صفحات العالم

لماذا يتشبثون بالأسد؟


 حمد الماجد

هل مئات الألوف من المواطنين السوريين الذين خرجوا تأييدا لحكم بشار الأسد كلهم مأجورون؟ وهل نصف المليون ليبي من الذين احتشدوا مؤخرا في باب العزيزية نصرة للقذافي كلهم من أزلام السلطة المنتفعين بأعطياتها وهباتها؟ وهل الحشود اليمنية الملايينية التي مافتئت تخرج أمام قصر الرئاسة اليمني مؤيدة لعلي عبد الله صالح وتطلق الأهازيج فرحا بأي «مبشرات» تطمينية عن صحته قد دفع لهم صبيحة كل مظاهرة؟ بل هل الذين، كل الذين، لا يزالون يدافعون إلى هذه اللحظة عن الرئيس حسني مبارك أو يتمنون لو أن الشعب نال شرف توريث ابنه السلطة هم من الحاشيات المقربة من مبارك أو التي ارتبطت مصالحها به وبابنيه وجودا وعدما؟ الجواب بالتأكيد لا، وهل كانت الملايين المصرية التي تظاهرت بعفوية لثني الرئيس جمال عبد الناصر عن قرار، أو بتعبير أدق «مسرحية»، استقالته بعد هزيمته في حرب 67 مدفوعة بالقهر والقوة أو مدفوع لها؟ الجواب مرة أخرى لا.

وبطبيعة الحال، هذا لا ينفي مطلقا وجود المنتفعين والمأجورين والمنافقين والمندسين والمتمصلحين والمتزلفين من الذين يدعون زعماءهم رغبا ورهبا. هذه الشريحة المتزلفة من البشر موجودة في كل زمان ومكان وليس في ثورات «الربيع العربي» فقط، لكنها لتفاهتها لا تعنينا في مقالة اليوم، إنما الذي يعنينا في الثورات العربية ظاهرة الحشود الجماهيرية الكبيرة التي بحت حناجرها هتافا تأييدا لزعماء سقطوا أو آيلين للسقوط، وهي التي لم تقبض مليما واحدا، مثل ذلك العامل اليمني الكادح الذي التقيته في مغسلة للثياب في حينا بالرياض يقضي فيها ما لا يقل عن 14 ساعة من أجل قوت عياله، لقد كان «يتلذذ» في الحديث عن علي عبد الله صالح وكأن الذي يتكلم ابن الرئيس من فرط حبه له وشفقته على اليمن بدونه. هذه الجماهير لا تكترث أبدا بما يقال عن استئثار الزعيم بالسلطة عشرات السنين وتوزيعه للمناصب الحساسة على الأولاد والأنساب، وكذلك نهب ثروات البلاد والبطش والقمع وسفك الدم، ولو حدثتهم عنها برروها، وفي أحسن الأحوال اعتبروها «كبوة» بسيطة لجواد أصيل. هذه الجماهير ترى من قلبها صادقة أن الزعيم إذا بطش فلعدله وإذا منح فلكرمه وإذا منع فلحكمته وإذا استبد فمن حقه، فهو الأدرى والأسلم والأعلم والأحكم.

هي إذن ظاهرة تستحق التأمل والدراسة، ولو دققنا في حال هذه الشريحة من الجماهير العربية التي هتفت وصفقت وتظاهرت بصدق لزعاماتها المستبدة لوجدنا أن ثمة عاملا مشتركا يجمع بين هذه الزعامات، وهو طول فترة الرئاسة لتبلغ الثلاثين والأربعين سنة. ولا شك أن طول المدة أحد عوامل تحلل الشخصية من كرامتها وعزتها لتبقى من حيث لا تشعر أسيرة ذليلة لشخص الزعيم الباطش تدعوه إما رغبا وإما رهبا، ولا تتصور حياة مستقرة إلا به، ويتمثل لها المستقبل مشؤوما مكفهرا بدونه، أشبه بالعبد الذي تظلم الدنيا في يوم عتقه لا يعرف إلى أين يذهب ولا كيف يسترزق ولا يتصور حياة إلا تحت كنف مولاه مهما طغى وفتك واستبد وتجبر. ولهذا فهناك بعض العبيد يرجع إلى مولاه بعد عتقه يمارس نفس مهام العبودية ولو كان مكتوبا في هويته حر طليق. لقد تنبه الغرب مبكرا لهذه الظاهرة فكبح جماح الاستبداد والاستئثار بالسلطة فوضع نظاما للانتخابات لا يجيز مطلقا للزعيم، كما في أميركا، أن يترشح أكثر من فترتين رئاسيتين مهما بلغت عظمته وذكاؤه وحنكته وقيادته وحاجة الأمة إليه، وهذا بالتحديد ما يتطلع إليه «الربيع العربي».

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى