صفحات مميزةعزيز تبسي

لن نتفهم الببغاءات والببغائية!!: عزيز تبسي

عزيز تبسي
تبدأ التجربة، بعد استدعاء الببغاءات لإنجاز مهمات غير مهيئين لها، في تكرار ضمني لتجربة الثلاثي الملك –الفلاح-الحمار، لكن في فرق مؤكد، أن النتيجة هنا ستظهر ولن تتأخر كثيراً حتى يتوفى أحد الثلاثة، إيذاناً بتوقف المراهنة وبطلانها.

يكتشف في مدى زمني قريب، أن الريش الملون الجميل والعيون الواسعة القلقة والرأس المتحير المزهو بنفسه، لا تفيد في إنجاح هذه المهمة، وأن الببغاء بعد التعب الطويل الشاق لا يتكلم على الإطلاق، إنه يردد إلى الأبد بلا زيادة أو نقصان بصوته الأجش وبحروف مطحونة، وبلسان ثقيل كأنه حرق بمادة حمضية، الكلمات ذاتها التي كان قد لقنه إياها معلمه الصبور المزهو بإنجازه التلقيني.

-1-

أمل الكثير وفق مزاج هندسي رائق، أن تكون الصراعات السياسية كالمباريات الرياضية، للفريقين هويتان مميزتان، يشعر بهما كل المتابعين بقلق نتائج الواقعة :لون الملابس، حيازة قسم من جغرافية الصراع، التفاهم الإنسجامي بين أعضاء الفريق الواحد، والسعي الدؤوب لتحقيق النجاح الجماعي، واستيعاب لأهمية المهارات الفردية وقدرتها وشجاعتها.

لكن في الصراعات السياسية تداخل كبير، في الطرفين من المتشابهات، قبل جلاء المشهد النهائي ووضوحه: يثقله ثوار حقيقيون مأخوذين بشفاعة الأمل التاريخي العظيم، ويرفدهم لصوص وشحاذون وقناصو فرص، يمينيون ويساريون، جمهوريون وملكيون وإماراتيون(نسبة للإمارة الإسلامية) قحبات و قوادون وراقصات وتجار شنطة، مثقفون يكتبون بدمائهم وآخرين ببول الطغاة ومن يقوم مقامهم، رجالات النظام المتسربلين في ثياب ثورية، عملاء لمخابرات السلطة ولمخابرات دولية وتجار أسلحة….يدلف هؤلاء جميعاً إلى المشهد الثوري العام ،لا لاهتمام بالتغيير ودوافعه، أو لتثبيت ما هو قائم إلى الأبد، بل لأن البوابة في الثورات العمومية مفتوحة على مصراعيها.

رغم ذلك ،يحلم الناس برجال سياسة على هيئة نجوم الكرة، يركضون نحوهم، بعد تحقيق هدف لتحيتهم وإرضائهم، والناس المتفاعلون وسواهم من الثابتين على كراسيهم خارج الملعب لن يبخلوا عليهم بالتصفيق والهتافات المشجعة الحارة، ورميهم بالورود وإشعال السماء فوقهم بالنجوم والشهب، ومباركتهم بالموسيقى والغناء. لكن هؤلاء اللاعبون السياسيون لا يحققون أهدافاً على الإطلاق ولا يركضون لتحيتهم كذلك، يكتفون بالكلام الثقيل البليد المغلف باخضرارات العفن ورائحته، الناتج بعمومه عن عدم جودة أطقم الأسنان التي يستعملونها بدلاً عن أسنانهم التالفة، ويأملون برطانة تلك الأحاديث المتواصلة، الحفاظ على ثبات موقعها فوق فكاكهم أكثر من ثبات أقوالهم المتلجلجة، ترافقها سلسلة من أمراض الشرايين والشحوم الثلاثية، والتوترات المتشنجة لمرضى السكري، وبعض الأمراض النفسية الخاصة بالعبيد المزمنين، من اللذين واللواتي يتسرعون بتسمية عملية استبدال مالك العبيد القديم بالمالك الجديد إسم: التحرر.

والهامشيون من الشعب المريض بالأيديولوجية التي تسوغ التحكم القدري بالتاريخ، لن يتأخروا عن طرح السؤال، واضعين أنفسهم خارجه في آن، على سبيل الرفعة الأخلاقية، والنأي عن الممارسات التي تحدث في كل الثورات الدنيوية، رغماً عن قناعة الثوار وإرادتهم، ويقظتهم التي تبقي عيونهم مفتوحة كالأسماك. لماذا تحرك هؤلاء؟ هناك من حرّكهم ،أليس كذلك؟ ترى من أقامهم ولم يقعدهم؟

إذاً، ليست كل الأسئلة الإستفسارية سوداء في الليل، كما هي بقرات هيغل، بل الطغمة العسكرية وشبيحتها وبعض معارضوها كذلك.

-2-

لا يهم في سياق سرد الوقائع، ضرورة التأكيد على ذاك التدقيق الفيزيائي، كأن نقول مثلاً: حملته ساقاه، أو حمل ساقيه، نحاول في حمأة الوقائع وكثرتها، تعقب النتيجة، هل وصل أم قتلوه في الطريق….؟ لم يصل بعد؟!!

-ولن يصل إذاً، لأن المسافة بين هاتين المدينتين لا تحتاج شهراً من المشي المثابر لشاب في مقتبل العمر !!لنفترض من أجل إيجاد نهاية للواقعة، أنه ضل الطريق، أو قتل فيه، أو أكلته الضواري…..

-أما تزال الضواري، على عادتها اللئيمة، تتربص بالأجساد الحية والميتة لتأكلها؟

-وتأكل بعضها كذلك، لكن ينبغي غسيل الكفين وذكر نعمة الله قبل الطعام وبعده.

-3-

فلننتظر ما يأتي به الصندوق!!

ليس صندوق الفرجة وهو صندوق الدنيا في رواية أخرى، أو الصندوق الأسود، أو الصندوق الذي ينفجر فور الشروع بفتحه، أو صندوق العرس: صندوق الإقتراع.

المصير الشعبي مرتبط إذاً بالنتائج التي سيقدمها. نتائج جلية واضحة، أرقام مسبوكة، أساسها العميق عدد السكان الذين إستدعوا بنداءات تلفزيونية تذكرهم أنهم يتمتعون بهذا الحق السياسي المركون منذ زمن قرب سلة النفايات ،ووعظهم بضرورة التعبير عن خياراتهم، ومنعكسها الأولي رفع ممثليهم السلطة التشريعية، المنفصلة عن السلطتين الأخريتين: القضائية والتنفيذية. والدستور هو من سيقوم بالفصل بينهما وتوضيح حدودهما وسماتهما.

ليس هذا وقت السؤال عما أدخل هذه الكذبة الأيديولوجية الحمقاء، وهذا التقسيم الهندسي، في رؤوس الطليعة المخمورة، والصحافيين والرياضيين والموسيقيين……

نلمس في هذا التقسيم، ضرورات قديمة، تعكس أهمية الحد من عدوانية السلطة التنفيذية وحربيتها، لينتج أن تقسيم السلطات في هذه الحالة تعبير عن ضرورة لجم التوسع في عدوانية السلطة التنفيذية، وهي بالمناسبة عادة إستبدادية قديمة جداً، على سلطتين تحولتا بتأثيرها إلى سلطتين مكسورتين تابعتين، فائضتين عن حاجات الطغم العسكرية والإستبداد الآسيوي الذي سبقهم. في هذا الشرط الخاص ،يمكن تفهم ضرورة الفصل، كتعبير عن ضرورة وقف الإجتياح وردعه ومراقبته. أما عن تحولها إلى مقولة عامة، أشبه بقاعدة قانونية…تتوخى فهم السلطة بعد تمديدها على طاولة التشريح، قد يحتاج لملاحظات، بكون السلطة السياسية هي سلطة واحدة لا تحتمل القسمة على ثلاثة أو التجزئة، بها يبدأ حكم الطبقة المسيطرة وبها ينتهي، وما تلك السلطات المزعومة سوى وظائف فرعية لها. تستطيع السلطة الإستمرار بدونها، من هنا نفهم كيف تستطيع السلطات السياسية الإستبدادية إتخاذ قرار حل البرلمان أو تحويله إلى نمط مستحدث من مسرح العرائس، وإيقاف العمل بالدستور وهو دستورها التي صاغته بروحية التعايش الأبدي بين الأغنام والذئاب، لكنها بالمقابل لا تستطيع الإستمرار ليوم واحد دون سلطة تنفيذية يعلوها الجيش والمخابرات وجبايات الضرائب وعطاءات المصرف المركزي.

حلب كانون الثاني2013.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى