صفحات العالم

لماذا لا نرقص فوق جثث السوريين؟


محمد عبد المجيد

أيهما أكثر فائدة للمواطن العربي: ورق المحارم أمْ جامعة الدول العربية؟

هذا سؤال يداخلني يقينٌ بأنه لن يختلف عربيان علىَ الاجابة الصحيحة عنه، ومع ذلك فأمينُ عام جامعة الدول العربية ينتظر حتى يبلغ شهداء الانتفاضة السورية الطاهرة عدة آلاف، ثم يصل إلى دمشق في محاولة لاقناع السفاح بتقليل عدد ضحاياه، وتنظيم الجثث في المشرحة، والاكتفاء بقلع عين واحدة، وكسر الجمجمة برأفة بدلا من تهشيمها، وأن لا يزيد مَنْ يتم دفنهم في أي مقبرة جماعية على المئة مواطن سوري، لكن لا مانع من جعل باطن الأرض السورية أكثر تكدساً من أديمها!

نصف عام على مذبحة شعب عربي لم تحرك مليونية واحدة في أي بلد يركع ويسجد مواطنوه، من كل الأديان والعقائد والمذاهب، لـله رب العالمين، ومع ذلك فالمذبحة تـُوْصـِل الليلَ بالنهار، ونحن نمارس حياتنا البلهاء بكل حماقة وجمود مشاعر وجـُبْن كأن الشيطان بال في آذاننا فلم نعد نسمع صرخات الموجوعين والمعذَّبين والمتلهفين على شهامةٍ ظنوا أننا ورثناها عن الجاهلية وهذّبها الدين، فإذا هي مذبوحة مع أطفال سوريا ونسائها وضـِعافها.

وجه قبيح لجيش عربي تتناثر عليه بقع سوداء، فالجندي السوري أصبح امتداداً للجيش الاسرائيلي، ولعلي لا أبالغ إنْ قلت بأن قوات الاحتلال الاسرائيلية أقل قسوة ضد الفلسطينيين من الجيش العربي الذي أعلن الحرب على أهله.

حتى مع فرحة البعض بوجود انشقاقات لعدة آلاف بعد نصف عام من بدء المجزرة، فإن مئات الآلاف الذين يخدمون الطاغية، ويوجهون رصاصَهم الحيَّ لصدور أطفال الحيِّ لم يعودوا مـِنـّا أو من هذه الأرض الطيبة.

إنهم غرباء استبدلوا بأرواحهم روح إيللي كوهين، وأنا أرفض رفضا قاطعا تبريرات البعض بأنهم مغيـَّبون، ومضطرون للخضوع لأوامر سفاح دمشق الأشر.

الضمير يغيب يوما أو بعض يوم، والخوف يُغـَيـّـبه أسبوعا أو اثنين، والتصفية للمنشق تطيل الطاعة شهرا أو شهرين، ولكن هؤلاء الوحوش الكاسرة لا تفترس ضحاياها فقط، إنما تتبرع بكل صنوف الترويع والتخويف ومطاردة الأطفال وجعل الافتراس سادية يتلذذ بها اثنان: الذئب وصاحبه!

المشكلة ليست في اسقاط النظام أو اعدام الجزار بشار الأسد، فالمسألة ليست أكثر من وقت أطول، ومضاعفة عدد الشهداء، لكن الخوف فيما بعد انتصار شعبنا السوري العظيم، فقائمة العار تكاد تصل إلى مرحلة نخجل أن نُحصيها، ففيها مئات الآلاف من رجال الجيش العربي السوري وضباط الأمن والاستخبارات والمثقفين والفنانين والإعلاميين ورجال الدين ومعظم وجوه المسلسلات السورية التي كانت الوجوه تلتصق بالشاشة الصغيرة لمتابعتها، فأصبح البصقُ عليها تحية السوري البطل لمن تخلوا عنه من أجل لعق حذاء كاليجولا دمشق.

معذرة أيها السوريون فنحن أيضا جبناء، نمارس حياتنا، ونتناول طعامنا أمام التلفزيون بلذة ونحن نشاهد أجساد أبنائكم وهي تتلوى قبل أن تخترق الرصاصة الأخيرة الجسد المليء بالثقوب لتستقبل السماء شهيدا جديدا في زمن الربيع العربي .. والعذاب السوري.

ضعونا جميعا في قائمة العار .. زعماء وقادة وسياسيين وإعلاميين وكل من يستطيع أن يقدم لكم دعما أو مساندة أو مظاهرة أو أي صورة من صور الاحتجاج ثم يتردد هنيهة واحدة أو أقل.

لماذا لم تقطع الدول العربية كلها، وبدون استثناء، علاقتها مع النظام البشع لجزاركم الشيطاني، مع اعتذاري لإبليس على هذا التشبيه؟

ربما يكون قادتنا قد وضعوا لضمائرهم حدا أقصى لتحمل المشهد، قد يكون مئة ألف شهيد، أو نصف مليون أو نصف عدد السكان أو ربما الشعب السوري بأكمله، وهنا يلقي الزعيم العربي خطبة عصماء أمام مقبرة الشعب السوري يعاتب فيها سفاحكم وجيشه وكلاب أمنه لأنهم أفرطوا في استخدام القوة!

لماذا لا تكون هناك جمعة مليونية مع الثورة السورية تخرج في ساحات القاهرة ووهران ومراكش ونوكشوط وبيروت وتونس وجدة وغزة وبغداد وعمان ودبي والخرطوم؟

نصف عام على ربيع دمشق ولم نحتفل بعد بانتصار الثورة العظيمة!

أخشى أن يطلب الجيش العربي السوري دعماً عاجلا، وتدخلا سريعا من الجيش الاسرائيلي لاحتلال دمشق قبل أن يتولى الحُكمَ فيها زعيمٌ وطني يعيد سوريا إلى مجدها ودورها الوطني وتسامحها الرائع!

هذه ليست مزحة أو مبالغة أو شطط خيال فالمتابع لحرب الأوغاد ضد شعبنا السوري لا يخالجه أدنى شك في أنه جيش احتلال ولو حمل الهوية الوطنية!

تمنيت في الشهور الماضية سحل بشار الأسد في شوارع دمشق حتى إذا وصلت جثته أمام مسجد الرفاعي لم يبق منا شيء، أما الآن فتمنياتي أغلظ من هذا بكثير لأنها أحلام كل عاشق لسوريا سواء كان من أهلها أو من محبيها ولو لم يشاهدوا طلعتها البهية من قبل!

حزني على شهداء سوريا يعادله حزني على غياب ضمير الجيش العربي السوري إلا إذا كتشفنا لاحقا أن الجنود السوريين جاءوا من نطفة في معمل للاستنساخ بقلب تل أبيب!

معذرة لكل الذين سيسيء إلى وداعتهم اللينة والطيبة قسوة حديثي عن جيش عربي ، وأقول لهم خذوا تبريراتكم فهي لا تلزمني في كتاباتي عن الطاغية وكلابه ولو قبـَّلوا العـَلـَمَ السوريَّ سبعين مرةَ في اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى