صفحات سوريةفاضل الخطيب

لماذا يجب قتل السوريين للسوريين؟ ولماذا يحاول بعضنا خلط الحابل بالنابل؟..

    فاضل الخطيب

    صار الكيماوي السوري، عند “خواجات الغرب” مثل “القتل الرحيم”، بعضهم يوافق عليه، لكن لا يعلن ذلك صراحة.. ومازال تأكيد رامي مخلوف ساري المفعول، بل يتأكد كل يوم “أمن إسرائيل، من أمن سوريا”، ولم يبق للكثيرين منا خيار، إلا البحث عن الأقل سوءاً، ولا أسوأ من أن يبقى النظام وعائلته..

    كان خطابه في الأوبرا فارغاً، مثل غالبية خطابات ووعود غالبية سياسيي العالم، وحتى مثل بعض خطابات بعض المعارضة. والخطاب الحقيقي، هو الذي تتكلم به غالبية كتائب الجيش الحر، فقط يحتاج إلى ترجمة سياسية..

    سلوك المعارضة، وبغالبية مكوناتها السياسية والعسكرية، هي التي يجب أن تحدد خطاب الأسد وموقف العالم، وسلوك المعارضة السياسية والعسكرية هو الذي يجب أن يحدد درجة تأقلم العالم مع سوريا وثورتها وليس العكس، ويجب ألا ننسى أنه لا يكون غالباً التمويل الخارجي لوجه الله، بل للتأثير على القرار، لكنه إن تقاطعت مصلحة الثورة مع مصالح بعض الدول، فمن الواجب التعاطي معها من مصلحة الثورة والوطن..

    ردد كثير من العلمانيين شعارات دينية في الثورة السورية، ولم تنفعهم مع الكثير من المتشددين.. أعتقد أنه لا حاجة لتمسيح الجوخ ولا للتجامل الإيديولوجي، تجمعنا أولويات الصراع مع النظام، وبعدها كل إلى فريقه، وفي صراعنا ضد الطاغية والطغيان، يُجبروننا أحياناً على “تفهم” سلوكيات لا تليق بسوريا الغد، لا تليق بالحرية المنشودة والمواطنة الواعية..

    ماذا يعني عندما يقول أحدهم أن الطائفة السنية مثلاً كانت مضطهدة، وأن الطائفة العلوية هي التي كانت تضطهد؟ هل قام الأسد ونظامه بأي فعل ديني طائفي ضد ممارسة الطائفة السنية شعائرها، أو سحبها منها وقدّمها للطائفة العلوية؟ وهل صار النبي محمد مضطهداً في عهد الحقبة الأسدية، وصار علي بن أبي طالب منتصراً؟ لو كانت عائلة الأسد تنحدر من الطائفة السنية، وتمارس نفس السياسة التي مارستها حتى الآن، هل تصبح الطائفة السنية طاغية وفاسدة وكافرة وفاجرة؟ وهل عائلة القذافي وعائلة مبارك وعلي عبد الله صالح من طوائف طاغية وفاسدة ومجرمة وفاجرة؟ وهل جرائم عائلة الأسد وفجورها وفسادها وكفرها بدأت قبل سنة ونصف؟ ولماذا كان غالبية “علماء” المسلمين في العالم يدعمون حكمها؟ وهل روسيا /وهي أكبر دولة داعمة له، هي عدوة للسنة وصديقة للعلوية؟ وهل إسرائيل التي تربطها علاقات واتفاقيات صداقة وسلام مع نظام الأخوان في مصر ونظام الأردن هي حليفة للطائفة السنية وصديقة لها؟ أعتقد أن وجود نسبة كبيرة من ضباط الجيش من العلويين لا يجوز أن يكون صك إدانة هنا، ورسالة اضطهاد هناك.. لو كان الأسد تهمّه انتماءاته المذهبية، لما صار مسلماً سنياً يسبق المفتي في المشاركة في ممارسة الشعائر الدينية، بل هو منافق ولا يهمه علي بن ابي طالب أكثر من عثمان بن عفان أو شريف شحاذه، كلهم /وأكرر كلهم بما فيه الإله الأكبر مجرد وسائل ومسامير و”غِراء” لتثبيت كرسي حكمه..

    غداً سيأتي رئيساً سنياً وغالبية في البرلمان، وماذا يمكن توقعه من مكاسب طائفية/دينية؟ هل ستتوسع حصة سوريا في الجنة؟ وإذا صار غالبية ضباط الجيش من السنة /90% مثلاً كما هو الحال في مصر، هل تكون قد نضجت اتفاقية سلام وصداقة مع إسرائيل؟ لا تظلموا طوائفكم وآلهاتكم والمساكين من مؤمنيكم بسطحيات وقشور لم يستخدمها إلا أصحاب الأغراض السياسية، ولا تشتتوا الصراع الذي يجب أن يتوحّد ضد عائلة الأسد ونظامها..

    محاولة تصحيح المسار وقت المسير، أسهل من محاولة التصحيح بعد الوصول، وأعتقد أن محاولة الحفاظ على نقاء الثورة، يجب أن تكون عملية مستمرة، والصمت على انحرافات الثوار، هو صمت على انحراف الثورة، ومحاولة توسيع الصدر لاستيعاب الأخطاء، هو تضييق الصدر على الثورة، إنه رومانسية الانسياب مع الجدول. وأن التأكيد على الأولويات، لا يجوز أن يلهينا عن الانتباه للأعراض الجانبية، والحرص على الثورة، هو حرص على ثوريتها وعلى الانعتاق من كل أشكال الإقصاء، وانتقاد الأخطاء في الثورة، ليس ابتعاداً عنها، بل تجاهل تلك الأخطاء، هو الطعن بها..

    أشعر أحياناً بسخف وسذاجة بعض “المثقفين” الذين يطلبون ضمانات من الأكثرية للأقليات، لأنهم قاصرين على رؤية شمولية للحراك العام في المنطقة والذي يرتبط ببعضه، وبكلام آخر، الإسلاميون الذين وصلوا السلطة بشكل ديمقراطي في دول الربيع العربي ضربوا عرض الحائط وعرض الشعب وطوله بأكثر وعودهم قبل انتخابهم، وبعض تلك الوعود كانت وثائق مكتوبة لهم، أي أن احتمال أن ينقض أخوان سوريا، أكثر كلامهم الظريف وارداً، ووارد أيضاً أن يكونوا أكثر ذكاءً ويستفيدوا من تجربة الاهتلاك السريع جداً لإخوانهم الذين وصلوا السلطة في دول أخرى/مع كل تجاوزنا للإشارة إلى بعض أخلاقياتهم وتسلقهم وتجاوزاتهم/.. ما أريد قوله بوضوح أكثر، هو أنه لو أعطى الأخوان وأقربائهم من “البعبع” ضمانات مكتوبة، وكما يريدها “محاميي” الأقليات الفاشلين /والتي لم يصِغها واحدٌ منهم لتعرف الأكثرية ماذا يريدون مذهبياً، وحتى يتعرف المتهكمون الساخرون من تلك الضمانات الطفولية/، أقول ما هي الضمانات بعدم النكث بتلك الضمانات، ويمكن يجي واحد ملثم باسم جبهة النصرة أو السخرة ويقول “غوّلو”!..

    المهيأ طائفياً تبرز طائفيته عندما يرى أي فيديو أو خبر يقوّي هاجسه الطائفي، ويستخدمه مهما كانت الشكوك حول مصداقية أي شريط والهدف من تصويره أو فبركته، ومن عنده مناعة ثابتة لا تتزحزح، فإنه يرفض أي فيديو أو خبر يمسّ تلك القناعة المصبوبة بالبيتون، إن التحرر من الثوابت، هو أحد أشكال الحرية في التفكير خارج الحدود..

    الموقف الصحيح لمن خائف على إلهه أن يتلوث “سموكينكه” من غبار الطريق المذهبي، يكون بملاقاتهم في منتصف الطريق برأيي، وإثبات الوجود لمن يخشى “فقاعة مذهبيته” أن يقترب منها دبوس لفة وينخشها، أن يكون هؤلاء المحامين مع “موكليهم” قبل أن “يصل الموس الافتراضي للحية”، والضمانة الوحيدة، هي الموقف الشجاع الأخلاقي، وليس الاستجداء المهين، وأعتقد أن كل الطوائف ستخضع للتشريح المذهبي، وستفقد آلهات الجميع عذريتها وقدسية أفكارها، لأنها صارت مادة تحريض سياسية، وسيصبح اللغط قريب من كل الأديان، وتصبح الأقلية والأكثرية سياسية، أي من هو اليوم أقلية، قد يصبح بعد سنوات قليلة أكثرية /وبدون لحمسة المشايخ..

    هناك فرق بين من يعمل من أجل وطن حر ديمقراطي، وبين من يعمل من أجل منافعه الشخصية في الجنة /وإن كان الاثنان في موقع واحد ضد النظام..

    “لم ننسَ الأندلس، حتماً سنعود” /لافتة في ساحة مصرية، بس يحصل على فيزا بالأول وبعدين يروح على الأندلس. الهروب من حل مشاكل مصر إلى حل مشاكل الأندلس. يريدون الأندلس الأوربية، وينسون عاصمة الأندلس الأولى، دمشق /”لولا دمشق ما كانت طليطلة، ولا ازدهت ببني العباس بغدان”. بعض الأفيون ينتقل في جينات الهروب، الهروب إلى الله لا يجوز أن يكون بديلاً لحلّ المشاكل المطلوبة منا وليس من الله، إسلاميو مصر لا يغازلون إسرائيل من تحت الطاولة، بل على الملأ، وما إثارة موضوع اليهود المصريين وعودتهم والتعويض على خسائرهم إلا بطاقة للحصول على صمغ لكرسي الحكم، وفي هذا تقمص للبعثية الأسدية، ولكن بدون حجاب ولا نقاب. ما يحتاجه السيد مرسي ومرشده هو “نتشة” من تفاحة آدم للمعرفة وليس تعريف الشعب المصري بإلهه الذي يعرفه بدون إرشاد..

    لماذا يُصرّ بعض المتطرفين الإسلاميين على اعتبار أن الصراع في المنطقة هو بين المشروع الشيعي والسني؟ أي أن جذور المشكلة تعود إلى 14 قرناً، أليس من المفيد أن يُقدم العقلاء دعوة إلى محكمة قضائية دولية للبت بالموضوع طالما أن الحرب والدم واللطم والتخوين المتبادل لم ولن يعطي حلّا؟..

    الحقبة القادمة، هي حقبة شعوب المنطقة العربية.. يمكن ظهور كيسينجر/ات لإدارة تلك الأزمات، لكن حلّها لن يكون إلا بتغيير جذري وجدّي يلامس كل مناحي الحياة الاقتصادية والروحية /والدينية طبعاً.. تأخرت روزنامة هذه المنطقة، لكن صفحة جديدة بدأت، ولا يمكن إقفالها.. قد يستطيعون جعلكتها، خربشة بعض جميلها وجمالها، لكن القطار انطلق، ومهما حاولوا تأخيره، سيصل إلى تخوم الأفق الإنساني الحر..

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى