صفحات سورية

لماذا يتوجس الكرد من المعارضة العربية السورية؟


طارق حمو

النظام السوري يوغل كل يوم أكثر وأكثر في دم الشعب. الحقيقة ان التعايش مع هذا النظام اصبح من المستحيلات. لاأحد يقبل بوجود نظام قرر الاستمرار في الحكم بقتل كل المعترضين والمخالفين له، حتى وان كانوا كل أبناء الشعب. الكرد، مثلهم مثل بقية الشعب السوري، في عصب الثورة الشعبية الحالية. قد تختلف القراءة السياسية بين هذا الطرف أو ذاك، لكن الكل مجمع على التظاهر والكل رفع الصوت عاليا ضد النظام وطالب بالحقوق الخاصة والعامة. الحقوق الخاصة هي الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي المغاير قوميا عن الشعب العربي، وضمان حقوقه الثقافية والادارية وتصحيح كل الاخطاء السابقة في حقه، والحقوق العامة هي الديمقراطية والحرية لكل البلاد والعباد.

المعارضة السورية في عنوانيها الكبيرين: “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي” و”المجلس الوطني السوري” متفقة على ضرورة رحيل النظام الحالي بكل أسسه وشخوصه. قد تختلف التعبيرات هنا لضرورات معروفة، ولكن الهدف واحد. هناك جدال بين العنوانين المعارضين. الكل يقدم حججه وهناك ملاحظات على الجميع. مايهم الكرد هو أن ألا يكونوا “الحلقة الأضعف” والتي يمكن التنازل عنها دون التعرض لأي خسارة كبيرة ومؤلمة.

هناك رأي يحاول طمأنة الكرد، انطلاقا من نوايا حسنة، يقول بأن سوريا القادمة لن تكون ديكتاتورية ولن تٌقصي الكرد. ربما لن تكون سوريا تحت حكم نظام ديكتاتوري سيء كالحالي، ولكن “الديمقراطية العددية” لاتعني بلادا تجري من تحتها انهار السمن والعسل وقد تأتي بديكتاتورية من نوع ما قادرة على “شرعّنة” أمور قد تطعن في صميم مطاليب الشعب الكردي. هذا ما حدث في العراق مثلا. كل الوعود التي حصل عليها الكرد لم تٌطبق حتى الآن. نوري المالكي الذي كان معارضا مغمورا يتحين الفرص لملاقاة قادة اقليم كردستان في أربيل أو السليمانية هو الآن، بحكم الأغلبية العددية، رئيسا للوزراء والمعيق الأول، بدعم ايراني وتركي، لكل طموحات الشعب الكردي هناك. المالكي وعد الكرد كثيرا، ولكن السياسة لامكان فيها للوعود. هي توازن مواقف وقوة. والقوي لايلزمه شيء بالتنازل للطرف الأضعف، حتى ولو كان هذا الطرف من أقرب حلفاء الأمس ومن أصحاب الفضل والجميل وسبق وان اقسم له بالاخلاص والمساواة.

الكرد في سوريا أصحاب قضية قومية ومن المهم التركيز على هذه الحقيقة دائما. على الجميع في المعارضة أن يفهموا بان مطاليب الشعب الكردي ليست فقط الحرية والديمقراطية والمواطنة والتخلص من الديكتاتورية ونظام الشبيحة. مطاليب الشعب الكردي، الرئيسية والتي لايمكن التنازل عنها، هي الاعتراف الدستوري والادارة الذاتية واسعة الصلاحيات. أي رفض لهذه المطالب في المستقبل وتحت أي ضغط هو بمثابة الرجوع بالكرد الى تحت الحكم الحالي الاقصائي حتى ولو تفوقت سوريا الجديدة على سويسرا في الديمقراطية. وهنا لاننسى بأن دولا عريقة في الديمقراطية مثل اسبانيا وبريطانيا لم تنجح بعد في حل قضايا قومية لشعوب واقليات تعيش بين جنبات حدودها الدولية وهي دائما تتحجج بأمور مختلفة للتهرب من الاستحقاقات الانسانية التي تلزمها بالاقرار بحقوق تلك الشعوب.

أي نظام جديد يٌقصي الكرد ويحاول ان يٌبعدهم عن حقوقهم القومية سيصطدم مع ثورة كردية قد تأخذ كل الأشكال.

العلاقات الحالية للمعارضة السورية مع تركيا وحزب العدالة والتنمية تقلق الكرد. تركيا تحارب الشعب الكردي منذ مطلع القرن الماضي وقتلت منهم مئات الآلاف وشردت الملايين. وتركيا تقول بانها ستحارب اي كيان كردي حتى ولو كان في الأرجنتين. وتركيا تمنع عودة كركوك الى الكرد وتمد كل خصومهم بالدعمين السياسي والمالي لكي يثبتوا على مواقفهم المعادية لطموحات وحقوق الكرد في كل مكان.

الكرد قلقون من جعل المعارضة السورية تركيا محجا دائما لها. الكرد قلقون من تركيبة “المجلس الوطني السوري” ومن نفوذ رجالات تركيا فيه. الكرد يتساءلون لماذا اختيار (س) من الناس ممثلا عن الكرد وهو المعروف بعداءه الشديد لحزب العمال الكردستاني وتضحيات الآلآف من كوادره؟. الكرد قلقون من وجود قائد وبعض ضباط “الجيش السوري الحر” في تركيا والمدائح اليومية التي يكيلونها لرجب طيب اردوغان وحزبه؟. الكرد قلقون من وجود مخطط تركي، تعمل على تنفيذه المعارضة العربية المسلحة، يقوم على اقامة “منطقة عازلة” في مدنهم وقراهم الشمالية، لتخريب نواة أي ادارة ذاتية مرتبقة، ولكي تكون مرتعا للاستخبارات التركية ونشاطها.

على “المجلس الوطني السوري” ان يقدم تفسيرا لكل ذلك للشعب الكردي.

نحن هنا نتكلم في السياسة ولانبيع شعارات، ومن يجد، في نفسه المسؤولية التاريخية والاخلاقية في تمثيل الشعب الكردي في سوريا عليه ان يكون خصما ومفاوضا عنيدا ويرفض كل شيء قد يقوّي من موقف الجهات التي تعارض حقوق شعبه وترتهن لأعداءه وتتلكئ من الآن في الاعتراف بحقوقه وتكتفي بالوعود الضبابية وبالطبطبة على الظهر!.

من المؤكد بان المعارضة العربية السورية لن تقبل بأي اتصال مع اسرائيل أو أي جهة قريبة منها، وهذا من حقها ونحن ندعمها وندعم كل حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن على هذه المعارضة ان تعلم ايضا بان الكرد لن يقبلوا بالارتهان لتركيا ومحاولة استيراد نموذجها الارهابي الذي يقتل الشعب الكردي لتطبيقه في سوريا دون أدنى مراعاة لمصالح وحساسية الشركاء في الوطن السوري.

نخاف أن تكون المعارضة السورية وبعض أجنحة “المجلس الوطني السوري” قد قطعت وعودا للدولة التركية باقصاء الكرد والتضييق “الديمقراطي” عليهم ( مثلما تفعل حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا) وتعهدت بأشياء كثيرة من خلف ظهور “ممثلي” الشعب الكردي. إذا لم يكن هذا الكلام صحيحا فلنسمع نفيا خطيّا من هذا المجلس واعلانا منه برفض معاهدة “أضنة” المعادية للشعب الكردي واعتبارها لاغية في سوريا الجديدة؟.

***

تصريحات علي صدر الدين البيانوني المراقب السابق لتنظيم الاخوان المسلمين لبرنامج ” نقطة نظام” في قناة “العربية”، والتي وسم فيها حزب العمال الكردستاني بالارهاب خير دليل على ما نقول. البيانوني أظهر حقيقة نوايا تياره وتخلى قليلا عن “التقيّة” في اخلاصه لحزب العدالة والتنمية، واصفا احد اكبر احزاب الامة الكردية بالارهاب، وهو حدث جلل وكبير، كأن يصف احد المعارضين الكرد السوريين حركة “حماس” الاسلامية الفلسطينية بالارهاب. البيانوني باع الكرد مقابل ولاءه لعقيدته الاخوانية المؤيدة للحزب الاسلامي التركي الحاكم، ولم تشفع لديه لاتضحية الشيخ معشوق الخزنوي( الذي جاء البيانوني لزيارته في بروكسل مرة ووقف في حضرته وهو يسمع شرحا طويلا عن حقوق الكرد ومطاليبهم) ولا تضحية الشهيد مشعل التمو الذي لم تجف دماءه الطاهرة بعد وهو الذي سقط انتصارا لمواطنين سوريين ( اكثريتهم الساحقة عرب وسنّة)، كما لم تشفع لديه كل الشخصيات التي “رصفّت” نفسها وراء المجالس التي دعى اليها ورعاها تنظيم البيانوني في تركيا.

***

هذه علامة أولية لاندحار الخطاب الكردي الساذج، المندفع، الغارق في المغامرة، والذي يضع كل البيض الكردي في سلة أناس ينفذون اجندة خارجية ولاعلاقة لهم بالوطن أو المواطنة السورية. البيانوني وحزبه الشمولي سوف يبيعون الكرد السوريين في أول بازار تركي. هم الآن في المعارضة ويجاهرون بكل هذا، فكيف اذما احكموا القرار في دمشق، او حتى شاركوا في صنعه غدا؟.

***

نطالب المعارضة العربية السورية ب”بيان حالة” والكشف عن سجلها السلوكي أمام الجميع، ونحن سمعنا عن أشياء كثيرة جرت في الخفاء ووراء الكواليس. لكننا نعود ونعلن بان الكرد في سوريا ليسوا ضعفاء، وصحيح انهم بضع ملايين وهناك “اقتدار عددي” في موازاتهم، ولكنهم يسندون ظهرهم لأمة كبيرة في الشرق الاوسط، وهي أمة مقاتلة ومناضلة قادرة على الدفاع عنهم واحراق كل الأيادي التي تفكر في أن تمد اليهم بالسوء.

***

كردياً: الواجب الاسراع في عقد المؤتمر الوطني الكردي. يجب الوصول الى ورقة مبادئ، على قاعدة حماية مصالح ومصير الشعب الكردي، بين الأحزاب والتنسيقيات الشبابية الوطنية. ولنجعل من تضحية الشهيد مشعل التمو انطلاقا لمثل هذا الاتفاق المصيري. ولنعلم علم اليقين بان في السياسة لاقيمة للوعود بل للقوة. لذلك لنسند ظهرنا لجبال زاغروس وقنديل وأطرافنا في أربيل والسليمانية ودياربكر، ولنشغل كل حواسنا لرصد أي محاولة غدر…

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى