صفحات العالم

لماذا لا يجري اختبار أحجام لـ”الأسد” ومعارضيه؟


سركيس نعوم

تشهد سوريا، منذ بدء الاحتجاجات الشعبية فيها على نظام الرئيس بشار الاسد، تظاهرات شعبية حاشدة مؤيدة له، وقد تصاعد عددها في المدة الاخيرة لاعتبارات كثيرة ابرزها ثلاثة. الاول، اقناع الذات بأن الشعب لا يزال معه او غالبيته. والثاني، مواجهة ضغوط الخارج من عربية وتركية ودولية، وإقناعه بضرورة التخلي عن محاولة إسقاط النظام من داخل او خارج لأنه لا يزال يحظى بـتأييد غالبية الشعب السوري. اما الثالث، فهو إحباط المحتجين الذين تحوّلوا ثواراً بالقمع وإظهار حجم التأييد الشعبي للنظام في وقت يعجزون هم عن القيام بـ”تظاهرات مليونية”.

هل صحيح ما يقوله النظام السوري وإعلامه، وهو الوحيد العامل في سوريا، عن تمسك غالبية الشعب به وعن ضعف التأييد الشعبي للثوار؟

لا احد ينكر، يجيب متابعون ومن قرب للاوضاع في سوريا، ان لنظام آل الاسد في سوريا ولاسيما الآن شعبية تقوم على ركائز اربع. الاولى، هي المُكوِّن الشعبي الذي ينتمي اليه النظام. وهو معبأ “على الآخر” كما يقال للدفاع عنه، رغم خلافات داخله قد تكون مهمة، لأنه يعتبر ان انهيار النظام يعني سقوطه وانهيار دوره وتعرّضه للتهميش والى ما هو اكثر منه. والثانية، هي غالبية “المكونات الاقلية” في الشعب السوري التي تؤيد النظام، إما لأنه حماها وفتح أمامها ابواب “العمل المنتج” والممارسة الحرة لمعتقداتها ونمط حياتها، وإما لأنها لا تستطيع ان تقف في وجهه، وإما لأن الثائرين على النظام وغالبيتهم تنتمي الى “المكون الاكثري” للشعب المذكور ستحرمهم الكثير من الحقوق والحريات إذا انتصرت على النظام. ويبقيها على هذا الموقف عاملان. اولهما، الخوف من عواقب الانقلاب، لأن النظام الذي لا يزال قوياً بجيشه وأمنه يخوفها من وصول اعدائه الى السلطة. وثانيهما، الخطاب المقلق، ومعه التاريخ، الذي يلقيه احياناً بعض الاقطاب الاسلاميين او بالأحرى الجهاديين والسلفيين. والركيزة الثالثة، هي “حزب البعث” الذي رغم ترهله وفقدانه قوته لا يزال اعضاؤه المستفيدون من النظام في كل المجالات وعلى مختلف المستويات قادرين على دعم النظام في الشارع اي بواسطة التظاهرات. ذلك انهم يخشون فقدان مكاسبهم. ويعرفون ان الثائرين عليه وعلى النظام قد لا يرحموهم في حال سقوطهم. أما الركيزة الرابعة فهي الخوف. اي خوف الكثيرين من العاملين في الاسلاك التعليمية والتجارية والاقتصادية والامنية والعسكرية وغيرها وعائلاتهم من عدم إظهار الولاء للنظام على الاقل بالتظاهر في الشارع.

إلا ان ذلك، على صحته، يلفت المتابعون انفسهم، لا يعني اولاً، ان هؤلاء كلهم يمثلون غالبية الشعب السوري. ولا يعني ثانياً، انهم بكليتهم مؤيدون للنظام. فهم استفادوا ولا يزالون يستفيدون من “تسهيل” القوى الامنية والعسكرية والسياسية للنظام تحركاتهم في الشارع، لئلا يُقال انهم يتظاهرون فيه تنفيذا لنصائح هذه القوى. وذلك عامل بالغ التأثير. في حين ان القوى الرافضة للنظام والمطالبة باسقاطه، بعدما يئست من رغبته في الاصلاح او في قدرته على تنفيذه، لا تحظى “بتسهيل” كالمذكور اعلاه. وعلى العكس من ذلك فإن من ينزل من هذه القوى الى الشارع انما يخاطر بحياته وبعائلته وبرزقه ويخاطر بتعريض منزله او ممتلكاته او رزقه للتدمير. ورغم ذلك لم تتمكن قوى النظام على مدى ثمانية اشهر من قمع الاحتجاج، ولم تنجح في منع تحوّله ثورة. فهو كالنار تظن قوى السلطة انه أُخمِد فتذهب الى اخماد حريق في مكان آخر، فيعود الاول الى الاشتعال. فالنار “تعسّ” وثورة الشعب “تعسّ” أيضاً.

طبعاً لسنا هنا في مجال تحديد اين الغالبية الشعبية في سوريا، وهل هي مع النظام او مع الثائرين عليه. لكننا نريد المعرفة ونريد ان يعرف الناس في سوريا والعالم العربي والاسلامي والعالم الحجم الحقيقي شعبياً لكل من الثوار والنظام. وذلك سهل، ويكون باعتماد ما اعتمده لبنان عام 2005، اذ وقف الجيش والقوى الامنية على الحياد عندما قام حلفاء سوريا في 8 آذار بتظاهرة شعبية عارمة، وعندما قام المطالبون برحيل عسكرها عنه ووصايتها عليه بتظاهرة اكثر من عارمة في 14 آذار. فلماذا لا يُطلَب من قوى الامن في سوريا والجيش الحياد ويُدعى فريقا الصراع في سوريا الى التظاهر لقياس الاحجام؟ علماً ان ضمانات باستمرار الحياد بعد التظاهر اي بعدم تعرّض رافضي النظام للقمع يجب ايضاً ان تُقدَّم.

هل يحصل ذلك؟ صعب جداً يجيب المتابعون اياهم. لكن كان لا بد من إثارة هذا الموضوع لأن السوريين واللبنانيين والعرب وكل العالم اغرقهم بالـ”بروباغندا” النظام واعداؤه؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى