صفحات العالم

ليتهم طردوا السفير ولم يهاجموه


رأي القدس

احتجت الادارة الامريكية بشدة امس على هجوم من قبل سوريين موالين للنظام على السفير الامريكي في دمشق، ووصف متحدث باسم البيت الابيض هذا الهجوم بأنه محاولة لترهيب دبلوماسي يشهد على ‘وحشية’ الحكومة السورية.

وحشية النظام السوري ليست بحاجة الى اثبات، فأرقام القتلى الذين يتساقطون يومياً برصاص قوات الامن في تزايد مستمر منذ ان بدأت الاحتجاجات قبل ستة اشهر طلباً للتغيير الديمقراطي في البلاد. ولكن الامر المؤكد والمثبت هو النفاق الامريكي في ما يتعلق بحقوق الانسان والثورات العربية عموماً.

لا نجادل في حق السفير الامريكي روبرت فورد في الخروج من سفارته في دمشق، والالتقاء بشخصيات سورية معارضة تتزعم الثورة الشعبية وتساند مطالبها في التغيير، ففي الدول الديمقراطية المتحضرة يكون اللقاء مع قادة احزاب المعارضة ليس من الممارسات العادية للسفراء المعتمدين، وانما لزعماء الدول الزائرين في زيارات رسمية.

ما نجادل به هو الانتقائية الامريكية في التعاطي مع الثورات العربية المطالبة بالحريات والتغيير الديمقراطي، فلم نسمع او نقرأ ان السفير الامريكي في تونس نزل الى مدينة سيدي بوزيد التي شهدت الشرارة الاولى لهذه الثورات عندما اقدم الشاب البوعزيزي على حرق نفسه احتجاجاً على الاهانات التي تعرض لها، ولم نسمع او نقرأ ان السفير الامريكي في المنامة عاصمة البحرين ذهب الى ميدان اللؤلؤة لاظهار اي تعاطف مع المعتصمين مثلاً.

التعاطف الامريكي الرسمي الكاذب مع المنتفضين ضد الظلم في سورية لا يخدم هؤلاء ومطالبهم العادلة، بل يلحق ضرراً بالغاً بها لان الشعوب العربية عموماً، والشعب السوري خصوصاً، لا يثقون بالادارات الامريكية، ويعتبرونها معادية للعرب والمسلمين، وتدعم الانظمة الديكتاتورية العربية الفاسدة، وتنحاز بالكامل الى العدوان الاسرائيلي.

ففي الوقت الذي تذرف فيه الادارة الامريكية دموع التماسيح على الشهداء في سورية، وتدعي مناصرة حقوق الانسان فيها، ودعم العدالة والتغيير الديمقراطي، تهدد باستخدام حق النقض ‘الفيتو’ لمنع اعتراف اممي بدولة فلسطينية ‘وهمية’، رضوخاً لاملاءات حكومة اسرائيلية يمينية عنصرية متغطرسة وفاجرة.

الشعب السوري المطالب بالحرية والعدالة اكد في اكثر من مناسبة رفضه لاي تدخل خارجي، والامريكي فيه على وجه الخصوص، لانه يدرك جيداً ان نتائج مثل هذا التدخل في حال حدوثه ستأتي كارثية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ولنا في ما يحدث في العراق وافغانستان وربما ليبيا ايضاً الدليل الابرز في هذا الاطار.

ويظل لزاماً علينا ان نستهجن في الوقت نفسه تصرف انصار السلطات السورية في مهاجمة سيارة السفير الامريكي، لايماننا بان هذا الهجوم ما كان له ان يتم لولا حصول هؤلاء المهاجمين على ضوء أخضر رسمي.

كنا سنحترم هذه السلطات لو استدعت السفير الامريكي الى مقر وزارة الخارجية في دمشق وطلبت منه المغادرة فوراً، اذا كان ما اقدم عليه يشكل تدخلاً في مرفوضاً في الشؤون الداخلية السورية، ولكنها للأسف لم تفعل، وتركت المهمة الى مجموعة من ‘الشبيحة’ فجاء فعلها اكثر ضرراً على الحكومة السورية مما هو على السفير الامريكي نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى