إبراهيم اليوسفصفحات سورية

مؤتمرات للبيع…!


إبراهيم اليوسف

منذأشهر، وأنا أحاول الكتابة، عن الشَّهوة المفاجئة لدى كثيرين، في الدعوة لمؤتمرات مؤسسات مختلفة، من قبيل” مجلس”” حزب” “تيار” “ائتلاف”” تجمع” ” ملتقى” …. إلخ …، هذه التسميات الهائلة التي تذكربأسماء ماقبل ثورات المنطقة، وإذا كنت أريد هنا، تقليص مساحة الرقعة الجغرافية المتناولة، فذلك لدراسة الحالة السورية، تحديداً، وإن كنا نجد أن مثل هذه الحالة، قد تعمَّم في بلدان كثيرة، كان شق أية مؤسسة طريقها، يعدّ شجاعة كبرى من القائمين عليها.

أتذكرقبل أشهرعدة، وبعد أن اتضحت ملامح سقوط النظام السوري، بادرني أحدهم بالسؤال: ما رأيك أن أدعو لتأسيس إطارليبرالي سوري-وهو مجرد مثال هنا- فقلت له: إن مثل هذا الإطاركان موجوداً، وإن كان غيرمفعل، الآن، ثم إن أحد مناضلي “ربيع دمشق” الذين تعرضوا للاعتقال، كان قد دعا إلى تجديد مثل هذه الفكرة، والمشروع لايزال قائماً، ليأتيني بعد أيام أخرى ويقول: ما رأيك أن أدعو إلى مؤسسة تعنى بالأمرالفاني، فأعلمته أن مؤسسة بمثل هذه الأهداف موجودة، ليظل يطرح علي مسمعي مشاريع عدة، إلى أن استقررأيه، على موضوع تمت مناقشته بيني وآخرين، في غيابه، وكنت قد قلت في الجلسة نفسها: إن مثل هذا المشروع موجود، ومن الضروري تفعيل المؤسسة المعنية به، إلا أنه سرعان ما استطاع صاحبي، إقناع مجموعة صغيرة من المغرَّربهم، بعد أن رسم أمامهم أحلاماً وردية، ليعلن نبأ مؤسسته، ويكون هو تحديداً، إمامهم، وصاحب الفكرة العظيم، ما دام أي اختراع من هذا النوع، غيرمخيف، بل إن السلطات الأمنية تشجع على مثل هذه الماركات غيرالمسجلة..!. والغريب أن صاحبي هذا كنت أبذل جهداً إضافياً-في الأسابيع الأولى من الثورة- لأقنعه أن الثورة السورية، ليست مؤامرة غربية على الأمة العربية، بل والأغرب من ذلك أنه بعد عقد مؤتمره، راح يراسل هيئة التنسيق والمجلس الوطني، بل وغيرهما من هم بين بين، أوفي أقصى اليمين أو اليسار، بأنه مستعد للتعاون، وهوما أعلن عنه رسمياً.

هذه الحالة الواقعية، بتُّ أتذكرها، تماماً، كلما أجد أنه تم الإعلان عن إطارسوري جديد، أحاول عبرأجهزة الميكروسكوب البحث عن أية فوارق بينه وغيره من الأطرالموجودة، من دون جدوى، بل إن أية دراسة دقيقة لمثل هذه الظاهرة الخطيرة التي تتم في هذه الفترة الأكثرخطورة، وحساسية، حيث تراق دماء أبناء شعبنا السوري، في ساحات التحرير، ويتطلب منا رصّ الصفوف، ولم الشمل، والاتفاق على كلمة سواء، تقود إلى أن هؤلاء الذين يخرجون عن الإجماع العام، ليس لرؤى وقناعات مبدئية لديهم، إذ سبق لكثيرين من أمثال هؤلاء الخارجين عن الإجماع العام، أنهم مدوا أيديهم إلى من ينتقدونهم، الآن، لذلك، فإنه لايمكن أن يتمَّ اكتشاف أية خلافات أو خلافات بين المنشق والمنشق عنه، إلا في ما يتعلق بأسباب أنانية تافهة، يستوي هنا، من لديه تاريخ نضالي حقيقي، يعتد به، في مجال ما مثلاً، ك”حقوق الإنسان” أوغيره، بعيداً عن ممارسة السياسة اليومية، مع ذلك الذي لا تاريخ نضالياً لديه، وكان أقرب إلى أدوات النظام، من خلال المزايا التي كان يحصل عليها، تحت مسمع ومرأى هذا النظام، وإن كنت أعاجل بالقول: حتى مثل هذا الأنموذج الذي اتخذ موقفه من النظام، مع بدء الثورة، فهومناضل، ومحط احترام وتقدير.

والمؤلم، أن بعض هؤلاء الذين يجيدون أولايجيدون التنظيرعبر وسائل الإعلام، نجدهم يسوِّغون لانشقاقاتهم عن زملائهم، في أحرج اللحظات في تاريخ الثورة، وسوريا، مدَّعين أنهم يفعلون ذلك، دفاعاً عن دماء أهلنا، في الداخل السوري، هؤلاء الذين هم أحوج الآن،إلى ترجمة وحدة موقف المعارضة، كلها، هذا الكلام نفسه، قلته لفضائية سكاي نيوز اليوم 14—2012 ، بعد أن طلبوا مني التعليق على انسحاب ثلاثة زملاء من المجلس الوطني، كنت قد وجدت في إيلاءأحد هؤلاءالأهممية، من قبل زلات المجلس الوطني، وهو الشخص ذي المواقف المتشنجة، في أقل تقدير، وما أكثرأمثاله، ومكانه، هوفي مجاله الاختصاصي، لا إيلاءه أكثرما يستحق، حتى وإن كنا نجد أحياناً من هو معتقل سابق، نحني الرأس لنضاله، إلا أنه غيرجديربحمل أمانة قيادة البشر.

لا ” بعض” من شكلوا نواته الأولى، وأعدهم مسؤولين عن قبول أعضائه،”بالجملة” و” المفرق” من دون دراسة ماضي كل منهم على حدة، إذ ليس ضرورياً أن نكون جميعاً، أعضاءفي المجلس، وإنما كان من الممكن، تكليف كثيرين منا بمهمات مناسبة، إلا أن إسناد المهمة القيادية إلى الشخص، غيرالمستقر، وغيرالمتزن، حتى وإن كان” غيفارا” عصره، هو خطأ كبير، وقع فيه زملاؤنا، هؤلاء. إلا أنه، أية كانت أخطاء هؤلاء الزملاء، والمجلس الوطني، فإنه لابد من معرفة نقاط عدة أشرت إليها، في مداخلتي وهما:

1-                   إن شارع الثورة السورية، هو من زكى هذا المجلس، ورآه واجهته، وأداته للتواصل مع العالم كله.

2-                   عدم إنجازأهداف الثورة، في زمن قياسي، كما هوحال الثورات الأخرى، في المنطقة، لا يعني ضعف أداء المجلس الوطني الذي يعمل بتفان كبير، بالرغم مما قد يسجل على سلوك بعض قياداته من ملاحظات جادة، بل هناك مؤامرة على سوريا كلها، لإنهاكها، وضرب المعارضة كلها ببعضها بعضاً، خدمة لإسرائيل، تحديداً، بل إن المجلس الوطني السوري، قدم خدمات عظيمة، بالرغم من ابتلائه بمن يشق عليه “عصا الوحدة” وهوما يخدم آلة النظام الدموي.

3-                   إن النظام الدموي يسعى لمحاربة هذا المجلس، بكل مالديه، من قوة، ومن خلال تشويه رموزه، وممارسة الكذب والتضليل بحقهم.

4-                   أجل، هناك من القوى من قد يخطط من أجل ديمومة هيمنته، إلا أن فهم المعادلة الوطنية الدقيقة في سوريا، يؤكد أن لا مستقبل إلا للعقل التشاركي الذي لا يلغي الآخر.

5-                   وثمة ملاحظة لابد من ذكرها، هنا، وهي أن النظام الذي منع ترخيص المؤسسات على مدى عقود، إن لم تكن تحت عباءة الحزب القائد للدولة والمجتمع، خلق حالة ظمأ كبيرلدى المواطن السوري، لتكون له مؤسسته التي تمثله، إلا أن لا أحد يمنع من بناء مثل هذه المؤسسة، بعد سقوط النظام، لا أن تكون عبارة عن محل سوبرماركت للتجارة أو معبراً سهلاً،الوصول إلى السلطة.

وعوداً على بدء، فإنه إذا كان يسوغ-قليلاً- لمن هوذو تاريخ نضالي، في مواجهة آلة النظام، ولو-في قلبه وهو أضعف الإيمان-إلا أن ذلك المناضل الطارىء الذي انخرط في الثورة، بعد أن كسرت شوكة النظام، ولم يبدرعنه أي عمل نضالي، في مواجهة آلة النظام، من قبل..، لتنحصر مهمته في المشاركة الثورية عبردعوات إنترنيتية، أو مؤتمرات مدفوعة الثمن، من شأنها شرذمة المعارضة، وتشتيت شارع الثورة، فإن هذا يستدعي الحذرمنه، وهولايبحث إلا عن مكاسب ذاتية، إنما هو مستعدأن ينقلب على الثورة التي بات يعلن الانضمام إليها، حتى ولومع النظام نفسه، حين يرجح في لحظة فقدان الرؤية أنه سيتسمر….!؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى