صفحات سورية

مؤتمر اسطنبول للإنقاذ الوطني بين الحقائق والتسريبات


الطاهر إبراهيم

جاء مؤتمر اسطنبول للإنقاذ الوطني الذي سعت لعقده المعارضة السورية كأول لقاء يجمع هذه المعارضة بشقيها الخارجي والداخلي. فقد أريد منه أن يتم التواصل في آن واحد في كل من دمشق واسطنبول يوم السبت 16 تموز، وذلك باستخدام التقنيات الحديثة لتذليل الهامش الجغرافي الذي كان عائقا أمام إجراء مثل هذا التواصل سابقا.  

استطرادا، فقد جاء انعقاد هذا المؤتمر بُعَيْدَ مؤتمر آخر سبقه في اسطنبول نفسها، عندما قام لفيف واسع من علماء العرب والمسلمين بعقد مؤتمر، شارك فيه علماء مسلمون من الأقطار العربية والإسلامية، تداولوا فيه الرأي على مدى يومين. فقد أكد البيان الختامي للمؤتمر على أن “نصرة الشعب السوري واجب شرعي”. كما أصدر المؤتمر فتوى بوجوب (الوقوف مع ثورة الشعب السوري لاسترداد حريته وكرامته ورفع الظلم عنه). وقد اعتبرت هذه الفتوى ردا على فتاوى مشايخ السلطة في داخل سورية. وناشد البيان علماء سوريا أن ( يكونوا في الطليعة وأن يقودوا الجماهير في ثورتهم ضد النظام الظالم، محذرين المشايخ الذين يوالون النظام الظالم من عاقبة الأمور في الدنيا والآخرة).

كان من المتوقع أن يشكل مؤتمر العلماء في اسطنبول رافعة قوية لمؤتمر للمعارضة. لكن الصدمة جاءت كالصاعقة عندما قام الأمن السوري بقصف موقع المؤتمر في “القابون” (20 كيلومترا شمال دمشق)، واستشهاد أكثر من عشرين ممن وجدوا في المكان، حيث خيم ذلك بظلاله على نفوس المؤتمرين في اسطنبول، وساهم في تحجيم بعض ما كان مقررا على أجندة المؤتمر، وسأومئ إليه في ما بعد.

“حكومة الظل” التي دعا إليها الأستاذ “هيثم المالح” من دمشق كان أول بند قد أسقط من أجندة مؤتمر الإنقاذ في اسطنبول. فلم يعد واردا أن يشكل المؤتمر مثل هذه الحكومة. ولو شكلت، فربما كانت ستساهم في إثارة الشقاق في نفوس المؤتمرين. وقد أشار الدكتور”برهان غليون” في كلمته أمام المؤتمر إلى أن تشكيل حكومة “ظل” سيكون مصادرة لرأي من لم يحضر المؤتمر لسبب أو لآخر من فصائل المعارضة. لكن الذي أجهز على الفكرة كليا كان إلغاء المؤتمر في دمشق بسبب قصف موقعه من قبل أجهزة الأمن والشبيحة.

مؤتمر “أنيطاليا” قبل شهر ونصف كان يمكن أن يكون دليل عمل للمؤتمر الحالي. فقد كان مؤتمر أنيطاليا ناجحا بكل المقاييس. من قبيل الاعتراف بالفضل لأهله أن نسجل هنا أن من ساهم بتمويل مؤتمر أنيطاليا (غسان عبود وعبد الرحيم سنقر)، من دون التدخل بمجريات المؤتمر. فقد كان لهما دور في إنجاح مؤتمر أنيطاليا. حتى مؤتمر “بروكسل” كان فقد كثيرا من بريقه، لأنه لم يكن بسوية نجاح مؤتمر أنيطاليا.

حضور الأستاذ هيثم المالح المؤتمر أعطى دفعة قوية للمؤتمرين. لكن المؤتمر كان قد تعطل فيه صمام هام من صمامات القلب التي تضخ الدماء في نفوس المؤتمرين، وذلك بإلغاء الشق الأهم للمؤتمر في دمشق بقصف مقره واستشهاد أكثر من عشرين شخصا.

لم يكن محقا انسحاب بعض الأكراد –وليس كلهم- من مؤتمر اسطنبول بعد أن رُفض طلبهم بأن يشطب  كلمة “عربية” من وثيقة المؤتمر بحيث يقال الجمهورية السورية فحسب. إذ أنه تم استدراك ما أراده الأكراد عندما نص البيان الختامي أن كل مكونات الشعب السوري هم شركاء في الوطن.

ما قيل عن بحث العشائر عن تمثيل أكبر في مؤتمر اسطنبول كان فقاعة صابون أثارها أحد “المتسلقين”  بعد أن خلت القوائم الثلاث التي شكلت من اسمه، ولأن كان قد حشر نفسه في خريطة العشائر، ليكسب أصواتهم فقد حرض بعض أفراد العشائر المشاركين في المؤتمر. وقد اتبع نفس الأسلوب في مؤتمر أنيطاليا حيث لم تضمه القائمة الفائزة في انتخاب اللجنة المتابعة لمؤتمر أنيطاليا، ما جعله يرفع صوته في المؤتمر.

قصور اللجنة المنظمة

لم تستطع اللجنة المنظمة أن تكون على مستوى المؤتمر، رغم أن رئيسها كان رجلا فاضلا، وعلى مستوى عال من احترام الذات. لكنه تسبب في وجود ثغرات في إدارة المؤتمر. فقد تم تشكيل ثلاث قوائم لانتخاب واحدة منها لتشكيل اللجنة المنبثقة عن المؤتمر. وقد حاول من لا حظ له في النجاح الالتفاف على القوائم فطلب من الأستاذ “هيثم المالح”أن يشكل قائمة تحظى من الجميع بالقبول – كما زعم – حيث أدخل اسم “المتسلق” فيها. (كيف يشكل الأستاذ المالح قائمة وهو لا يكاد يعرف إلا نفرا قليلا من المشاركين لا يجاوز العشرة).

القائمة التي زعم أن الأستاذ المالح شكلها لم تنجح أثناء التصويت. فقد صوت لها أقل من ثلث المشاركين في المؤتمر. وكان النظام يقضي عرض القوائم الأخرى على التصويت، فإن فشلت أعيد التصويت على قائمة الأستاذ “المالح”. لكن رئيس اللجنة المنظمة خضع للابتزاز، فطلب التصويت ثانية على قائمة الأستاذ المالح. ورغم أنه لم يتم إحصاء الأيدي المرفوعة، فقد اعتبرت القائمة ناجحة. ولو اعترض أحد المشاركين على قانوني التصويت لاعتبرت اللجنة الفائزة مطعونا في شرعيتها، لكن أحدا ما كان يريد أن يسجل على المؤتمر أنه فشل.

لم يكن حضور الإسلاميين طاغيا. ولم يكن عدد الإسلاميين في اللجنة المنتخبة لافتا للنظر. وقد دعت عدة جهات إلى حضور المؤتمر. ولا جديد لافتا في توصيات المؤتمر زيادة عما جاء في توصيات مؤتمري أنطاليا وبروكسل.

انعقاد مؤتمري أنطاليا وبروكسل قبل ذلك خطف البريق والبهرجة الذي كان سيحظى بهما مؤتمر اسطنبول فيما لو عقد قبلهما. بل إن البعض كان قد أشار إلى أن تتابع ثلاثة مؤتمرات للمعارضة السورية خلال شهر ونصف لم يكن ناحية صحية، إذ لا جديد يستدعي مراكمة كل هذه المؤتمرات في هذه الفترة القصيرة.

الطاهر إبراهيم: كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى