صفحات الحوار

ليلى سليماني: منعتُ المخاوف من السيطرة عليّ كي لا أجنّ!

 

 

روايتها {أغنية هادئة} تغوص في عقل مربّية مجرمة

بعد كتابها الأول Dans le jardin de l’ogre (في حديقة الغول)، تؤكد ليلى سليماني (34 عاماً) موهبتها في روايتها الثانية Chanson Douce (أغنية هادئة) حيث تغوص في عقل مربّية مجرمة. في هذا الكتاب، تحلل سليماني الجوانب الغامضة في العلاقة المعقدة التي تجمع بين الأهالي والمربيات والهلع الذي تعيشه الأمهات. مقابلة من {إيل} الفرنسية مع كاتبة اشتهرت بجرأتها الأدبية والسياسية…

هل انطلقت فكرة كتاب {أغنية هادئة} من خبر معيّن مثل كتابك الأول؟

نعم، قرأتُ مقالة عن حادثة حصلت عام 2012 مع عائلة في نيويورك. كانت مربية تعتني بالأطفال منذ سنوات. أتذكر صورتها في الصحيفة مع الوالدين اللذين اعتبراها {جزءاً من العائلة}. في أحد الأيام، اكتشفت الأم أولادها مقتولين على يد المربية التي حاولت الانتحار بدورها. انطلقت فكرة الكتاب من هذه الحادثة.

هل استعنتِ شخصياً بمربية لابنك؟

كان ابني في شهره السادس حين بدأتُ أبحث عن مربية. غرقتُ في الكابوس الذي كنت أصفه في روايتي. تخيّلتُ كل ما يمكن أن يحصل لكن ساعدتني تلك الأفكار على التحرّر من القلق. لم أسمح للمخاوف بالسيطرة على حياتي الشخصية وإلا كنت لأصبح مجنونة! كان يجب أن أمرّ بتلك اللحظات الغريبة، أي مقابلة المرأة التي سأكلّفها برعاية ابني.

في ظلّ التعب الذي أصابني خلال الأشهر الأولى بعد الولادة واضطراري إلى الاعتناء بهذا المولود الجديد، شعرتُ بأنني ما زلت طفلة رغم بلوغي 30 عاماً. شاهدتُ نساءً أكبر مني بعشر سنوات أو خمس عشرة سنة وكانت حياتهن مضطربة أكثر مني. ثمة جانب غامض وغنيّ في هذه التجربة.

يبدأ كتابك بعرض النهاية المريعة: موت الأطفال على يد المربية. لماذا؟

كان يجب أن أعرض الحدث المأساوي سريعاً لإعطاء أثر درامي قوي. أردتُ أن أشدّد على الاختلافات بين رأي الوالدين اللذين يجهلان الكثير عن حياة المربية وحقيقة تصرفاتها مع أولادهما من جهة ورأي القارئ الذي يعرف نهاية القصة من جهة أخرى. سيعيش القارئ صراعاً حقيقياً لأنه يعرف أنها تمرّ بمعاناة مريعة. أما كابوس الوالدين، فيتعلق بعدم معرفة ما يحصل في غيابهما.

لكن هل نريد أن نعرف الحقيقة فعلاً؟

لا نريد أن تجلب المربية مشاكلها وأوجاعها معها إلى بيتنا لذا تلقي بثقلها على أولادنا. لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نتجنب التقرّب من تلك المرأة التي ندفع لها المال كي تحبّ أولادنا. تنشأ عاطفة معينة في هذه العلاقة وتعزّز الغموض الذي يطبعها.

عدا الخبر الذي قرأتِه، تطرحين مشكلة الأم العاملة. هل التوفيق بين العمل والأولاد أمر مستحيل؟

إنه جدل معقّد. تُدعى المربية في قصتي لويز تيمناً بالشابة لويز وودوارد التي قتلت طفل طبيبَين أميركيين. أحدثت قضيتها ضجة كبيرة لأن فريق الدفاع عنها اعتبر أن الأم كانت تعمل كثيراً ولا يمكنها التذمّر مما يمكن أن يحصل حين توكل رعاية أولادها إلى شخص آخر. احتدم الجدل حول هذا الموضوع في الولايات المتحدة! لكن من المؤكد أن الأهل قد يتعاملون بقسوة مع المربيات عن غير قصد.

هل تتعلّق الرواية أيضاً بنضال الطبقات الاجتماعية؟

نعم، يؤدي اختلاف مستوى الحياة بين أفراد العائلة والمربية إلى تنامي الشعور بالظلم والغضب والكره غالباً، وحتى العنف. استرجعتُ ذكريات من طفولتي أثناء الكتابة. نشأتُ في المغرب حيث اعتاد الناس على جلب المربية للإقامة معهم في المنزل. أتذكر الكلمات التي كانت تزعجني في طفولتي حين أدركتُ الفجوة القائمة بين حياتنا وحياة تلك النساء.

تكشف القصة أيضاً معاناة الأم حين تضطر إلى ترك طفلها. هل اختبرتِ هذه التجربة؟

نعم! لكن يغفل كثيرون عن هذه المعاناة. كي تعمل المرأة في الخارج يجب أن يعتني الآخرون بأولادها. أردتُ أن أسلّط الضوء أيضاً على بداية الطفولة كونها تشبه بنظري نهاية الشيخوخة التي تتطلّب بدورها رعاية شاقة يغفل عنها المجتمع.

ما رأيك بربّات المنازل؟

أظنّ أننا لا نقدّر تعبهنّ الجسدي المرتبط بالأعمال المنزلية الشاقة والمتكررة، ويحمل المجتمع نظرة قاسية عنهنّ غالباً. يصعب ألا نتخيل الكآبة التي تترسخ في حياتهن.

في كتابك تنتقدين أيضاً المنافسة القائمة بين العائلات {البرجوازية}…

لأننا نعيش في مجتمع يقدّس المظاهر، نريد أن يرتدي أولادنا أفضل الملابس ويحملوا أفضل الأسماء ويقصدوا أهم المدارس ويكثفوا نشاطاتهم. نشعر اليوم بأن الانشغال الدائم أصبح المعيار الأساسي للنجاح الاجتماعي. أتكلم بكل مودّة لأنني جزء من هذا النظام!

هل كانت تجربة الأمومة مؤلمة في حالتك؟

حتى الأولاد لا يستطيعون مساعدتنا على تجاوز شعور الوحدة. صدمتُ حين أدركتُ هذا الواقع. حين تصبح المرأة أماً، ستشعر دوماً بالنقص ولن تجد مكانتها الصحيحة. وقد يعزّز بعض الناس شعورها بالذنب. حتى والدتي تعاتبني حين أترك طفلي وحده مع والده مع أنها كانت واحدة من أوائل الطبيبات في المغرب وكانت تغيب عن المنزل كثيراً، لكنها نسيت على ما يبدو!

هل أردتِ أن تصبحي كاتبة منذ البداية؟

نعم. كان والدي يعشق القراءة ويجلس وسط أكوام الكتب. تقول والدتي إنها عرفت أنني سأصبح كاتبة حين كتبتُ نصاً في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية.

لن أخسر حريتي

بعد نشوئك في الرباط، جئتِ إلى باريس لدراسة الأدب. كيف كانت تجربتك؟

كانت التجربة صعبة جداً. كان عمري 17 عاماً. لم أتوقع أن أعيش وحدة مماثلة. أتذكّر أنني أمضيتُ أسابيع طويلة من دون التحدث إلى أحد خارج الحصص. احتجتُ إلى سنوات عدة كي أقيم الصداقات.

هل فكرتِ بالعودة إلى المغرب؟

عدتُ إليها كصحافية، لكنني لا أظنّ أنني كنت لأجد السعادة هناك. لم أكن مستعدة لخسارة الحرية التي اكتسبتُها هنا. حياة المرأة معقدة جداً في المغرب.

رغم أن الوضع تغيّر كثيراً الآن، لا أريد أن أخاف من ارتداء تنورة في الشارع أو ركوب سيارة أجرة وحدي أو تدخين سيجارة في شهر رمضان. لا أريد أن أربّي ابني في بلدٍ يحكم بالسجن على المثليين أو مرتكبي الإجهاض.

لن أعيش في بلد تضطر المرأة فيه إلى عيش كذبة دائمة، وتتدخّل السلطات دوماً في شؤونها ولا تميّز بين حياتها الخاصة وحياتها العامة.

ماذا تعنين؟

بعد سنتين من البحوث، سأصدر كتاباً عن الموضوع في شهر يناير بعنوان Sexe et Mensonge (الجنس والكذب). في المغرب، لا يحق للمرأة أن تقيم علاقات جنسية خارج إطار الزواج. كان والداي منفتحَين وأخبرانا أنا وشقيقاتي بأن جسمنا مُلك لنا ومن حقنا أن نستعمله بالطريقة التي نريدها، لكنهما منعانا في الوقت نفسه من التنزه مع الرجال! حين كنت في السابعة عشرة من عمري، أوقفتني الشرطة لأنها وجدتني في سيارة مع فتى. يعاملون الفتاة كعاهرة!

هل تشعرين بالخوف أحياناً؟

أتحدّر من الرباط ومن عائلة متفهّمة. لكن تواجه الفتيات في القرى المعزولة خطراً دائماً. لا تستطيع الفتاة هناك أن تقدّم شكوى مثلاً إذا تعرّضت للاغتصاب أو العنف. كيف يمكن أن تكون المرأة شخصاً متكاملاً إذا لم يكن جسمها ملكاً لها بل لوالدها ثم لزوجها. يجب أن تطالب المرأة بألا تكون ملكاً لأحد!

هل تشعرين بأنك تعرّضين نفسك للخطر عبر طرح هذه المواضيع؟

قليلاً! لكنني أفضّل ألا أفكر بالموضوع. تناضل الحركات النسائية المغربية في سبيل التعليم والعمل وحق الإجهاض. لكن يطرح موضوع الحياة الجنسية خطورة كبرى: تبدأ الاتهامات فوراً بتحويل البلد إلى بيت دعارة!

أصداء ممتازة في المغرب

تتحدّث ليلى سليماني عن أصداء أول رواية لها {في حديقة الغول} في المغرب، مؤكدة أنها كانت ممتازة {لأن البطلة فتاة فرنسية مصابة بمرض {غربي}. لو أنها مغربية، كان الوضع ليصبح كارثياً لأن المرأة التي تحمل رغبات وانفعالات غير موجودة في بلدنا. لا تتحمّل مجتمعاتنا انعكاسها الحقيقي في المرآة}.

وتتابع: {من الطبيعي أن نتكلم عن عاهرة غربية لكن لا أحد يتقبّل أن تكون عربية. لا أعرف كيف سيتطور هذا المجتمع. لا بد من التحلي بشجاعة فائقة ولا تفتقر النساء إلى هذه الصفة!}.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى