صفحات الثقافةممدوح عزام

ماذا تعني بكلمة رأي؟/ ممدوح عزام

 

 

يردّد الناس بيت المتنبي الذي يقول: “الرأي قبل شجاعة الشجعان/ هو أولٌ وهي المحلّ الثاني”. ومن غير المؤكد أنه يعبر عن إيمان بحرية الرأي، أو الدعوة إلى احترام الرأي، قبل استخدام السيف. بقدر ما يتضمن ترسيخاً لرأي الأمير. بينما يقدّم الشريف الرضي موقفاً آخر لم يشتهر في التاريخ، وهو أكثر إنسانية وأخلاقية من موقف المتنبي.

فقد عرف عن الرجل أنه ظلّ طوال عمره يرتبط بصداقة حميمة مع الكاتب إبراهيم بن هلال، وهو من الصابئة. وقد سجن لسنوات بسبب رفضه التخلّي عن معتقده. وحين مات رثاه الشريف، على الرغم من أنه كان يختلف معه في المعتقد الإيماني، وفي الرأي: “أعلمت من حُملوا على الأعواد/ أرأيت كيف خبا ضياء النادي”.

وفي الستينيات كانت مجلة “الطليعة” المصرية تضع في صفحتها الأولى عبارة شهيرة لفولتير هي: “قد أختلف معك في الرأي، ولكنني على استعداد لأن أدفع رأسي ثمنا لحقك في الدفاع عن رأيك”.

يتضمّن قول فولتير مجازاً مرفوعاً إلى حدود المستحيل. فمن الصعب على البشر الذين يرددونه أن ينفذوه حرفياً. إذ لا يتقبل أحد أن يضحي بنفسه من أجل حرية الآخر الذي يخالفه الرأي.

بينما يسجل تاريخ الأفكار الكثير من حالات التضحية بالنفس دفاعاً عن المعتقد الشخصي، سواء كان عقيدة دينية، أو دنيوية. غير أن الرأي الفولتيري يشمخ بقوة أخلاقية في مواجهة من يدعو، أو يوافق، على قتل الآخر بذريعة الاختلاف في الرأي. ويمكن أن نضيف اليوم إليه الاختلاف في المذهب والطائفة والقومية. والخطير هنا أننا قد نعثر على من يضحي بنفسه، كي يقتل الآخر المختلف.

وفي الحالتين، أي في حالتي التضحية بالنفس، تبدو الفكرة أكثر قيمة من الجسد. وهي في الغالب تشير إلى أن اليقينيات الفكرية والدينية تتمتع بقوة بقاء أشد من الوجود البشري. والغريب أن يكون البشر أنفسهم هم الذين استنبتوا واستثمروا هذه المطلقات في حياتهم.

وقد شاعت في الأوساط السياسية والثقافية السورية، في تسعينيات القرن العشرين، فكرة تقول: “لا أحترم رأيك، ولكني مستعد للدفاع عن حقك في هذا الرأي”. وهي تلاعب لفظي، يخفي الرغبة في قمع الرأي، أكثر مما يدعو إلى الحق في إبدائه.

والمرجح أنه كان يعكس حالة الارتباك الفكري التي سادت الثقافة العربية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتدفق أفكار الليبرالية التي تدعو إلى حرية الرأي.

يتداول السوريون نكتة تقول إن سورياً سُئل ذات يوم: ما رأيك في الديمقراطية؟ فردّ قائلا: ما معنى كلمة رأي؟غير أن تجذّر فكر القمع، والعقائد الشمولية، لم يستطع أن يحتمل فكرة بسيطة من نوع احترام حرية الرأي، إذ لم يكن أكثر من كذبة فكرية، تحاول التملّص من إرث القمع، باستعارة أثواب أخرى، وإعادة تفصيلها من جديد بحسب الممكن والمتاح. وثمة من يتذرع بعبارة مضحكة مثل: “عدم نشر الغسيل الوسخ” كي يمنع الرأي المختلف، خاصة ذلك الذي يتعرّض للمحظور، أو الممنوع في الحياة والفكر.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى