صفحات الناس

لهـذه الأسبـاب يسعـى مسيحيـو سوريـا إلـى الهجـرة

 

فيفـيـان الخـولـي

“كل الحروف الواعية مش نافعة

مع هالأيادي المجرمة والخانعة

بعدن بعمر الورد وبعز الشباب

وقلوب كلا بالمحبة وادعة

صاروا بعبوة كفر دمن عالتراب

محردة الحزينة عيون قلبا دامعة

مزَّق الشر الخير وانشق الكتاب

نار الجهل حرقت طموح الجامعة

كيف حللوها بشرع الله والكتاب

غدر ومكر طبع الثعالب خادعة”

هذه قصيدة لشاعر من بلدة محردة كتبها في رثاء ثلاث نساء ورجل سقطوا قتلى في عملية تفجير لميكروباص في 14 شباط الماضي، عيد الحب، تبنتها “جبهة النصرة”، وقالت إنها تستهدف “الشبيحة”. إنها البلدة ذاتها التي هددها مسلحون معارضون بالعقاب إذا لم تطرد الموالين للنظام.

شأنُهم شأن جميع السوريين، يعاني المسيحيون نتيجة الاقتتال المستفحل في بلادهم منذ أكثر من سنتين، دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لحلّ واقعي يُخرج البلاد من غياهب القتل والدمار والتهجير. وإذا كان العامل العددي وهاجس الأقليات يلعبان دوراً إضافياً في تهديد مصير مسيحيي سوريا، فإن الطابع الديني للصراع يهددّ وجودهم بشكل مصيري، وهو على ما يبدو الاتجاه الذي تنحو إليه الأمور.

رغم اختلاف آرائهم بين مؤيد ومعارض ومحايد، إلا أن ثمة إجماعاً بين المسيحيين على الخطر المحدق بهم في ظل سقوط أعداد متزايدة منهم ضحايا عمليات التفجير والخطف والقتل.

الناشط المسيحي ربيع ملّو، المتابع عن كثب لأوضاع مسيحيي سوريا، أوضح في حديث إلى موقع “NOW” أنّ أكثر من 500 ألف مسيحي نزحوا من سوريا إلى الدول المجاورة، كما إلى بعض الدول الأوروبية.

وأكّد ملّو أنّ المسيحيين الباقين في سوريا “غير مسلّحين” و”يحتمون بالنظام وبالدولة”، وهم “متمسكّون بأرضهم ويؤمنون بالعدالة”. “وإذا كان المسيحيون يملكون تاريخياً قرابة %30 من الأراضي السوريّة”، فإن ما يحصل اليوم أجبرهم على ترك هذه الأراضي والهرب خوفاً ممّا يحصل.

لا ينكر ملّو أن هناك نسبة لا بأس بها من المسيحيين في الجيش النظامي السوري، وقد سقط عدد منهم في ساحات المعارك. كما سقط عدد آخر من المسيحيين المدنيين الذين قُتلوا أثناء تنقّلهم، في حين خُطف آخرون في منطقة جديدة عرطوز وصيدنايا. ووفقاً لهذا الناشط، فإن إجمالي عدد المخطوفين المسيحيين على أيدي من يسميهم “المتطرفين والتكفيريين” خلال السنتين الماضيتين وصل إلى ” 150 مسيحياً تّم قتلهم فيما بعد”.

وعمليات الخطف لا تأتي من فراغ، إذ إن هناك تحريضاً في بعض المواد الإعلامية للمعارضة السورية، وتحديداً “شبكة أموي” الاسلامية التي وصفت المسيحيين بـ”عبّاد الصليب” عند ترويجها لفيديويين عن تظاهرتين في حمص وحي جوبر الدمشقي احتجاجاً على الفيلم المسيء للنبي محمد.

ملّو يشرح وقوف “معظم” المسيحيين السوريين إلى جانب النظام، بخشيتهم من الفوضى القاتلة. فهذا الخيار “لا يعني وقوفهم مع شخص بشار الأسد، بل يعني العدالة والمساواة الإجتماعية والتنظيم الإجتماعي، ومع تطبيق النظام في الدولة بعيداً عن الفوضى والخروج عن القانون”. والنظام الحالي، بحسب هذا الناشط المسيحي، “تنقصه طبعاً الديمقراطية، والجميع يطمح لنيلها لكن ليس بهذه الطريقة الفوضوية الحاصلة اليوم”. فالمسيحيون لطالما  تمثّلوا في الحكومات السورية ومجالس الشعب، وفي مواقع الدولة والجيش منذ الاستقلال.

اليوم يقيم عدد كبير من المسيحيين في وادي النصارى في محافظة حمص حيث الوضع أفضل من المناطق المختلطة حيث تسود الفوضى وتنمو التيارات الاسلامية المتشددة بوتيرة متسارعة. وتنتشر بين المسيحيين قصص الاضطهاد الديني المتزايدة في مناطق ذات غالبية اسلامية.

يروي ملّو أن إحدى النساء المسيحيات استقلت سيارة “تاكسي”، فطلب منها السائق بطريقة محترمة خلع الصليب الذي تضعه حول عنقها. وعندما سـألته عن السبب، أجابها أنّه بالأمس كان في أحد جوامع جرمانا و”قد صدرت فتوى تحلّل اغتصاب النساء وقتل الأطفال والرجال المسيحيين، وسلبهم مالهم”، ثم طلب منها بكل احترام في حال لم تخلع صليبها الخروج من السيارة كي لا يضطر إلى ارتكاب أي خطأ بحقها.

ويعرب ملّو عن أسفه لوصول الوضع إلى هذه المرحلة المزرية بحق الشعب السوري بشكل عام، وبحق المسيحيين بشكل خاص. إلا أنه لم ينكر وجود مسلمين يحافظون على روح التعايش والإنسانية. وشدّد على أنّ الأمل موجود بعودة سوريا كما كانت بل وأفضل، موجّهًا اللوم الشديد لـ”المعارضة المتطرّفة” في سوريا، لا إلى “المعارضة التي تتحلّى بالإنسانية وتطالب بالمساواة والحريّة”، مبدياً تخوّفه من أن “نسيان أمر المطرانيْن المخطوفين في سوريا بولس اليازجي ويوحنا ابراهم سيؤدي إلى مقتلهما”.

المعارضون المسيحيون متشائمون أيضاً حيال مصير المسيحيين في سوريا، لكنهم يُنحون باللائمة على القتال، إذ إن أبناء الطائفة يسقطون ضحايا العنف المتزايد، حالهم كحال بقية السوريين.

نادين، الناشطة المسيحية المُعارِضة للنظام السوري، قالت لـ”NOW” إنّه بعد خطف المطرانين في حلب خاف عدد كبير من العائلات المسيحية وتركوا المنطقة. المسيحيون باتوا بشكل عام “مهدّدين”، إلا أن الإعتداء عليهم لا أسباب دينية له، بل “لأنّهم أصبحوا ضحيّة العنف مثلهم مثل بقيّة السوريين”.

وتحدّثت “نادين” عن مشاهدتها كنائس مدمّرة حول دمشق، لكنّها قالت إنها دُمّرت بسبب القتال والقصف، مثلها مثل الجوامع والمدارس والمدن. وذكرت أنها سمِعت بفتوى اغتصاب النساء المسيحيات قرب حلب، لكنّها لم تسمع عن حادثة حقيقية حصلت في هذا الإطار. وأكدت “نادين” أنّها خائفة طبعاً، لكنّها لا تتوقع أن تُستهدف لأنّها مسيحية، بل “لأنّ هذه الحرب لن ترحم أحداً”، مشددة على  أنّها على “تواصل مع الجيران من الطوائف الإسلامية، ويتعاونون بكل شيء من أجل تأمين حاجاتهم”.

“سميّة” الناشطة السورية في منطقة ريف دمشق، أكدت أنّ “لا وجود لأي تهديد بحقّ المسيحيين”، لكنها أقرّت بأن “البطاركة هم مع النظام ويناضلون إلى جانبه”، معتبرةً في الوقت عينه أنّ “هناك عدداً لا يستهان به من المسيحيين ضد النظام، والقسم الأكبر منهم يقف على الحياد”.

وعن وجود “زعران الطائفية”، اعتبرت سميّة، أنّ هذا الترويج لم يؤثر على مسيحيي الشام، وخصوصاً أنّ التخويف والترهيب يتزايدان خلال فترة الحرب. وأوضحت أنّ ما سمعوا به عن خطف مسيحيين  كان “ليس لأنّهم مسيحيون، بل لأنّهم مع النظام، فالمقاتلون المعارضون على استعداد لخطف أيّ كان مع النظام لإستبداله بأحد ما، أو مقابل فدية، وخصوصاً أنّ مسيحيي الشام هم من الأثرياء”. وختمت بالقول إنّه “لا خوف من المتطرفين والمتشددين، لأنّهم أقليّة ولا قاعدة أساسيّة لهم، بل وغير مرغوب بهم من قبل الشعب السوري الذي يؤمن بالتعايش والديمقراطية والحريّة”.

لرجال الكنيسة رأي آخر في واقع المسيحيين إذ يرون استهدافاً لوجودهم إما من طرف، أو من القتال ذاته، إذ إنهم أكثر سُرعة في مغادرة البلاد نحو بلدان أكثر أمناً.

الأب افرام سمعان قال لـ”NOW”، إنّ “الوضع في سوريا مخيف جداً، حيث يذهب “المنيح بعزى الوحيش”، من خلال عمليات القتل، والتعذيب، والخطف مقابل فدية التي تطال المسيحيين”. واعتبر أنّ “ما يحصل اليوم يتم من خلال عصابات ومافيات، قد تكون مع النظام السوري أو مع الجيش السوري الحرّ، والكلّ يقوم بأعمال إرهابية لمصلحته”.

ولفت الأب سمعان إلى أن المشكلة تكمن في أنّ المسيحيين “أقلية”، و”لن تكترث بأمرهم لا الدول العربية ولا الدول الغربية، وهم يشعرون بالخطر كغيرهم من السوريين، لكنّهم أوّل من يبادرون إلى الهجرة”، موضحاً في الوقت عينه أن “لا جبهة النصرة ولا “القاعدة” ولا حتى النظام السوري، هم السبب في تهجير المسيحيين من سوريا، بل الفوضى والفلتان الحاصل، إذ لم يعد معروفاً من يقاتل ومن يدافع”.

موقع لينان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى