راتب شعبوصفحات سورية

مآل حزب الله/ راتب شعبو

 

 

يمعن حزب الله في هدر رصيده السياسي والأخلاقي الذي بناه في سنوات مقاومته الاحتلال الإسرائيلي، وتمكّنه من تحرير جنوب لبنان في عام 2000، ثم تعامله المسؤول مع عناصر “جيش لبنان الجنوبي”، ثم صموده في حرب 2006، ثم نجاحه في عملية تبادل الأسرى، وإعادة رفات عشرات الشهداء العرب من إسرائيل. كان ذلك كله يغطي على عيوب أساسية في بنيته حزباً طائفياً، وعلاقاته (جزء من محور يضم نظامين مستبدين في إيران وسورية). نمت العيوب مع تبدل الأحوال، وتحولت إلى حدود قسرية، يصعب على الحزب تجاوزها، ولا سيما على خلفية تراجع الجهد المقاوم ودخول الحزب معمعة الحياة السياسية الداخلية في لبنان، ودائماً وفق منظور ومصالح المحور، الذي يرتهن إليه، مما زاد من الاستقطاب الشعبي اللبناني ضد الحزب، الذي وجد نفسه ينساق إلى ممارسات سلطوية باسم المقاومة، برزت منها عسكرياً أحداث مايو/أيار 2008، حين احتل الحزب بيروت في عملية عسكرية ضد أقطاب تيار 14 آذار، سقط فيها أكثر من 70 قتيلاً رداً على قرار حكومي لبناني بمصادرة شبكة الاتصالات الأرضية التابعة للحزب.

كان قرار الحكومة اللبنانية، آنئذٍ، استفزازياً، لكنه كشف عن أن في لبنان جمهوراً كبيراً وثقلاً سياسيّاً متنوعاً طائفياً ضد الحزب، وأن مقاومته لم يعد لها الوزن السياسي السابق نفسه. والثاني أن الحزب كشف عن جاهزيته لاستخدام السلاح في الداخل، مما زاد في ضعفه السياسي (ربما كان هذا هدف فؤاد السنيورة من تمرير ذلك القرار). وسياسياً، واصل الحزب استخدام وزنه العسكري (ثقلاً كامناً) في المناكفات السياسية الداخلية في لبنان بين جماعتي 8 و14 آذار، مما ساهم في تراجع شعبية الحزب الذي راح يضيق صدره بالاختلاف أكثر فأكثر، حتى صار على من ينتقد المقاومة أن “يطهّر” فمه أولاً، وصار كل من لا يوافق حزب الله في كل ما يذهب إليه خائناً و”قابضاً” ومرتبطاً بالسفارة الأميركية.

ويشير منطق الأمور إلى أن مسار الحزب اللاحق هو باتجاه مزيد من التدهور السياسي، الذي يعني مزيداً من الطائفية، ومزيداً من العنف اللفظي والمادي ضد “الآخرين”، في مسار مواز لابتعاده عن العمل المقاوم لصالح العمل على دعم نظام فاسد ومستبد، كالنظام السوري. والواقع أنه لا فكاك لحزب الله من هذا المآل، على الرغم من كل كاريزمية أمينه العام، وعلى الرغم من كل انضباط عناصره وتفانيهم، ذلك أن هذا المآل مضمر في تركيبة الحزب وعلاقاته، كما ذكرنا.

سوف يجد المعجبون الأبديون بحزب الله أن هذا المآل (تراجع شعبية الحزب وتراجع وظيفته المقاومة مع بروز وظيفته المحافظة) هو نتيجة تزايد منسوب الخيانة عند “الآخرين”. وفي المقابل، سوف يذهب أعداء حزب الله مذهباً آخر مناقضاً، بأن يسقطوا عنه ثوب المقاومة أصلاً ويستبطنوا نشأته وتاريخه، بما يخدم حرق الحزب، حاضراً وتاريخاً.

تقديس أو تدنيس. ليست جديدة هذه الثنائية التي تجعلنا محكومين مؤبدين لقطبيْن متعاديين متشابهين، كما تشير دلائل في سورية. إنها ثنائية تحكم عقول الجميع، كما لو أنها “تكوين عقلي”، لا يختلف فيها المعارض عن الموالي، الإسلامي عن العلماني. لا تستوعب هذه الثنائية، مثلاً، أن يكون في مصر من هو ضد انقلاب السيسي وضد الإخوان أيضاً. أو أن يكون أحد اللبنانيين معارضاً لحزب الله ووطنياً نزيهاً في الوقت نفسه. وتفرض هذه الثنائية على الموالي للنظام السوري أن يرى في كل معارض سوري داعشياً خائناً، كما تفرض على المعارض للنظام السوري وضع كل مؤيد لنظام الأسد في خانة التشبيح والخيانة، وليس أقل من ذلك. وفوق هذا، تتناسل هذه الثنائية لتجد لها محلاً ضمن ما يفترض أنه خندق واحد، مثلاً كل من ليس مع الائتلاف السوري المعارض هو مع النظام، أو كل من هو مع الائتلاف مرتهن وعميل، وهكذا، في تنويعة سياسية جديدة للكلام عن الفرقة الدينية الناجية.

تقول تجربة حزب الله إن الفكر الإسلامي (الديني عموماً) يبقى محدوداً في إنجازاته الوطنية، ويحمل بذور محدوديته، وأكثر من ذلك إنه يحمل بذرة التحول إلى قوة قمع ومحافظة. وهذا مآل يعيشه اليوم حزب الله يسبب الألم لكثيرين ساندوه، وحملوه آمالاً عراضاً في زمن قريب مضى.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى