسن نصر الله، وهذا كله يفرض عليه أن يتصدى حتى للرجل الذي كان بمثابة والده السياسي والذي بقي يقف إلى جانب حركة المقاومة الإسلامية حتى عندما قامت بانقلابها المعروف على الشرعية الفلسطينية ولم يتورع «مجاهدوها» عن إلقاء إخوتهم في حركة فتح من فوق أبراج غزة المرتفعة والعالية.

بهذا الخصوص، كانت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» قد قالت إن خالد مشعل قد أعرب عن استيائه واستغرابه من «التحريض» الذي يقوم به الشيخ يوسف القرضاوي للشعب السوري لافتعال المزيد من الاضطرابات وأعمال الشغب داخل البلاد، ولقد ذكرت هذه الوكالة أن موقع «سورية الآن» الإلكتروني نقل عن مشعل قوله لزوار هذا الموقع: «إنني أقول له من منطلق المحب العاتب: (اتق الله يا شيخ بفلسطين، فسورية هي البلد الوحيد الذي لم يتآمر علينا، والذي يدعمنا، وإن ما تقوله عن وحدتنا الدينية يصيب قلب كل فلسطيني بالحزن وهو يخدم إسرائيل.. إنك تتحدث عن الأحداث في سورية كما لم تتحدث عن الأحداث في مصر، فهناك دعوت إلى الوحدة بين الأقباط والمسلمين وبين السلفيين والإخوان، وهنا تدعو إلى القتال بين السنة المسلمين والعلويين المسلمين.. سبحان الله، ما هكذا عرفنا الشيخ القرضاوي داعي الوحدة والمجاهد ضد إسرائيل وأميركا بالكلمة».

وبالطبع، فقد سارعت حماس على لسان مندوبها لدى لبنان وليس على لسان رئيس مكتبها السياسي، إلى نفي هذه التصريحات، وقالت إنها لا تتدخل في الشؤون السورية الداخلية، وإنها تقدر لسورية ممانعتها واحتضانها المقاومة الفلسطينية. وبالطبع أيضا، فقد أدلى الشيخ القرضاوي بتصريح لإحدى الصحف قال فيه: إن خالد مشعل في مقام أبنائي وتربطني به علاقات مودة من عشرات السنين، ولذلك، فإنه لا يمكن أن يقول عني كلاما غير طيب.

أما الذين من غير الممكن إيجاد عذر لهم، فهم الإخوان المسلمون الأردنيون، أو في الأردن، فهؤلاء مع أن المفترض أن يكونوا أكثر حرية من حركة حماس، التي تحكمت في موقفها إزاء مستجدات الوضع السوري «ديكتاتورية» الجغرافيا السياسية واعتمادها الأساسي في تمويلها على إيران، التي جعلت خالد مشعل يؤنب الشيخ القرضاوي كل هذا التأنيب، إلا أنهم أصدروا بيانا تحت ضغط توجهات الرأي العام في المنطقة العربية وتحت ضغط الشعب الأردني دعوا فيه الرئيس السوري بشار الأسد إلى: «الاستجابة إلى المطالب الشعبية في الديمقراطية والحرية والعدالة والانتخابات الحرة والنزيهة المعبرة عن الإرادة الشعبية الشاملة والحقيقية التي تؤدي إلى استقرار المجتمع السوري وتقدمه وعدم استخدام القوة والعنف في مواجهة مطالبه المشروعة وحقه في التعبير بالوسائل السلمية».

إلا أن «إخوان الأردن» كالآخرين وكبعض الكتاب، الذين نظروا إلى ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن بعيون مبصرة ونظروا إلى ما جرى في سورية بعيون شديدة الحول، قد ذيلوا بيانهم هذا بالقول: «وتقدر (الجماعة) مواقف سورية السياسية في الثبات والممانعة في مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي الاستيطاني وفي احتضان المقاومة، وكل هذا وهم يعرفون أن هناك مادة في الدستور السوري رقمها (49) تنص على إنزال عقوبة الإعدام بحق كل سوري يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين، وكل هذا أيضا وهم يتخذون موقفا تجاه الأردن البلد الذي احتضنهم ولا يزال يتسم بالعدمية وبالتشدد وبالشروط التعجيزية».

بقي الإخوان المسلمون الحزب الوحيد المصرح به في الأردن منذ عام 1957 وحتى العودة إلى المسار الديمقراطي في عام 1989 وهم بقوا أيضا يستمتعون بخيرات هذا البلد بالطول والعرض، وذلك بينما كان «إخوانهم» مطاردين وملاحقين ونزلاء زنازين في سورية ومصر ومعظم الدول العربية، والآن فإنهم، تجاوزا لكل القوانين النافذة، يمارسون نشاطهم السياسي والتنظيمي من خلال حزبين؛ حزب «الجماعة» وحزب «جبهة العمل الإسلامي».. لكن، ومع ذلك، ولأسباب كثيرة لا مجال لذكرها، فإنهم، منذ أن ظهرت حماس إلى الوجود متخلفة عن انطلاقة المقاومة الفلسطينية نحو عشرين عاما، قد لجأوا إلى الصدام المتصاعد مع الدولة الأردنية التي هي الدولة الوحيدة التي احتضنتهم وقدمت لهم ما لم تقدمه لغيرهم.

 

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى