صفحات الحوار

لينور مورينو : أكثر الكلمات قربًا لقلبي أصلها عربي

 

 

ميسون شقير

تحتفي مدريد كل عام في شهر حزيران (يونيو) بمعرضها للكتاب، والذي يعتبر من أكبر معارض الكتاب في العالم، وفيه تقام كثير من الفعاليات الثقافية على هامش المعرض، وتحظى بالاهتمام الإعلامي، وبالحضور الجيد من قبل المهتمين بالشأن الثقافي، وقد كان من اللافت للنظر، هذا العام، وعلى عكس السنوات الماضية، عدم وجود نشاط خاص بتقديم كتاب أو محاورة لكاتب عربي، لكن بالمقابل كان هناك حضور مكثف للعديد من الكتب الجديدة لكتاب إسبان ولكنها مطبوعة باللغتين الإسبانية والعربية، وهذه ظاهرة بدأت تنتشر، منذ حوالى عشر سنوات، بين الكتاب الإسبان المنحازين بشكل حقيقي وعميق للثقافة العربية بكل إرثها الغني، والمقرّين بالتأثير الذي تركته هذه الثقافة في المنجز الإبداعي والفكري الإسباني الحديث.

لينور مورينو أديبة وأكاديمية إسبانية، حاصلة على شهادة الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون في باريس، تتقن الفرنسية، والإنكليزية، والإيطالية، وتتكلم العربية بطريقة جيدة، وهي مدرسة أولى في قسم الآداب في جامعة كومبيلتنسيا في مدريد، وباحثة متخصصة في الثقافة العربية، لها العديد من الكتب البحثية مثل “الضوء القادم من البحر”، و”في اللغة العربية وبحورها”، “البناء المعماري في الشعر الأندلسي”، والعديد من الكتب الشعرية المنشورة كلها باللغتين معاً، وهي تقول دائماً إنها ستبقى تبحث في الشعر عن صوتها، وفي الصوت عن الضوء، وفي الضوء عن الحقيقية والسؤال.

وقعت لينور، هذا العام، كتابها الشعري الجديد الذي يحمل عنوان “نفخة الحياة في أديم الأرض”، والمترجم للعربية من قبل الكاتب والمترجم سعيد العلمي. والذي يحتوي على كثير من القصائد الممتلئة بالصوت الفلسطيني المقهور، وبالغرقى السوريين المغمسين بالملح.

على هامش توقيع كتابها الشعري الجديد، حاورنا لينور محاولين أن ندخل عالمها الإبداعي والفكري.

* تقولين إن الشعر هو المكان الذي نتعرف به على العالم، وبه أيضاً نضيع، كيف يكون الشعر كذلك برأيك؟

الشعر هو اللغة العميقة التي نخاطب بها كل ما حولنا، وعندما نتعلم لغة الشعر نستطيع أن نكتشف كل المخفي، وكلما اكتشفنا أكثر كلما ازدادت أسئلتنا، وكلما حصلنا على إجابات أكثر، عدنا واكتشفنا أسئلة جديدة، واكتشفنا نقيضنا فينا، وهذا هو الشعر. روحي الشاعرة تهجر باتجاه عوالم وباتجاه رحم الأدب والشعر والنثر الأدبي وخاصة الذي وجد منذ بدايات الحضارة الإنسانية كزهرة دوار شمس تتجه دائماً نحو شمسها.

* لماذا تصرين على نشر مجموعاتك الشعرية بالإسبانية والعربية؟ ما هو الشيء المييز الذي تجدينه في الثقافة العربية بشكل عام وفي اللغة العربية بشكل خاص؟

لقد شغفت بالقراءة منذ أن كنت صغيرة، كما شغفت بتعلم اللغات الأخرى وبالدخول إلى قلب كل لغة وكأنها عالم منفصل وكامل، ولذا فقد قررت أن أصبح متخصصة في دراسة الآداب وهذا ما جعلني أدرس اللغات الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والعربية في المدرسة المركزية للغات في مدريد، وبدأت أشعر بميول غريب للغة العربية تحديداً، وذلك لجمال موسيقاها، ولطريقة تواصل اللفظ مع المعنى، ومع الزمن اكتشفت أن أكثر الكلمات قرباً لقلبي هي من الأصل العربي، مهما كانت الدراسة المقررة، كنت أحاول أن أضع كلمات من روح عربية ولها شهقة أو إحساس أو صوت عربي، وهذا ما جعلني أتعامل مع هذه اللغة الغنية بعشق، كمن يعثر على كنز. وأثناء فترة التحضير لأطروحة الدكتوراه في باريس قرأت رواية من الأدب العربي المغربي مترجمة للفرنسية وقد أدخلتني هذه الرواية العظيمة للثقافة العربية أكثر وقررت أن تكون دراسة الدكتوراه حول الدراسات العربية والإسلامية والشرقية في الجامعة المستقلة أوتونوما في مدريد، بعنوان العالم السردي لإدريس الشرايبي.

* إلى أي مدى، برأيك، أثر الشعر الأندلسي بالأدب الإسباني الحديث؟

لقد كتبت العديد من النصوص الصحافية والأدبية حول الأندلس الحلم العربي العميق، الحلم الضائع في الزمن الذي يعتبر فقده هو الوجع التاريخي للإنسان العربي، لكني أعتقد أنه أهم من ذلك، فهو من أهم مراحل التجديد الفني والأدبي في الثقافات العالمية، وستستمر الأندلس نقطة التقاء للجميع، لذا فقد كتبت يوماً “يجب العودة يوماً من الأيام الى هذه المرحلة الرائعة لكي نجعل من الممكن إنتاج فهم حقيقي وعميق وطويل الأمد لهذه الثقافة الرائعة.

* في مجموعتك الأخيرة هذه قصائد كثيرة حول مأساة الشعب الفلسطيني، ما الذي تعنيه لك القضية الفلسطينية، وبرأيك ما الذي قدمه الشعر الفلسطيني للعالم؟

منذ عدة سنوات كنت قد تظاهرت بشكل معلن حول القضية الفلسطينية العادلة، وأنا أعتبر أنها جرح الإنسانية الحقيقي وأنه اغتيال لشعب كامل هجر عن أرضه، ولقد تعرفت على كثير من الكتاب والشعراء الفلسطيينين الذين كانت بلادهم التي طردوا منها ولم تزل تعيش في قصائدهم، وأعتقد أن الشاعر الفلسطيني، محمود درويش، هو شاعر عالمي بامتياز، ولقد تأثرت جداً به أنا شخصياً.

لي قصيدة منشورة في كتاب شعري خاص ليوم الأرض الفلسطيني، وقد قرأتها في اليوم الذي سميت ساحة من ساحات مدريد باسم ساحة فلسطين، ودائماً أفضل أن أفتتح مشاركاتي في أمسيات شعرية بها:

 

“رصاصة فارغة في الخزانة

مهد محترق

صفوف مدرسة مثقوبة

لا طلاب ولا مراهقين

طفلة ودميتها التي من خرق

ممزقين ومنثورين في الأشلاء

حجر وصدر عارٍ

يصارعان تلك الدبابة

وعلم متمرد

مغروس ببحر من الدموع”.

 

* ما الذي تقوله لينور مورينو للسوريين، لأكبر مأساة بشرية عرفها التاريخ الحديث؟ وخاصة أنك كتبت حول موت إيلان الطفل الذي لم يزل يشكل جرحاً للإنسانية؟

إن هذا الطفل الذي ابتلعه البحر أثناء هروبه من الحرب السورية بينما أمواج أخرى حملته إلى الشاطئ، جرح قلبي مثلما جرح قلب الإنسانية كلها، وأنا أعتقد أن قصائد الدنيا كلها لا تساوي لحظة غرق طفل هارب من الموت، لا أستطيع أن أصدق أنه نفس البحر الذي تطل عليه شواطئ إسبانيا، ولا أستطيع أن أصدق أن يرحل كل هؤلاء الأطفال كي يبقى الطغاة يحكمون، أو لتحكم العقول المغلقة القادمة من شقوق التاريخ، الشعر هو حالة دفاع عن الحب والجمال وأعتقد أن وجه إيلان سيبقى يسكن القصائد إلى آخر البشرية:

 

“رجل بائس

يحمل نعشا صغيرا

ضوء الفجر القاسي

يضيء الجسم الصفير البارد

ويطفئ كل أضواء الأرض”

 

لقد قتلت الحرب السورية أعداداً لا تحتمل وهجرت نصف الشعب السوري وقد قلت في قصيدتي صرخة صامتة من يتجرأ ليصنع منك لاجئاً. لم أزر سورية أبداً لكني أعرف أن حلب هي نجمة هذه الأرض، وقد شاركت بكل المظاهرات التي قامت في مدريد لرفض القصف والموت الممنهج الذي تعرضت له حلب، على كل العالم أن يوقف هذه الحرب، وأن يعزل الطاغية، ويتخلص السوريون من جحيم الرعب، وأيضاً من الأفكار السلفية القاتلة، فالشعب السوري هو ابن أهم حضارات الأرض وأولها، وهو بكل طوائفه، مؤهل للسير نحو النهضة والديمقراطية، ونحو تحقيق نفسه كأحد المساهمين في بناء الحضارة العالمية، لذا فأنا أوجه للسوريين أينما كانوا احترامي وحبي، وأتمنى أن يثقوا بأنفسهم وبالحياة، لقد ولدت بعد زمن طويل من الحرب التي يسمونها الحرب الأهلية الإسبانية، وأعرف مدى عمق الجروح والندوب التي تركتها الحرب المجنونة. إذا كنا نريد السلام علينا أن نساعد على بنائه في كل ما حولنا، وفي دواخلنا أيضاً أعرف أن السلام يحتاج العدل لكي يصبح سلاماً حقيقياً، ولا يمكن أن يكون هناك سلام، طالما بقي هناك كثير من المظلومين، ولكننا أيضاً نحتاج لثقافة المسامحة بيننا كبشر ونحتاج لتفعيل طاقات المجتمع المدني الذي يعيد بناء الإنسان والعدالة والمجتمع، إن الوصول للسلام يعني الوصول إلى العدالة.

* ما رأيك بنضال المرأة العربية للحصول على حقوقها التي لم تحصل عليها بعد؟

لقد عرف الكاتب والمثقف المغربي إدريس الشرايبي المرأة بأنها “آخر المستعمرات على الأرض” كما عرفتها أيضاً الكاتبة الجزائرية، فضيلة مرابط، حين قالت: “إن حرية المرأة تساوي حرية الوطن، ولا يمكن الاستغناء عنها” وكلاهما، الشرايبي وفضيلة، يؤكد كلمات فكتور هوغو، حيث يقول “عندما كنا جميعنا أطفالاً، كانت كل أمثلتنا القوية هي من النساء”. إن المدافعين عن حقوق المرأة على طول الزمان كانوا يستمدون قوتهم من القوة التي أعطتها الحياة للمرأة، ونحن نعرف أيضاً أن التاريخ البشري وخاصة الأوروبي عمل كثيراً لأحلامنا ولتحرير الإنسان فينا من كل ما يعيق قدرته على تقديم ذاته وتطويرها، وسيبقى ينتج صدى لكل تطلعاتنا و أحلامنا، وأنا أثق بالمرأة العربية، وبقدرتها على مواصلة نضالها من أجل الحصول على حقوقها، وأثق بالمثقف العربي وبجذور الثقافة العربية التي يجب أن تنقذ المرأة من جديد، فحقوق المرأة هي حقوق الإنسان وهي مثل الضوء، وكما يقول المثل العربي “لا يمكن أن تحجب الشمس بالغربال”.

إن أحلامنا لأجل أن تتحقق وتستمر في الشمال أو في الجنوب في شرق الأرض أو في غربها يجب على كل جيل أن يخوض معركته الخاصة وأن يبني ثورته الخاصة به على ما سبق، لذا فإن حق الإنسان بالحرية وحق المرأة بالحرية والكرامة هي ثورات لن تنتهي، لقد عرفت الكثير من النساء العربيات من خلال عملي، وهن من مهن مختلفة، ومنهن كثيرات كاتبات، وهن من بلاد عربية مختلفة، وقد ناضلن طوال حياتهن لكي يحصلن على حقوقهن الإنسانية الكاملة، أعتقد أنهن جديرات بالحياة ربما أكثر منا نحن النساء اللواتي وجدنا حقوقنا جاهزة، المرأة شريكة الرجل، داعمه الدائم والوحيد على تخطي صعوبات الحياة، وأنا يحضرني دائماً أسماء لكثير من الكتاب العرب الذين دافعوا عن حقوق المرأة وأهمهم “قاسم أمين” و”منصور فهمي” والدكتورة “نوال السعداوي” من مصر، ومن تونس “طاهر حداد” وفي النهاية هذه قصيدة أحب أن أقولها دائماً للنساء اللواتي يقدن الحياة:

 

“يا امرأةً مُسخـَّـرَةً شجاعه

يا صابرَة بصمتٍ شظـِفْ

منزوية في الطريق

تتركين الآخرين يسطعـون

بنورٍ أنتِ أضأتـِه.

 

يا امرأةً شجاعةً مُسخـّـرَة

أنت وحدك من تـُـقـرّرينْ

أن ينمو أو يجـفّ

الكائنُ الذي في أحشائِـكْ.

 

أمُّ اليوم المُستهلكةُ دائماً

محروثة بفـصولِ ربيـع

أرضٌ خـصبَةٌ دائمة”.

 

لينور مورينو : أكثر الكلمات قربًا لقلبي أصلها عربي ميسون شقير 7 يوليو 2017 حواراتلينور مورينوشارك هذا المقال حجم الخط تحتفي مدريد كل عام في شهر حزيران (يونيو) بمعرضها للكتاب، والذي يعتبر من أكبر معارض الكتاب في العالم، وفيه تقام كثير من الفعاليات الثقافية على هامش المعرض، وتحظى بالاهتمام الإعلامي، وبالحضور الجيد من قبل المهتمين بالشأن الثقافي، وقد كان من اللافت للنظر، هذا العام، وعلى عكس السنوات الماضية، عدم وجود نشاط خاص بتقديم كتاب أو محاورة لكاتب عربي، لكن بالمقابل كان هناك حضور مكثف للعديد من الكتب الجديدة لكتاب إسبان ولكنها مطبوعة باللغتين الإسبانية والعربية، وهذه ظاهرة بدأت تنتشر، منذ حوالى عشر سنوات، بين الكتاب الإسبان المنحازين بشكل حقيقي وعميق للثقافة العربية بكل إرثها الغني، والمقرّين بالتأثير الذي تركته هذه الثقافة في المنجز الإبداعي والفكري الإسباني الحديث. لينور مورينو أديبة وأكاديمية إسبانية، حاصلة على شهادة الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون في باريس، تتقن الفرنسية، والإنكليزية، والإيطالية، وتتكلم العربية بطريقة جيدة، وهي مدرسة أولى في قسم الآداب في جامعة كومبيلتنسيا في مدريد، وباحثة متخصصة في الثقافة العربية، لها العديد من الكتب البحثية مثل “الضوء القادم من البحر”، و”في اللغة العربية وبحورها”، “البناء المعماري في الشعر الأندلسي”، والعديد من الكتب الشعرية المنشورة كلها باللغتين معاً، وهي تقول دائماً إنها ستبقى تبحث في الشعر عن صوتها، وفي الصوت عن الضوء، وفي الضوء عن الحقيقية والسؤال. وقعت لينور، هذا العام، كتابها الشعري الجديد الذي يحمل عنوان “نفخة الحياة في أديم الأرض”، والمترجم للعربية من قبل الكاتب والمترجم سعيد العلمي. والذي يحتوي على كثير من القصائد الممتلئة بالصوت الفلسطيني المقهور، وبالغرقى السوريين المغمسين بالملح. على هامش توقيع كتابها الشعري الجديد، حاورنا لينور محاولين أن ندخل عالمها الإبداعي والفكري. * تقولين إن الشعر هو المكان الذي نتعرف به على العالم، وبه أيضاً نضيع، كيف يكون الشعر كذلك برأيك؟  الشعر هو اللغة العميقة التي نخاطب بها كل ما حولنا، وعندما نتعلم لغة الشعر نستطيع أن نكتشف كل المخفي، وكلما اكتشفنا أكثر كلما ازدادت أسئلتنا، وكلما حصلنا على إجابات أكثر، عدنا واكتشفنا أسئلة جديدة، واكتشفنا نقيضنا فينا، وهذا هو الشعر. روحي الشاعرة تهجر باتجاه عوالم وباتجاه رحم الأدب والشعر والنثر الأدبي وخاصة الذي وجد منذ بدايات الحضارة الإنسانية كزهرة دوار شمس تتجه دائماً نحو شمسها.   * لماذا تصرين على نشر مجموعاتك الشعرية بالإسبانية والعربية؟ ما هو الشيء المييز الذي تجدينه في الثقافة العربية بشكل عام وفي اللغة العربية بشكل خاص؟ لقد شغفت بالقراءة منذ أن كنت صغيرة، كما شغفت بتعلم اللغات الأخرى وبالدخول إلى قلب كل لغة وكأنها عالم منفصل وكامل، ولذا فقد قررت أن أصبح متخصصة في دراسة الآداب وهذا ما جعلني أدرس اللغات الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والعربية في المدرسة المركزية للغات في مدريد، وبدأت أشعر بميول غريب للغة العربية تحديداً، وذلك لجمال موسيقاها، ولطريقة تواصل اللفظ مع المعنى، ومع الزمن اكتشفت أن أكثر الكلمات قرباً لقلبي هي من الأصل العربي، مهما كانت الدراسة المقررة، كنت أحاول أن أضع كلمات من روح عربية ولها شهقة أو إحساس أو صوت عربي، وهذا ما جعلني أتعامل مع هذه اللغة الغنية بعشق، كمن يعثر على كنز. وأثناء فترة التحضير لأطروحة الدكتوراه في باريس قرأت رواية من الأدب العربي المغربي مترجمة للفرنسية وقد أدخلتني هذه الرواية العظيمة للثقافة العربية أكثر وقررت أن تكون دراسة الدكتوراه حول الدراسات العربية والإسلامية والشرقية في الجامعة المستقلة أوتونوما في مدريد، بعنوان العالم السردي لإدريس الشرايبي. * إلى أي مدى، برأيك، أثر الشعر الأندلسي بالأدب الإسباني الحديث؟ لقد كتبت العديد من النصوص الصحافية والأدبية حول الأندلس الحلم العربي العميق، الحلم الضائع في الزمن الذي يعتبر فقده هو الوجع التاريخي للإنسان العربي، لكني أعتقد أنه أهم من ذلك، فهو من أهم مراحل التجديد الفني والأدبي في الثقافات العالمية، وستستمر الأندلس نقطة التقاء للجميع، لذا فقد كتبت يوماً “يجب العودة يوماً من الأيام الى هذه المرحلة الرائعة لكي نجعل من الممكن إنتاج فهم حقيقي وعميق وطويل الأمد لهذه الثقافة الرائعة. * في مجموعتك الأخيرة هذه قصائد كثيرة حول مأساة الشعب الفلسطيني، ما الذي تعنيه لك القضية الفلسطينية، وبرأيك ما الذي قدمه الشعر الفلسطيني للعالم؟ منذ عدة سنوات كنت قد تظاهرت بشكل معلن حول القضية الفلسطينية العادلة، وأنا أعتبر أنها جرح الإنسانية الحقيقي وأنه اغتيال لشعب كامل هجر عن أرضه، ولقد تعرفت على كثير من الكتاب والشعراء الفلسطيينين الذين كانت بلادهم التي طردوا منها ولم تزل تعيش في قصائدهم، وأعتقد أن الشاعر الفلسطيني، محمود درويش، هو شاعر عالمي بامتياز، ولقد تأثرت جداً به أنا شخصياً. لي قصيدة منشورة في كتاب شعري خاص ليوم الأرض الفلسطيني، وقد قرأتها في اليوم الذي سميت ساحة من ساحات مدريد باسم ساحة فلسطين، ودائماً أفضل أن أفتتح مشاركاتي في أمسيات شعرية بها: “رصاصة فارغة في الخزانة مهد محترق صفوف مدرسة مثقوبة لا طلاب ولا مراهقين طفلة ودميتها التي من خرق ممزقين ومنثورين في الأشلاء حجر وصدر عارٍ يصارعان تلك الدبابة وعلم متمرد مغروس ببحر من الدموع”. ” قتلت الحرب السورية أعداداً لا تحتمل وهجرت نصف الشعب السوري وقد قلت في قصيدتي صرخة صامتة من يتجرأ ليصنع منك لاجئاً. لم أزر سورية أبداً لكني أعرف أن حلب هي نجمة هذه الأرض، وقد شاركت بكل المظاهرات التي قامت في مدريد لرفض القصف والموت الممنهج الذي تعرضت له حلب ” * ما الذي تقوله لينور مورينو للسوريين، لأكبر مأساة بشرية عرفها التاريخ الحديث؟ وخاصة أنك كتبت حول موت إيلان الطفل الذي لم يزل يشكل جرحاً للإنسانية؟ إن هذا الطفل الذي ابتلعه البحر أثناء هروبه من الحرب السورية بينما أمواج أخرى حملته إلى الشاطئ، جرح قلبي مثلما جرح قلب الإنسانية كلها، وأنا أعتقد أن قصائد الدنيا كلها لا تساوي لحظة غرق طفل هارب من الموت، لا أستطيع أن أصدق أنه نفس البحر الذي تطل عليه شواطئ إسبانيا، ولا أستطيع أن أصدق أن يرحل كل هؤلاء الأطفال كي يبقى الطغاة يحكمون، أو لتحكم العقول المغلقة القادمة من شقوق التاريخ، الشعر هو حالة دفاع عن الحب والجمال وأعتقد أن وجه إيلان سيبقى يسكن القصائد إلى آخر البشرية: “رجل بائس يحمل نعشا صغيرا ضوء الفجر القاسي يضيء الجسم الصفير البارد ويطفئ كل أضواء الأرض” لقد قتلت الحرب السورية أعداداً لا تحتمل وهجرت نصف الشعب السوري وقد قلت في قصيدتي صرخة صامتة من يتجرأ ليصنع منك لاجئاً. لم أزر سورية أبداً لكني أعرف أن حلب هي نجمة هذه الأرض، وقد شاركت بكل المظاهرات التي قامت في مدريد لرفض القصف والموت الممنهج الذي تعرضت له حلب، على كل العالم أن يوقف هذه الحرب، وأن يعزل الطاغية، ويتخلص السوريون من جحيم الرعب، وأيضاً من الأفكار السلفية القاتلة، فالشعب السوري هو ابن أهم حضارات الأرض وأولها، وهو بكل طوائفه، مؤهل للسير نحو النهضة والديمقراطية، ونحو تحقيق نفسه كأحد المساهمين في بناء الحضارة العالمية، لذا فأنا أوجه للسوريين أينما كانوا احترامي وحبي، وأتمنى أن يثقوا بأنفسهم وبالحياة، لقد ولدت بعد زمن طويل من الحرب التي يسمونها الحرب الأهلية الإسبانية، وأعرف مدى عمق الجروح والندوب التي تركتها الحرب المجنونة. إذا كنا نريد السلام علينا أن نساعد على بنائه في كل ما حولنا، وفي دواخلنا أيضاً أعرف أن السلام يحتاج العدل لكي يصبح سلاماً حقيقياً، ولا يمكن أن يكون هناك سلام، طالما بقي هناك كثير من المظلومين، ولكننا أيضاً نحتاج لثقافة المسامحة بيننا كبشر ونحتاج لتفعيل طاقات المجتمع المدني الذي يعيد بناء الإنسان والعدالة والمجتمع، إن الوصول للسلام يعني الوصول إلى العدالة. * ما رأيك بنضال المرأة العربية للحصول على حقوقها التي لم تحصل عليها بعد؟ لقد عرف الكاتب والمثقف المغربي إدريس الشرايبي المرأة بأنها “آخر المستعمرات على الأرض” كما عرفتها أيضاً الكاتبة الجزائرية، فضيلة مرابط، حين قالت: “إن حرية المرأة تساوي حرية الوطن، ولا يمكن الاستغناء عنها” وكلاهما، الشرايبي وفضيلة، يؤكد كلمات فكتور هوغو، حيث يقول “عندما كنا جميعنا أطفالاً، كانت كل أمثلتنا القوية هي من النساء”. إن المدافعين عن حقوق المرأة على طول الزمان كانوا يستمدون قوتهم من القوة التي أعطتها الحياة للمرأة، ونحن نعرف أيضاً أن التاريخ البشري وخاصة الأوروبي عمل كثيراً لأحلامنا ولتحرير الإنسان فينا من كل ما يعيق قدرته على تقديم ذاته وتطويرها، وسيبقى ينتج صدى لكل تطلعاتنا و أحلامنا، وأنا أثق بالمرأة العربية، وبقدرتها على مواصلة نضالها من أجل الحصول على حقوقها، وأثق بالمثقف العربي وبجذور الثقافة العربية التي يجب أن تنقذ المرأة من جديد، فحقوق المرأة هي حقوق الإنسان وهي مثل الضوء، وكما يقول المثل العربي “لا يمكن أن تحجب الشمس بالغربال”. إن أحلامنا لأجل أن تتحقق وتستمر في الشمال أو في الجنوب في شرق الأرض أو في غربها يجب على كل جيل أن يخوض معركته الخاصة وأن يبني ثورته الخاصة به على ما سبق، لذا فإن حق الإنسان بالحرية وحق المرأة بالحرية والكرامة هي ثورات لن تنتهي، لقد عرفت الكثير من النساء العربيات من خلال عملي، وهن من مهن مختلفة، ومنهن كثيرات كاتبات، وهن من بلاد عربية مختلفة، وقد ناضلن طوال حياتهن لكي يحصلن على حقوقهن الإنسانية الكاملة، أعتقد أنهن جديرات بالحياة ربما أكثر منا نحن النساء اللواتي وجدنا حقوقنا جاهزة، المرأة شريكة الرجل، داعمه الدائم والوحيد على تخطي صعوبات الحياة، وأنا يحضرني دائماً أسماء لكثير من الكتاب العرب الذين دافعوا عن حقوق المرأة وأهمهم “قاسم أمين” و”منصور فهمي” والدكتورة “نوال السعداوي” من مصر، ومن تونس “طاهر حداد” وفي النهاية هذه قصيدة أحب أن أقولها دائماً للنساء اللواتي يقدن الحياة: “يا امرأةً مُسخـَّـرَةً شجاعه يا صابرَة بصمتٍ شظـِفْ منزوية في الطريق تتركين الآخرين يسطعـون بنورٍ أنتِ أضأتـِه.   يا امرأةً شجاعةً مُسخـّـرَة أنت وحدك من تـُـقـرّرينْ أن ينمو أو يجـفّ الكائنُ الذي في أحشائِـكْ.   أمُّ اليوم المُستهلكةُ دائماً  محروثة بفـصولِ ربيـع أرضٌ خـصبَةٌ دائمة”.

ضفة ثالثة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى