صفحات العالم

لماذا لا يقتل الديكتاتور العربي على طريقة تشاوشيسكو؟


قناة آل مخلوف بالنعناع ومناهضوها غرف صهيونية

بسام البدارين

لاحظوا كيف فرضت الفضائيات نفسها على الواقع الموضوعي.. القومي العريق والصديق حسين مجلي عندما تحدث إليّ عن مقابلته الأخيرة مع الرئيس بشار الأسد بين كل سطر وآخر من كلامه عبارة تبدو ساحرة هذه الأيام وهي (الفضائيات اليوم هي غرف عمليات لصالح المشروع الصهيوني).

.. هذه عبارة تحتاج فعلا لنقاش وتدقيق وصاحبنا المحامي الكبير يقصد بوضوح ‘الجزيرة’ و’العربية’ و’بي بي سي’ بإعتبارها غرف عمليات مغلقة تستهدف نظام الرئيس السوري بشار الأسد على اعتبار أن الأستاذ الكبير دوما يفرق – لسبب لا أفهمه – بين ما حصل في مصر وتونس وما يحصل اليوم في سوريا.

طبعا نحترم وجهة نظره لكنها تدلنا على تلك المنطقة التي نكون فيها إنتقائيين عندما نتحدث عن تأثير الفضائيات على مواقفنا فما أذكره أن الجزيرة مثلا فرغت جيشا من الفنيين والمراسلين لمتابعة الثورة في تونس ومصر وكذلك في ليبيا.

لكن أرجلها وأرجل غيرها من الفضائيات قطعت تماما في الشقيقة سوريا ويخيل لي أحيانا ان الصبي الشقي سيف الإسلام القذافي كان أذكى من الأشقاء في إعلام وحكم دمشق عندما رد أحيانا على إستهداف غرف العمليات إياها بإستقطاب صحفيين ومراسلين وتمريرهم بين الحين والأخر على مسارح الأحداث ليقد م روايته هو للحدث.

على الأقل إجتهد الرجل وحاول تحقيق إختراقات للإعلام المناهض حتى عبر فضائياته البائسة التي بثت مئات المرات خطبته الشهيرة في الأمة والتي تنتهي بإستخلاص مماثل لإستخلاص الصديق حسين مجلي حيث ستموت هذه الأمة وتنتهي وتتلاشى ويتناهشها الأعداء إذا سقطت عائلة القذافي وكأننا أمة لا تحيا إلا إذا حكمتها عائلات محددة بعينها مثل آل القذافي أو آل الأسد أو آل غيرهم.

وفي سورية لا يوجد ممر إعلامي إلا الفضائية السورية الحكومية التي تكتفي بتصوير مراسم تشييع شهداء الجيش السوري والجنازات المهيبة التي تقام لهم ويضاف إليها فضائية أخرى بنكهة النعناع تتبع آل مخلوف وتشتم ثم تشيطن كل من رأي متعاطف مع الشعب السوري.

المعبر الآخر للصورة السورية هو الهواتف الخلوية للنشطاء وضحايا القمع التي تصور لقطات بائسة وسرية وسريعة ومن وراء حجاب فتلتقطها غرف الصهيونية المفترضة في الجزيرة وفقا لمنطق مجلي وغيرها بإعتبارها الصورة الوحيدة المتاحة ولقطات النشطاء هذه من الطبيعي أن تركز على دم شهيد مدني سقط للتو أو على صورة دبابة كتب عليها بالخط العريض عبارة (بشار وبس) حتى بدون ثنائية الله وبشار وبس.

فاكس في دمشق

.. إذا كيف سنلتقط نحن الجهلاء أو العملاء العرب حيثيات (المؤامرة) على سوريا إذا كان النظام الشقيق حتى قبل المؤامرة عليه وفي لحظات الإسترخاء منعني شخصيا من إرسال فاكس من داخل دمشق إلا بعد تصوير نسخة عن ورقة الفاكس وتسليم جواز سفري وفي مكتب البريد الحكومي لأن إرسال الفاكس متعذر جدا في شوارع دمشق ومكاتب الإتصالات رغم أني كنت مرافقا لوفد نقابي أردني عريض المنكبين زار دمشق لهدف واحد ويتيم وهو: التضامن معها ضد الحصار والإستهداف.

أيهما أسهل إتهام الفضائيات العربية بانها غرف عمليات للمشروع الصهيوني بكل بساطة أم تمكين هذه الفضائيات من نقل صورة المؤامرة التي تجري في سوريا؟.. أستطيع مثلا وكمواطن عربي أن أقول وأنا مرتاح الضمير بأن كل نظام عربي يحرم مواطنيه من حرياتهم أو يمنع الإعلام ويفرض قيودا عليه يخدم في الواقع المشروع الصهيوني أكثر من جيش من العملاء والجهلاء الذين يتحدث أستاذنا جميعا حسين مجلي عن تحالفهم في الساحة الأردنية ضد سوريا.

ولو كنت مسؤولا في وزارة الإعلام السورية – لا سمح الله – لفتحت الباب لمراسلي جميع الفضائيات للدخول والتغطية الحرة حتى تكتشف الكاميرات الحرة بنفسها هؤلاء الجواسيس المسلحين الذين يقوضون نظام العدل والتسامح بسوريا وحتى يقدم زملائي الفصحاء روايتهم للأحداث بدلا من تركها لرواية كاميرات الخلويات السرية ثم الإسترخاء وإطلاق إتهامات العمالة الجزافية بحق غرف الأخبار بالفضائيات العربية التي لا أنزهها بالمطلق بكل الأحوال عن الغرض والهوى واللعب والعبث أحيانا.

بهذه الحالة سأتقدم الصفوف التي تندد بالفضائيات الجاسوسة التي تستهدف نظام العدل والحريات والممانعة في سوريا الشقيقة او سألعبها على طريقة أضعف الإيمان حيث أدير مفتاح الريمونت وأوقف بقرار تلقائي خطيئة تعرضي للبرامج الموجهة في الفضائيات الجاسوسة وإستبدلها ببرامج (سبيس تون) والتمترس ساعات مع طفلي الصغير أمام شاشة طيور الجنة.

طبعا ثمة ظلم وإستبداد وعسف في السعودية تتجاهله فضائيات الخليج لكن ذلك ينبغي أن لا يمنع الفضائيات من تغطية الأحداث خوفا من دورها في التهمة السورية المعلبة الشهيرة بعنوان (وهن مشاعر الأمة).

وبأمانة لم أقابل يوما حتى الأن مثلا مواطنا أو مثقفا إماراتيا أو قطريا يشكو من الظلم والعسف رغم أني لا أحب أنظمة الخليج فعلا واعتبرها حلقة أساسية من مشكلات الأمة.. مقابل ذلك عندما دخلت لأحد مكاتب الإتصالات وسط دمشق قبل الربيع العربي بسنوات وعلمت الموظفة أني من ربع الصحافة والإعلام وأرغب في إستخدام الفاكس قامت الشابة عن مقعدها ورمقتني بنظرة رجاء حارة مع العبارة التالية : دخيلك .. دخيل عيونك يا أخي .. إطلع بره.

وحتى لا يضعني أحد في مستوى الولايات المتحدة ويتهمني بإزدواجية المعايير أقولها عالبدري: في بلدي الأردن ثمة عسف وظلم أيضا وثمة حقوق مهضومة وأخرى منقوصة وفساد وحيتان وأجهزة أمنية شرسة مع فارق بسيط: في عمان تستطيع إرسال أي فاكس وفي أي وقت ومن أي مكان دون حتى إلتفاتة من أي جهة وبإمكانك لو كنت محظيا إرسال الفاكس الذي تشتم فيه الحكومة وتنتقد الحكم من أحد مخافر الشرطة.

هل واجبي المهني لو عملت بالجزيرة مثلا أن اخترع عسفا وظلما في قطر حتى أسلط الأضواء عليه .. طيب قطر تآمرت وخصصت خمسة ملايين دولار فقط لتأسيس محطة الجزيرة في مقرها الأول ثم تحول الأمر إلى غرفة عمليات كبيرة عبر الجزيرة المتآمرة فهل يتحفنا الأخوة في دمشق او عمان أو تونس او طرابلس بمؤامرة مماثلة سأرحب بها علنا.. أزعم وفي عمان الفقيرة فقط أن هذا المبلغ السخيف دفع كرشوة لبضعة إعلاميين في أحسن الأحوال فلماذا لم نؤسس به غرفة مثل الجزيرة على الأقل ردا على المؤامرة الفضائية القطرية المزعومة؟

على الأقل الجماعة الخلايجة في الدول الصغيرة يعيشون في رخاء إقتصادي نسبي لكن جماعتنا في سوريا ومصر وتونس وبدرجة أقل في بلادي وغيرها لا يتمتعون لا بالرخاء ولا بالحكم الرشيد .. يعني لا حرية ولا خبز بسبب الفساد.

تشاوشيسكو

لا يملك البني آدم الطبيعي إلا أن يتوقف عند صور مقتل القذافي ليتأملها فيما تلتهمه عشرات الأسئلة.. هل يوجد مال في الدنيا أو جاه أو نفوذ أو سلطة تستحق الموت في حفرة مخصصة لتصريف المياه فيما يقتل الأبناء أيضا وتتشرد الولايا؟…هل تستحق السلطة في أي بلد خصوصا إذا كانت مغتصبة ولم تتحصل عبر الصناديق كل هذه التضحية والسحل العائلي في الشوارع؟.. أفهم أن يستحق الوطن التضحية بالنفس والعائلة والمال والعيال لكن كرسي الرئاسة أو الزعامه البائس من أجل حفنة دولارات ومجاميع رعاع يصفقون كذبا ونفاقا بين الحين والأخر.. ولله هذا كثير.

.. صديق لي يسألني منذ سنوات: ما الذي يمكن أن يفعله الأنسان بأي مبلغ مالي بعد المليار الأول؟.. شخصيا لا زلت أذكر تلك اللقطة التي بثها التلفزيون الأردني اليتيم وأنا طفل قبل سنوات طويلة لديكتاتور رومانيا الذي قتل مع زوجته في ربيع مماثل لربيعنا العربي اليوم… يومها إنتبهت لربطة عنق الرجل وكيف هوى مع زوجته الأنيقة إلى الحائط وهو في كامل حله وحلاوته وبدلته التي أراهن أنها من الطراز الفرنسي الكلاسيكي.

تشاوشيسكو في تلك اللقطة على الأقل مات مهندما وحليقا وناعما ومعطرا على الأغلب .. لم يقتل الرجل في حفرة وزوجته قتلت معه فيما كانت تضع شال الحرير الشهير ولم ترصد عيني وقتها أي شعرات منكوشة أو حواجب متدلية أو لحية تشبه طرق مخيم البقعة في تعرجها.. فقط طلقة بالرأس وإنتقل الزعيم الروماني إلى الرفيق الأعلى .. حتى ديكتاتورات أوروبا يسحلون بطريقة أنعم من جماعتنا حيث تفننت الجزيرة والعربية وهما تعرضان على مدار 24 ساعة تلك الصور المخجلة للقذافي المسحول والمسطول وبطريقة تهين ثقافتنا ووعينا كمسلمين هم الأجدر بإحترام الموت.

مسألة أخرى ما هي قصة زعمائنا الراحلون مع الحفر؟.. قبل العربية والجزيرة وصور القذافي وبكل ألم وحسرة أستذكر لقطة الفضائية الكويتية المكررة صبيحة سقوط بغداد وذوبان الحرس الجمهوري وخيانات أركانه وإختفاء الرئيس صدام حسين عليه الرحمة.. يومها كنت عند الحلاق فإذا بعجوز عراقي يمسك صورة للرئيس صدام ويضربها بالحذاء باكيا ولاحقا ضربت نفس الأحذية على تماثيل وصور حسني ميارك وبن علي وعلي عبدلله صالح ومن قبل أناس عاديين أشك في أن المشروع الصهيوني وظفهم.

شخصيا لا أصدق إطلاقا بأن العجوز العراقي الذي احتفلت به فضائية الكويت مجند من الأمريكيين أو تحرك حذاءه ضد الصورة لأسباب طائفية، واعتقادي شخصيا ان الرجل العجوز إستيقظ من النوم فلم يجد نخبة الجنرالات الذين حرم النظام أولاده من الطعام من أجل الإنفاق على نياشينهم وإمتيازات زوجاتهم من أجل يوم كذلك اليوم فكان رده الطبيعي معاتبة صورة جنرال الجنرالات الذي قصف إسرائيل وعند (الغارة) الحقيقية تبين انه محاط بالكثير من الخونة.

نكتة أردنية

سؤال صغير وآخير أردني بإمتياز: كيف خطر في ذهن رئيس وزرائنا المقال معروف البخيت أنه يستطيع وفي الدقيقة الأخيرة له في الحكم فرض فريق من المسؤولين الإعلاميين على خليفته عون الخصاونة؟.. صاحبنا البخيت قرر سلسلة تعيينات وهو يمر لآخر مرة مغادرا مكتبه الرئاسي .. بين الذين أقالهم البخيت في اللحظة الأخيرة مدير مؤسسة التلفزيون الإعلامي المخضرم عدنان الزعبي.. الطريف كان تهمة الرجل فقد ترك الإدارة وأصر على تلاوة نص خطاب التكليف الملكي للرئيس الجديد شخصيا على الشاشة وتبين أن الزعبي قرأ النص بحماس زائد فبدا أنه مبتهج برحيل البخيت فأطاح الأخير برأسه مباشرة بعد أخبار السادسة وكان قراره الأخير.

مدير مكتب ‘القدس العربي’ في عمّان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى