صفحات العالم

ليست لحظة للسياسة/ حـازم صـاغيـّة

لم تكن السياسة في العالم العربيّ مبرّأة من العنف. كان هذا حالها دائماً وإن ظهرت استثناءات قليلة كان لبنان مسرحاً لبعضها. لكنّنا اليوم نبلغ مستوى قياسيّاً في استعراض قدرة العنف على ابتلاع السياسة. وقد جاءت الجريمة الأخيرة في الضاحية الجنوبيّة لبيروت تذكّرنا بالاحتمالات الخصبة للعنف في بلد لم يستطع أن يقيم دولة أو ينتخب برلماناً أو يشكّل حكومة. فنحن اليوم، بالتالي، أمام معادلة مهولة تحكم الظرف الراهن: احتمال حدّ أقصى من العنف في مقابل احتمال حدّ أدنى من السياسة.

صحيح أن التورّط العسكريّ لحزب الله في الحرب السوريّة هو أهمّ الأسباب في تغليب كفّة العنف حاليّاً على السياسة، وصحيح أنّ المكابرة والمزايدة في هذا التورّط، على ما جاء في خطاب نصر الله الأخير، يكرّس ذاك التغليب ويهدّد بجعله طريقة حياة يوميّة لا تفعل غير حصد الضحايا والأبرياء. لكنّ الأمر لا يقتصر على نصر الله وحزبه، بل يطال الجميع، لا في لبنان وحده بل في عموم المنطقة التي يتوثّب فيها العنف لقضم ما تبقّى من سياسة.

فهي، إذاً، لحظة للتأمّل، لا للتحزّب ومفاقمة الوعي العصبيّ – التأمّل في واقعنا وأفكارنا وتاريخنا وتراكيبنا الاجتماعيّة والثقافيّة، والتأمّل في مدى الكراهيّة التي نتبادلها جميعاً، والتي يستحيل في ظلّها أن ينشأ أيّ معنى وأيّ مشروع. فكلّ الأكفّ، ما بين مصر والعراق، تتلوّث بالدم وترسم الدم أفقاً وحيداً لمستقبل كالح. والدم قد يكون مرّة سنّيّاً ومرّة شيعيّاً ومرّة مسيحيّاً لكنّه، في الحالات كلّها، دم.

هذا ما ينبغي التفكير في العمل لوقفه، من غير أن يحول دون ذلك أيّ قضيّة وأيّ مقدّس، لأنّ الحؤول دون الدم أهمّ من القضايا والمقدّسات كلّها، بما فيها الأوطان.

بطبيعة الحال ينتصب بون شاسع بين هذا الكلام التعميميّ، وربّما الأخلاقويّ، وبين تحوّله إلى خطّ أو برنامج يؤثّران في الواقع. لكنْ، على الأقلّ، يمكن الابتداء بنشر وعي آخر في بيئاتنا الصغرى الأكثر صحّيّة والأكثر نظافة والأقلّ انهبالاً بالقضايا القاتلة المزعومة.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى