صفحات الناس

مأساة الأطفال السوريين –مجموعة مقالات-

 

الأطفال السوريون يبيعون أحلامهم/ إبرهيم الزيدي

خرج الأطفال السوريون من معركة الأمل، وغادروا أحلامهم كطيور تقودها غريزة البقاء. التهموا وجبات مشاعر الخوف، التي أعدّتها أمهاتهم، بشهية جنود يغادرون إلى مصير مجهول، ويمموا شطر الوجه المظلم من الحياة، ليأخذوا جرعة إضافية من الموت، بعيدا من مسخرة الاحتفالات بيوم الطفل العالمي. هم لا يريدون وطناً من حبر، يكتبهم على هامش الوقت، ويموت بين دفتي كتاب. تركوه ومضوا إلى غيابهم القسريّ، وتحولوا إلى تلك الشهقة حين يجتاحنا الحنين، وكأننا نراهم في ظلنا، في تلك الرعشة التي تسبق سقوط الدمعة الأولى من العين، وتركونا نقترف خطيئة العيش من دون تجليات طفولتهم. ارتفع جدار الصمت بيننا وبينهم، ولا يزال عقلنا المجرم يرث من دون تفكير.

في الركن الآخر من عالم الصمت، في الشوارع الخلفية للبؤس، بعضهم وجد ملاذه. بشار الذي لم يتجاوز عمره أصابع اليد الواحدة، تعرفه كل مقاهي طرطوس، يبيع براءته في علبة علكة رخيصة يحملها بين يديه الطفليتين، ولا أحد يتحمل مسؤولية إنعاش قلبه الصغير! يترك عينيه معلّقتين في وجوه رواد المقاهي، إلى أن تتعب يده الممدودة بقطعة العلكة. أعرف أن بعض الكلمات كالقُبَل، إلا أنهم ليسوا في حاجة إليها.

أحمد قدم استقالته من الصف الرابع الابتدائي، بعدما اجتاز الصف الثالث من طفولته، لأنه لم يجد مدرسة تؤوي احتياجاته من الطعام والشراب، ولا احتياجاته من الدفاتر والأقلام. انصرف إلى بيع الورود الحمراء للعشاق. هو يأبى أن يأخذ مالاً من دون أن نشتري منه. لديه تلك الجملة السحرية التي يرددها كلما لمح فتاة ترافق شاباً: “قدِّملها وردة بتحبك أكتر”. يفرض الابتسام على كل من يسمعها منه.

تلك أسماء في أول السطر. لبقية الصفحات قصص أخرى. فمتلازمة القهر السوري، لم تعد لها مضادات اجتماعية أو إنسانية، أما تلك المضادات الحقوقية، فهي لا تساوي حبرها الذي انطبعت به، ولا تساوي ابتسامة سلمى التي نسيت أنها بائعة علكة لمجرد أن رأت الكاميرا. وضعت علبة العلكة على الطاولة المجاورة، وأبعدتها حتى لا تظهر في الصورة، وأخذت “بوزاً” خاصاً بالتصوير. لقد جرت رياحها، كما تشتهي طفولتها، وليس كما يقتضي العوز والفقر والحاجة. كأنها لا تريد أن تتذكرها الأيام كبائعة، بل تريد لروحها الطفولية أن تثبت في الصورة. سألتها عن عائلتها، فأخبرتني أنها قادمة من حلب، وأنهم يقيمون في مخيم إلى جانب الكراجات، وأنها وأختها الأكبر سناً هما اللتان تعيلان العائلة، إضافة إلى المعونات التي يحصلون عليها من منظمة الهلال الأحمر. تذكرت كم في سوريا من بيوت بلا ناس، ومن ناس بلا بيوت! كأننا نحيا بشكل موقت. كل شيء مؤجل إلى أجل غير مسمى. اللافت هو غياب تلك الجملة المعهودة “لله يا محسنين”، أو “من مال الله”. أصبحت المقولة السائدة “الله يحميكم”. لقد أدرك المتسولون الصغار والكبار معاً، أن الناس يعيشون حالة تهديد تستهدف حياتهم.

في أمكنة أخرى من جغرافيا المأساة السورية، ثمة مقولات موازية أنتجها المحسنون الجدد، تحضُّ الناس على أن يبذلوا في سبيل الله مما عندهم. “لديك ذخيرة وفيرة، ابحث عن الأجساد الملائمة لتنفقها في سبيل الله”.

مريم لا تدري بذلك، ولا بغيره، فعقلها الطفولي لم يصل إلى مرحلة المحاكمة. هي تعرف كيف ترافق اخوتها في دروب البؤس. كلما رأيت النعاس على باب أهدابها، أحس كأنها فراشة خرجت لتوّها من شرنقة النوم، وأعود إلى تلك العادة المتأصلة في نفسي حين أرتبك، فأصير أفرك يديّ الواحدة بالأخرى. كأني أبحث بينهما عن كلمات تليق بالموقف. في إحدى الطرق، المصورة الفوتوغرافية نغم سلمان التي ترافقني، لفتت نظري إلى أطفال يلعبون بفوارغ الرصاص. قلت لها الآن يلعبون بالفوارغ، غداً يلعبون بالرصاص نفسه. غادرتهم قبل أن يغدر بي الخوف من مستقبلهم، بعدما وضعتُ خيبة أخرى في حقيبة المأساة السورية. شحذتُ ذهني كثيرا لأناقش باسم الذي تجاوز النصف الثاني من عقده الثاني، ولم يكن له في التعليم نصيب. قال إن أسرته قدمت من ريف دمشق، وإنه كان يعمل في بيع العطور، “كوبي ماركة”، وكانت تلك البضاعة تأتي من طريق لبنان، وقد غادر التجار الذين كان يتعامل معهم، ولما لم يعد يجد عملا هنا، اضطر لبيع أوراق اليانصيب. لكن هذه ليست تجارة قابلة للتشاطر، فهو يأخذ نسبة محددة، وفي كثير من الأيام لا يتجاوز ما يكسبه أجرة السرفيس إلى تلك الضاحية التي تقطن فيها أسرته. فالناس فقدوا رغبتهم بذلك النوع من المقامرة. لقد صفعني وجع باسم الذي لم يقله، ولم أجد وسيلة لتجاوزه. أدركت أن المأساة لم تجرده من ابتسامته فقط، بل من أحلامه أيضاً، فبكيت. لم أكن أعرف من أبكي، ولا لماذا، ولا إلى متى. صرت أهزأ من هموم كثيرة، كانت تؤرقني ذات يوم، وتساءلتُ إلام سنبقى في هذا السبات؟

في اليوم التالي نهضتُ مبكرا لاستكمال هذا التحقيق، وللخروج من حلم البارحة، إلا أنه مع الأسف لم يكن حلماً. فقد تكرر بمشاهد أطفال آخرين، بعضهم ناضج الوجع، ومنهم لا يزال وجعه طازجاً. مصطفى الأحمد القادم من ريف الرقة، من منطقة تل أبيض، الذي عثرت عليه مصادفةً، يتوسد ذراعه على أحد مقاعد الحديقة العامة. لم يكن لديه ما يمنعه من الكلام، لكنه رفض أن نلتقط له صورة. مصطفى هذا في الصف التاسع، وبسبب انتقاله من وسطه الاجتماعي بطريقة قسرية، إضافة إلى ما يترتب على حياته كنازح، لم يستطع التأقلم مع الوسط الاجتماعي الجديد، فصار يتغيب عن المدرسة، ويمضي أوقاته في الحديقة العامة إلى أن ينصرف التلامذة، فيغادر إلى البيت على أنه عائد من المدرسة. والده كان موظفا بسيطاً. عائلته مؤلفة من الأب والأم و3 بنات و4 شباب، هو الأصغر بينهم. مصطفى الذي خبّأ وطنه في جيبه، لم يفصح لي عن علاقته بأسرته، لكنه أسهب في تداول الذكريات معي. أنا وهو من البلدة نفسها. نسيته في نفسي، ونساني في نفسه، وتداولنا أنفسنا متناسين فرق السنين بين ذكرياتنا، على ما يبدو أن تل أبيض بقيت كما تركتها منذ ربع قرن. كنا كمن نلملم بقايا وطن، كنت أراقب ارتجاف أصابعه وهو يتحدث، كانت كخيوط اللهب في مواقد الشتاء، تذهب بعيدا في سردها للذكريات. حاولتُ أن آخذ الحزن من وجهه فلم أستطع، كان قد تمكن منه. غادرني بعدما فضفض لي بكل ما يرغب بأن أعرفه منه وعنه، وتركني على هامش نص أحزانه أراجع ذاكرتي. فمشكلة التلاميذ السوريين الذين تركوا مدارسهم لن تخرج منها سوريا القادمة. هم الآن ليسوا في حساب أي طرف من الأطراف الفاعلين، ولكنها غداً ستصبح من أهم المشكلات، التي تضرب بنية المجتمع.

كلٌّ منّا يحمل الآن لحافه في اتجاه الشتاء الذي يراه. غدا سيتوحد البرد، وينخر عظام المجتمع. الفعل البشري هو أساس حركة التاريخ، وعلى ما يبدو أن أحدا لم يتساءل عن المستقبل الذي سيصنعه هؤلاء الأطفال الذين تسربوا من مدارسهم، وباعوا أحلامهم على قارعة دروب اليأس. الخبر العاجل محجوزٌ الآن للقنّاص، ووكالات الأنباء. أما المحللون السياسيون فمشغولون بين موسكو وواشنطن.

… أما أولئك الأطفال فهم فرق حساب بين القذيفة والخبر العاجل.

النهار

 

 

 

أطفال سورية يستغيثون خلف القضبان/ رامي سويد

ما زال أنس (5 سنوات)، ومنى وبتول العبار (3 سنوات) في سجن عدرا المركزي في دمشق منذ اعتقالهم في شهر مايو/أيار الماضي. اعتقلت قوات النظام الأشقاء الثلاثة مع والدتهم رشا شربجي من دائرة الهجرة والجوازات في مدينة دمشق. في السجن صاروا خمسة، بعدما أنجبت الأم توأماً.

حالُ أطفال عائلة العبار لا يختلف عن حال آلاف الأطفال السوريين الذين زجت بهم قوات النظام في السجن لمجرد أنهم ينتمون إلى عائلات معينة، أو لأن أحد أفراد عائلاتهم مطلوب لأنه شارك في التظاهرات المناهضة للنظام وغير ذلك. هكذا يدفع الأطفال الثمن، من دون أي مراعاة لحقوقهم. كأن في ذلك انتقاماً باعتبار أن أطفال درعا كانوا أول من تجرأ على المطالبة بإسقاط النظام السوري.

خلال السنوات الثلاث الماضية، اعتقلت قوات النظام آلاف الأطفال خلال مشاركتهم في التظاهرات، أو من منازلهم أو مدارسهم، لتزج بهم في السجون التابعة لفروع الاستخبارات، وتُعذّب كثيرين منهم. ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقريرها الذي أصدرته قبل نحو ثلاثة أسابيع، اعتقال قوات النظام تسعة آلاف وخمسمئة طفل منذ انطلاق الاحتجاجات المناهضة لنظام الحكم في البلاد. وأكدت أن غالبية الاعتقالات كانت تتم من دون مذكرة قانونية. ببساطة، تخطف القوات الطفل بسبب مشاركته في تظاهرات أو نشاطات أخرى يعتبرها النظام مناهضة له، من بينها عمليات الإغاثة. نسبة كبيرة من الأطفال المعتقلين عُذبوا أمام أهلهم المعتقلين بدورهم، بهدف الضغط عليهم للاعتراف بما تريده الأجهزة الأمنية.

تعذيب وقتل

في السياق، يقول أحد المعتقلين السابقين لدى فرع الاستخبارات العسكرية مروان عبد السلام، لـ “العربي الجديد”: “كان هناك أكثر من ثلاثين طفلاً، أعمار بعضهم تقل عن عشر سنوات”. يلتقط أنفاسه قبل أن يتابع: “في بعض الأحيان، كان يتم ضرب الأطفال بعصا مرنة مصنوعة من مادة السيليكون. كانوا يتألمون ويصرخون. لكنْ المحققون لا يتوقفون عن ضربهم بهدف الحصول منهم على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن ذويهم وأقاربهم”.

تتفاوت أساليب التعذيب، علماً أنها قد تؤدي أحياناً إلى الموت. وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل خمسة وتسعين طفلاً على الأقل في مراكز الاعتقال التابعة لقوات النظام بسبب التعذيب الشديد، بينهم عقبة الجمعة البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، والذي اعتقل من مدينة طيبة الإمام في ريف حماه. هناك أيضاً محمد فارس الدرة الذي اعتقل من مستشفى القطيفة في ريف دمشق، حيث كان يتلقى العلاج. بالإضافة إلى الضرب والصعق بالكهرباء وغيرها من أساليب التعذيب، يتعرض عدد كبير من الأطفال المعتقلين للاغتصاب، بخاصة المراهقات.

تجدر الإشارة إلى أنه تم اعتقال معظم الأطفال من دون أية مذكرات قضائية. ولم يتم إحالة الغالبية إلى القضاء، وما زال مصير هؤلاء مجهولاً بالنسبة لأهلهم. علماً أن بعضهم تمكن من الحصول على معلومات عن أوضاع أبنائهم من خلال دفع رشى لعناصر قوات النظام المسؤولين عن فروع الاستخبارات.

في المقابل، عدد قليل من الأطفال أحيلوا إلى المحاكم العسكرية، علماً أن هذا فعل “غير قانوني” بحسب المحامي ياسين جلال. يقول لـ “العربي الجديد”: “ينص القانون على وجوب تقديم الأطفال ما دون الـ 18 عاماً، والذين ارتكبوا جرائم جنائية، إلى محاكم الجنايات، ليطبق بحقهم قانون الأحداث، الذي يتضمن عقوبات مخففة”.

يتابع جلال أن “قوات النظام التي اعتقلت آلاف الأطفال منذ انطلاق الثورة، لم تعمد إلى إحالتهم إلى أية جهة قضائية، واكتفت بإحالة البعض إلى محاكم ميدانية عسكرية، لتصدر بحقهم أحكاماً قاسية جداً ومجحفة من دون احترام لأبسط مبادئ حقوق الإنسان”.

وكان ناشطون من مدينة حمص ووثقوا حالة الطفل علاء رسلان البالغ من العمر أربعة عشر عاماً، والذي أحيل إلى المحكمة الميدانية التابعة للجيش السوري، وقد حكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً خلال جلسة واحدة. بعدها، نقل إلى سجن صيدنايا العسكري في ريف دمشق، قبل أن يتم ترحيله إلى سجن عدرا المركزي في دمشق.

من جهة أخرى، تعمد قوات النظام، في حال اعتقال الأطفال مع والدتهم، إلى فصلهم عنها ووضع بعضهم في ملاجئ للأيتام، بخاصة من هم فوق الخمس سنوات. عادة ما يحصل ذلك في حال تم إيداع الأم وأطفالها في سجن مدني. أما في حال كان السجن العسكري أو أحد فروع الاستخبارات من نصيبهم، فغالباً ما توضع الأم مع أطفالها في زنزانة واحدة من دون توفير أي شيء من احتياجات الأطفال كالحليب وغيرها.

حلب

العربي الجديد

 

 

 

 

 

«عام كارثي» لأطفال سوريا والعرب… إلى متى؟

«في سوريا تأثر أكثر من سبعة ملايين وثلاثمئة ألف طفل بالحرب الأهلية بينهم 1.7 مليون طفل فروا من البلاد. وفي العراق تأثر نحو مليونين وسبعمئة ألف طفل بالصراع بينما يقدر عدد الأطفال الذين قتلوا او شوهوا هذا العام بسبعمئة على الأقل، وفي غزة قتل نحو 538 طفلا وأصيب ثلاثة آلاف وثلاثمئة وسبعون آخرون خلال حرب الخمسين يوما بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس، بينما شرد نحو سبعمئة ألف طفل في جنوب السودان وهناك 230 ألف طفل يعيشون كلاجئين».

هذا بعض ما جاء في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أمس الاثنين اعتبرت فيه ان 2014 «عام كارثي» للأطفال الذين حوصر نحو 15 مليونا منهم في حروب تدور في العراق وجنوب السودان وسوريا والأراضي الفلسطينية وأوكرانيا وجمهورية افريقيا الوسطى.

وقال المدير التنفيذي للمنظمة أنتوني ليك إن العدد الكبير من الأزمات في العالم يعني أن الكثيرين من الأطفال أصبحوا طي النسيان أو لم يظهروا بشكل بارز في تغطيات وسائل الإعلام العالمية مثلما هو حال الأطفال في أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وباكستان والصومال والسودان واليمن.

وقال ليك في بيان «قتل الأطفال وهم يدرسون في الفصول… وهم نيام في أسرتهم… تعرضوا لليتم والخطف والتعذيب والتجنيد والاغتصاب بل حتى بيعوا كعبيد… لا تعي الذاكرة الحديثة مطلقا أن الكثير من الأطفال تعرضوا لمثل هذه الوحشية التي لا توصف.»

ويبدو جليا لكل من طالع التقرير الدولي ان الاطفال العرب، يتقدمون على غيرهم في قوائم ضحايا الجرائم والحروب التي تستهدف براءتهم وحياتهم ومستقبلهم.

الواقع ان هذا التقرير الصادم يطرح اسئلة مشروعة بشأن امكانية استمرار هكذا وضع كارثي من الناحية الانسانية خاصة في ظل حالة من الانسداد السياسي والعجز عن الحسم العسكري تكاد تمثل قاسما مشتركا بين اغلب النزاعات العربية.

وحسب الارقام، فان الازمة في سوريا او «الحرب الاهلية» كما أسمتها اليونيسف تشكل رافدا رئيسيا في هذه المأساة التي يعيشها اطفال العرب والعالم ايضا، وهو ما يجب ان يعيد فتح ملف الاوضاع الانسانية الكارثية هناك. ومن الواضح ان القرار 2139 الذي اتخذه مجلس الامن الدولي في شهر شباط/ فبراير الماضي فشل في منع تفاقم الازمة الانسانية هناك، رغم انه صدر بإجماع نادر من كافة الاعضاء.

ومن الواضح ان ثمة غيابا فادحا للإرادة السياسية جعل أطراف الحرب اكثر حرصا اما على توصيل البراميل المتفجرة او ادخال الاسلحة والمقاتلين منهم على تقديم اي مساعدة انسانية لأولئك الملايين السبعة من الاطفال السوريين الذين يدفعون ثمن صراع لا ذنب لهم فيه.

بل ان المعاناة الانسانية تزداد بشكل مضطرد، وهو ما تؤكد الاخبار المتواترة عن تعرض اللاجئين السوريين، وخاصة الاطفال، الى اشكال عديدة من الاستغلال والتجويع والاضطهاد داخل سوريا وخارجها. وبينها على سبيل المثال لا الحصر، بدء محاصرة قرية عرسال الحدودية اللبنانية ومنع وصول المساعدات اليها في عقاب جماعي على ذبح «جبهة النصرة» لجندي لبناني، وهو دون شك عمل ارهابي مدان بكل قوة. وقبل ذلك قرار من برنامج الغذاء العالمي وقف تقديم المساعدات الغذائية لنحو 12 الف عائلة سورية في الاردن، وهو ما يعني حرمان عشرات الآلاف من الاطفال من الطعام، بدعوى «نقص المساعدات الدولية»(..). فاين ذهبت المساعدات والمنح المليونية اذن؟

لقد حان الوقت ليستمع الجميع الى صوت الانسانية في هذا النزاع الدموي، بدلا من تغييبه لمصلحة مصالح ضيقة او اجندات خاصة لسياسيين او متربحين من دماء المدنيين ومعاناة الاطفال، بغض النظر عن جنسياتهم او انتماءاتهم الحزبية او الايديولوجية. ومع اقتراب النزاع المسلح من دخول عامه الرابع، وبعد سقوط أكثر من مائتي الف قتيل وتشريد ملايين النازحين واللاجئين، لابد انه حان الوقت لهدنة انسانية شاملة يفرضها المجتمع الدولي لإنقاذ ملايين الاطفال بوقف هذا النزيف.

ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لملايين الاطفال في غزة والعراق والسودان والصومال الذين ينتظرهم شتاء قارس من التشرد والجوع والمرض، بعد ان أفلتوا من القنابل والصواريخ، اذ يجب على الامم المتحدة ان تسعى عبر مبادرات محددة الى انقاذهم بدلا من الاكتفاء بالبكاء على احوالهم. الا ان المسؤولية الاساسية تبقى على العرب أنفسهم، في ان يبادروا والا ينتظروا من الاخرين ان يكونوا اكثر رحمة باطفالهم.

اننا نعيش اليوم في عصر لا تقاس فيه حضارة الامم بضخامة الترسانات العسكرية ولا ارتفاع الابراج او عدد ناطحات السحاب، بل بمدى رعايتها للفئات الاكثر ضعفا وعوزا، وخاصة الاطفال والمعوقين وكبار السن والنساء. فمتى يلتحق العرب بركب الحضارة ولو على المستوى الانساني، خاصة بعد ان تخلفوا فيما عداه؟

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى