صفحات سوريةفلورنس غزلان

لماذا يدفع الشعب السوري اليوم ، ضريبة رعب الأنظمة العربية من الثورات؟

 


فلورنس غزلان

صمت مطبق من حولنا، سكوت دون لوم أو تجريم ، فمن يقتل ويذبح ويمثل فيه ..بأطفاله وشبابه..هم سوريون..تغمض العيون وتنام ملء جفونها طالما أن المصيبة خارج حدود الساحة المرتجفة رعباً من اشتعال هشيمها السياسي ووصول شرارة الانتفاضات إليه…لهذا يتحتم اللاضمير العربي الصمت المطبق..ويتحتم الموقف المتخاذل السكوت عن الدم المراق..لأن لونه سوري…إراقته تقع خارج الحدود..الخوف يصبح حقيقة حين يقترب من ديارأمة العربان المهترئة سياسياً والمنخورة من جنباتها ومن داخلها والنائمة على عجز مفرط ..يحوله الخوف لبروباغاندا تُصرف عليها الأموال الطائلة، وتستقدم من أجلها كل الطرق وتصبح الوسائل المحرمة مسموحة طالما أنها تفيد البقاء والحفاظ على استمرار السلالات العائلية في الحكم..يصل الأمر ببعضها إلى استقدام أعداد هائلة من المرتزقة” بلاك ووتر” للتدريب والحماية ..حماية ماذا؟ ..حماية إمارات رخوة ..حماية أسر حاكمة تنام على الذهب الأسود، وتستقدم عبيداً فقراء من دول العالم الثالث لتقوم بخدمة أولياء النعمة ، وخدمة الأعداد القليلة من سكان هذه الإمارة أوتلك المملكة، دون أن يرف لهم جفن ..بأن هؤلاء بشر مثلهم لهم حقوق وتحميهم قوانين دولية يمكنها ذات يوم أن تسحب بساط المواطنة منهم..لأن ماقدمه هؤلاء من خدمات وما عاشوه من سنين في وطن المهجر يخولهم أن يصبحوا مواطنين…بعض الأصوات الوطنية الحريصة ربما على التركيبة السكانية وعلى ثروات البلاد ..نبهت للمخاطر القادمة..لكنها بقيت أصواتاً تذهب أدراج الريح ، طالما أن القوانين المحلية أكثر صرامة ويعتقدون أنها تشكل حارساً أمينا يحميهم!!..ولم يرتفع مستوى وعيهم لدرجة أن يُعَرِّبوا الأعمال والوظائف…فمعظم القائمين على إدارة البلاد لايثقون بمن يماثلوهم بالعرق من بني جلدتهم ويخشونهم أكثر مما يخشون القادم من القارة الهندية ــ على سبيل المثال ــ..وعندما بدأت ريح الثورات العربية تأكل بطريقها الحدود وتجتاز المعابر..سارعت السلطات المحمية من القوى العظمى…لتعيد حساباتها مستمرة بالخطأ وموغلة بفهمه على أساس الحلول العنفية على طريقة ” أبو شفرة” ، تناور هنا وهناك وتساوم مع القوى الكبرى على بقائها وعلى بقاء الاستبداد في دول شقيقة أخرى..لأن أي انهيار ” لاستقرار تلك الأنظمة ” هو انهيار لاستقرار من يحمي مصالح تلك الدول وأسواقها في المنطقة وما تجنيه من أرباح في علاقات الحماية، التي تؤمنها لبقاء الأسر الحاكمة لدويلات صغيرة..تثق بالغريب وبالاستقرار وإن جاء على حساب شعوب تثور وتسعى للحرية..وأشبه مثال هو مايدفعه اليوم المواطن السوري وانتفاضته من دماء حارة وزكية…شابة حالمة بمستقبل يضمن له ولأبنائه حياة كريمة يصونها..قانون يختاره الشعب ويساوي بين مواطنيه ..دون أن تحكمه أسرة حولت البلاد السورية ذات التاريخ العريق في تمردها على الظلم والطغيان…إلى إمارة أسرية أو مملكة ” أسدية” تريد ان تنسب الوطن للأسرة الحاكمة وتحوله لمزرعة تخص عائلة لاعراقة لها في نسب ولا خصوصية لها في حسب، ولا اختيار شعبي وطني وقع عليها كحاكمة له بفعل الإنتخاب الديمقراطي الحر، ــ باعتبارها تاريخياً اختارت أن تكون جمهورية لا ملكية.

اليوم يصمت الجميع أمام المذبحة ، التي تقوم بها عائلة الأسد الحاكمة وأجهزته الأمنية المتنفذة المسيطرة منذ عقود أربع ونيف، اليوم يساوم الجميع على الدم السوري…فنجاح الانتفاضة بعرفهم يعني عدوىً ثورية يمكنها أن تنتشر وتعم..لهذا يهرع الجميع نحو طلب الأمن والأمان..من شركات تحرسهم وتؤمن لهم حماية سلطاتهم..كما فعل ولي العهد في دولة الإمارات حين استعان ب ” بلاك ووتر”، رغم كل ماتحمله هذه الشركة من إرث أسود في العراق وفي أفغانسان..وفي افريقيا..الخ..ممن تخشى دولة الإمارات؟ أما كان من الأجدى أن يلتفت ولي العهد إلى بعض المطالب الوطنية بحريات أكبر ومساحات حركة أكثر تجعل المواطن يشعر بالأمان والدعة والفضاء الرحب إلى جانب شعوره بالاكتفاء الاقتصادي؟!..وأن يضع نصب عينيه بأنه” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”..، أن يفتح المجال لشقيقه العربي ..لأنه لايحتاج في أي يوم كان لمواطنة خليجية…فوجوده في الإمارات مؤقت فقط..وعودته لوطنه مؤكدة ..لأنه خرج كي يساهم بعمله في بناء بلد عربي، وبنفس الوقت في بناء وطنه فيما بعد حين يوظف مكسبه لخير بلده، ألا يعتقد المسؤولون بدول الإمارات أن أسلوب الدعاية والهمروجات الفاضحة والصاخبة المنسوخة عن تحشيد الصور والإكثار منها والأغاني والأهازيج والأشعار والأناشيد ، التي تشيد بزعماء الأسر وشيوخها، لو سخرت لتضييق الهوة بين من فاق غناهم المسطرة الحسابية وبين مواطنين من أبناء البلد محروم بعضهم من الجنسية أو ينظر إليهم كمواطنين من درجة ثانية أفضل بمليون مرة من هذا الضجيج الإعلامي وإغراق رقعة البلاد الصغيرة بالدعاية والدعاء لسيد البلاد؟ وأن خطى حافظ الأسد وصدام حسين وتجييشهم وتحشيدهم للمؤيدين لم يؤتي أكله ولم يلق آذاناً صاغية لدى شعوبهم وإنما انقلب عليهم وتحول إلى كوابيس يريد منها النظام السوري فكاكاً ويبحث عن عفواً فلم ولن يجده، كما لم يجده شقيقه اللدود صدام في محنته!!.. أما كان أجدر بأن يفتح الباب أمام عقول وطنية تدرس الأوضاع بجدية وتخرج بقوانين توطن وتعرب الدوائر الهامة..قبل أن تأمركها أو تبرطنها؟! ــ نسبة لأمريكا وبريطانيا ــ ..ولماذا الآن؟..هل يخشى من الوجود السوري في دولته؟.وهو العالم يقيناً أنه الأكثر أماناً على مصلحة بلده لو سَلُمت النية وصفيت الإرادة وتعمقت الثقة بأشقائه العرب العاملين فوق أرضه.

..ولماذا تصمت جامعة الدول العربية مع أن رئيسها الجديد هو ابن الثورة المصرية شقيقة الثورة السورية؟..لماذا يهرع مجلس التعاون الخليجي لانقاذ مجرم وسفاح كعلي عبدالله صالح ويغض النظر عما تقترفه أيدي بشار الأسد…هل يعتقد أن بإمكانه خداع الشعب السوري؟ ، فذاكرتنا أقوى وحصافتنا أكبر من أن يستطيع المجلس استغفالها…فحين زار وزير خارجية الأسد ” السيد المعلم” دول الخليج وأصدر تصريحه الصحفي بأن ” سورية تؤيد الموقف السعودي والخليجي وتدعم إرسالها لقوات تحفظ الأمن في البحرين بناء على اتفاقية دفاع مشترك”!! ــ لسان المعلم وسيده يقول: دعونا نفعل مانشاء بشعبنا ونترككم تفعلون ماتشاؤون بالبحرين…بل نضمن أن يكون موقف طهران من الحراك البحريني محدوداً ــ وهذا فعلا ماحصل على الأرض!..لايقتصر الأمر على موقف الأنظمة العربية بل يصل إلى روسيا والصين ..الخائفتين من انتفاضة الشعب السوري…فيتنحى السيد ” ميدفيديف” جانباً بسيد البيت الأبيض ” أوباما”في لقاء الثمانية الكبار المنعقد في مدينة دوفيل الفرنسية ويقايضه على حياة بشار الأسد مقابل أن يطلق دون تعطيل يد ” الناتو” في ليبيا وتتخلى بالمقابل روسيا عن مصير القذافي!

هل تحبنا كل هذه الدول وتحرص على استقرار بلدنا وأمنه..مع أنها تصمت عما يفعله بشار الأسد بشعبه..ولايعتبر سيد الكريملين أن أعمال العنف الوحشي والقتل المتعمد للأطفال والنساء والحصار للمدن والحرب المعلنة على الشعب السوري…” لاتشكل خطراً على الأمن الدولي”..؟! كيف يمكن لموت الإنسان السوري أن يشكل خطراً على أمن الانسان ككل بعرف سيد الكريملين؟!، وقد صدر أكثر من تصريح يشير أن لروسيا مصالح وديون عند النظام السوري باعتبارها الممول الأول له بالسلاح..وهي العالمة أن هذا السلاح لايستخدم من أجل تحرير الجولان ولا من أجل مقاومة إسرائيل، وإنما من أجل ” حماية استقرار حدود إسرائيل وأمنها…لأن أمن إسرائيل من أمن النظام السوري واستقراره ” ــ ألم يصرح بهذا الناطق باسم العائلة الحاكمة في سوريا وبنكها المركزي المتحرك( السيد رامي مخلوف)؟..وأما وزيرة خارجية الصين فلا تخجل للحظة وهي تتشدق ” بحق النظام السوري في ردع التظاهرات باعتبارها تخل بأمن البلاد واستقرارها”!ــ هنا يجب أن نذكرها بأنها تمارس الانسجام التام مع سياسة نظامها المتماثلة بسياسة بشار الأسد في مستوى العنف والقمع..والتصدي لكل حراك شعبي يجنح للحرية …فلم ننس بعد جرائم نظام بلدها ضد أبناء شعبه في ساحة “تيان مين”!

أريد فقط أن أنبه وأحذر الدول العربية وجامعتها الصامتة والنائمة حيال مايعيشه المواطن السوري ومايعانيه من تنكيل وحرب ضده من نظام لم يعد بعرف كل قوانين العالم وأعرافه إلا نظاماً غير شرعي..نظاماً يرتكب كل يوم مذابح جماعية وجرائم ضد الإنسانية، فمن يقتل الأطفال والنساء العزل ، من يقتل المتظاهرين السلميين ويدعي أنهم ” سلفيين” يريد بهذا إرسال إشاراته غير المجدية للعالم الغربي ، الذي يضيق الحصار عليه نتيجة لضغوط المنظمات الإنسانية والحقوقية العالمية ومالديها من وثائق تثبت وتدين الأعمال الإجرامية لنظام الأسد.، .بأنه يحارب عصابات سلفية!، ..وبقاءه أكثر ضماناً وحفظاً لمصالحها ومصلحة إسرائيل في المنطقة، كما يريد أن يقنع الداخل بما يقوم به من دعاية هي الأكثر قذارة وتخلفاً وكذباً ونفاقاً في عالم الإعلام والتجييش ومحاولات التطييف ، التي يريد أن يزج البلاد بها، ويثبت وعي المواطن وشباب الانتفاضة يوماً بعد يوم خيبة النظام وأدواته الأمنية والإعلامية في إقناع المواطن السوري بأنه يحارب طواحين الهواء السلفية، محاولاً في الوقت نفسه تسويق وتبرير هذا الذبح وآلته الوحشية…لكن امتداد رقعة الإنتفاضة أفقياً على جغرافية الوطن وشاقولياً من حيث النوعية والمستوى الطبقي..حيث بدأت تتململ الطبقة الوسطى والتجار وأصحاب الأموال..بعد أن ساهمت الأوضاع بتردي الاقتصاد وتدهور مصالحها المرتبطة بالنظام، وكلما مر الوقت فقدت وسائل ارتباطها به..واضطرت إلى سلوك الطريق الآمن مستقبلا لها مع الشعب ومصلحتها مع مصلحته أي مع الانتفاضة ــ فعلى سبيل المثال حين يطالعنا السيد بوق النظام ” الطالب إبراهيم” مدافعاً منافحاً منزلقاً بلسانه ” أن رامي مخلوف و70 من رجال المال والأعمال الدمشقيين” قد وضعوا كل أموالهم بخدمة البنك المركزي السوري”.نسأله ماذا حل بالبنك المركزي؟ هل أثبت عجزاً؟ ..نعم فالكثير من الوظائف والشركات الخاصة لم تدفع أجور العاملين لديها وبدأت تسرح وتغلق الكثير من أعمالها..أي أن انهيار النظام قادم لامحالة ليس فقط على وقع ضربات الانتفاضة الشعبية السلمية، وإنما اقتصادياً ومالياً وأنه كلما طال ضغطه وحلوله الأمنية معتقداً أن ” الأزمة انتهت أو صارت وراءه ” ــ حسب أقواله ــ كلما كبرت هوة سقوطه وانهياره، فالحرية قادمة مهما كلفنا الثمن وكلنا ثقة بأننا سنجنيها.

ــ باريس 3/6/2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى