صفحات سوريةميشيل كيلو

ماذا تنتظره المعارضة كي تصحح مسارها ؟

 

ميشيل كيلو

قبل التفكير بالسؤال الذي غالبا ما يطرح نفسه حول وحدة المعارضة ، من الضروري طرح السؤال الحقيقي الوحيد اليوم ، وهو : ماذا تنتظر المعارضة كي تصحح مسارها ، الذي يتبين كل يوم أنه خطأ من ألفه إلى يائه ؟.

لن أحاول الإجابة على هذا السؤال قبل إبداء ملاحظتين :

– أن المعارضة لم تتحد رغم مرور قرابة عامين على مذابح مروعة يرتكبها النظام ضد عامة المواطنات والمواطنين وفي كل مكان من أرض سوريا ، ورغم تصاعد المد الشعبي السلمي خلال العام الأول ، والمقاوم خلال العام الثاني ، وما كان يجب أن يمليه هذان التطوران من انعكاسات إيجابية ومرتسمات فكرية وسياسية وممارسات عملية على دور ووظائف وعلاقات أطراف المعارضة . بدل أن تتحد ازدادتةالمعارضة تمزقا وتهافتا وحيرة وضياع رشد ، بدل أن تخرج من المأزق الذي وجدت نفسها غارقة فيه عند بداية الحراك ، ولو فكرت ولو مجرد تفكير بالخروج منه لوجدت نفسها أمام مهام واحدة أو متماثلة من شأنها أن تقرب بينها ، بل وترغمها على السير نحو أهداف ودروب واحدة .

– لم تتحد المعارضة لأنها لم ترتقي إلى مستوى الشعب ولم تخرج من البلبلة التي أغرقتها فيها أدوار خارجية – تركية وعربية – استسلمت لها ، وبنت عليها اوهاما تبين أنها قاتلة ، لا تجد ما تفعله اليوم غير إنكار حقيقة لا يرقى إليها شك هي أنها آمنت بها وضللت السويات والسوريين من خلالها . ولم تتحد رغم سياسات النظام الأمنية / الحربية، التي صار جليا أن لا هدف لها غير تمزيق الشعب أربا وتدمير البلاد بيتا بيتا وشارعا شارعا، كي لا تستلمها الثورة إلا ركاما ، في حال انتصرت ، كما قال بشار الأسد للأمير طلال ارسلان في لقاء جمعهما ، واللواء علي مملوك لأعضاء غرفة تجارة دمشق : ” بدكن السلطة ، ما رح نسلمكن سوريا إلا ركام “. لو كانت هناك إمكانية لثني الأسد وبطانته عن سياساتهم التدميرية ، لوجدت خلافات المعارضة شيئا من التبرير ، ولأقنعنا أنفسنا بضرورة وجود تيار داخلها يجب أن يكون مستعدا لملاقاة حل سياسي يقدمه النظام في مرحلة ما من الصراع ، ولاطنفينا بدعوته إلى التنسيق الوثيق مع غيره من تياراتها ، كي يعزز مركزه التفاوضي بفضل دعمها ، وتعزز هي مركزها عبر تأييده . لكنه لا يوجد في الواقع اي شيء من هذا ، فالنظام ذاهب إلى نهاية شوط العنف ، وهو يصعد إجرامه من لحظة لأخرى، ويستخدم كل ما يملكه من وسائل وأدوات وفنون القتال ضد الشعب الأعزل، وينفذ عمليات عسكرية لا هدف لها غير القتل ، كقصف الأفران والجامعات والمساجد والأحياء السكنية ، وخاصة منها الفقيرة والمكتظة بالناس والهشة البناء . فضلا عن انه لا يوفر أحدا ، وخاصة الأطفال والنساء ، ولا يترك خطا أحمر إلا وتجاوزه ، في الطريق إلى تحويل سوريا ، وطننا الذي ليس وطنه ، إلى ركام لن يبقى فيه حجر فوق حجر ، إن لم يوقفه أحد أو أمر ما عند حده خلال اسابيع قليلة .

إذا كانت المعارضة لم تصحح مسارها خلال عامين هذه سماتهما ، فهي لن تصححه أبدا . لذلك يكرر السوريون بيأس ما يقوله اللسان الشعبي : فالج لا تعالج . لا تعالج اوضاع المعارضة ، ولا تعالج احتمال تغيير سياسات النظام ، فليس هناك أي علاج لحالتي الفالج هاتين، مع أن ما يفعله النظام كان يجب أن يجبر الوان وأطياف المعارضين على الوحدة في كل شيء ، وعلى إجراء مراجعة دورية لمواقفهم ، حتى إن بقوا مستقلين تنظيميا . لكن انعدام الشعور بالمسؤولية وبالواجب ، جعل المعارضة تتصرف وكأنها ليست سورية ، أو كأن النظام لا يدمر بلادها، وحصرت اهتمامها بالثانوي والقليل الأهمية من الأمور حتى غرقت في التفاهة والسلبية حيال وطنها ، واهتمت غاليا بجزئيات تتصل غالبا بمصالح وانتماءات سياسية وفئوية دنيا خاصة بكل فصيل من فصائلها ، جعلتها ملاحقتها تنغمس في خلافات مفتعلة قلبت تبايناتها إلى تناقضات حلت بالتدريج محل تناقضها العدائي المفترض مع النظام ، وتضخمت او ضخمت باضطراد حتى شحنت علاقاتها بتوترات متجددة دوما ، فامتلأت صلاتها وسياساتها بالمؤامرات والكمائن واخضعت لأنواع مختلفة من الضرب تحت الحزام ، سواء تعلق الامر بالأقوال أم الأفعال. ومن يراقب كم من الوقت والجهد صرف على خلافات المعارضة ، يخال أنه لا يوجد في سوريا نظام يقتل أهلها ويبيد قراها وبلداتها ومدنها ، وأن بلادنا تنعم بالحرية والأمان فلا بأس على المعارضة إن هي اختلفت على كل شيء ، حتى إن كانت مكشوفة أمام السلطة وعاجزة عن فعل أي شيء مفيد للشعب .

والآن : إذا كان تصحيح مسار المعارضة مستحيلا لأسباب داخلية وخارجية لم ينجح احد منها في تخطيها رغم النظام الاستبدادي الذي لا يتوقف عن ابادة شعبه ، هل يصير ممكنا بسبب مواقف الخارج من الأزمة السورية ، التي شهدت تطورا خطيرا خلال الاسابيع الماضية ، يهدد بتقريب السياسة الأميركية من الروسية بدل أن يقرب الروسية من الأميركية ، عقب إعلان واشنطن عن وضع “جبهة النصرة “على قائمة المنظمات الإرهابية ، وبروز تحفظ ملحوظ في سياسات العرب المؤيدة للثورة والمقاومة يمكن أن يبدل أولوياتهم تجاهها وخياراتهم المعادية للنظام، مع ما سينجم عن ذلك من نتائج وخيمة بالنسبة إلى شعب سوريا ، تحتم الوطنية أخذها بالحسبان من الآن فصاعدا، ومواجهتها بعقلية تركز أولوياتها على إعادة تنظيم الداخل بطرق تتيح له تجاوز الحقبة الصعبة القادمة ، وإقناع العالم بقدرته على امتلاك مقومات ذاتيه يواصل ثورته بمعونتها مهما كان الظرف الخارجي ، وتحويل مطالبه إلى مسألة يصعب القفز عنها أو تجاهلها ، فإما أن يستجاب لها أو أن تكون هناك مشكلة تتحدى العالم بما ستثيرة من تهديد للأمن والسلام في طول المنطقة وعرضها . على المعارضة ان تقول لمن يريد ان يسمع : إذا كان نظام الاسد قد ابتز العالم من خلال تخويفه من مخاطر الصراع الطائفي داخل سوريا وفي محيطها العربي القريب ، ونقل معركته ضد شعبه إلى خارج حدوده ، فإن شيئا لا يجوز ان يمنع المعارضة من بالتهديد بنقل االأزمة السورية إلى جميع دول الجوار ، القريبة منها والبعيدة ، إن كانت القدرة على توسيع الصراع هي المعيار الذي يرسم العالم سياساته في ضوئه حيال المعضلة السورية، ويغريه باتخاذ مواقف انسحابية منها ، رغم إجرام النظام وخطورته على الأمن الإقليمي والدولي والسلام العالمي واستقرار دول المنطقة .

إذا ما قرر العالم التخلي عن الثورة السورية والانحياز إلى النظام بحجة غلبة الاصولية والتطرف عليها ، يكون من واجب المعارضة القيام بالخطوات العملية الضرورية لتهديد مصالح حلفاء وداعمي النظام والساكتين عن جرائمه وسياساته في طول العالم العربي والاسلامي وعرضهما ، على ان تنفذ قرارتها خلايا سرية تنشر في كل مكان داخل وخارج سوريا ، تنجز ما تكلف به ضد أي طرف او مرفق . وإذا كان الشعب السوري سيباد على يد نظامه في ظل تواطؤ وصمت الكبار دوليا وإقليميا ، فإنه لا يبقى للسوريين غير الدفاع عن انفسهم ضد هؤلاء أيضا ، انطلاقا من أرضية جديدة يملي قيامها عليهم تناسي تنظيماتهم والانخراط في حركة مقاومة عامة وموحدة تحمل اسم سوريا وشعبها ، ما دام أي طرف منهم لن يخرج رابحا من المعركة الراهنة ولا يقدر على خوضها بمفرده ، على أن توضع قبل هذا وذاك استراتيجية مواجهة شاملة شعارها المعلن : ” كل شيء للشعب ولا شيء للنظام “، بما ان معركتهم لن تدور عندئذ حول صراعهم مع السلطة وحدها ، وتفرض عليهم التصدي للفشل المحتمل عبر ردع كل من يتواطأ مع السلطة في الخارج ، وتصليب بنيتهم الذاتية وتحويل صفهم الموحد إلى جبهة يصعب اختراقها ، تعمل على قلب رجل واحد لهدف وحيد هو بناء ميزان قوى داخلي لصالحهم وتغيير مواقف العالم من صراعهم المشروع مع نظامهم ، وقبوله قيام نظام ديموقراطي على انقاضه ، علما بأن تحقيق هذه الأهداف يتوقف على العامل الذاتي ، على ترتيب ساحة المعارضة السياسية والعسكرية بطريقة تمكنها من خوض قتال مفتوح يمكن أن يستمر لأمد غير محدود ، يدوم بفضل الاكتفاء الذاتي في كل شيء : من المال والسلاح الى الدواء والغذاء ، بما ان شعب سوريا لن يكف عن القتال إلى أن يسقط الظلم والاستبداد ونظامهما .

هل يمتلك السوريون الموارد الكفيلة بتحقيق هذا الاكتفاء دون معونة أحد ، وهل ينجزون استقلالية تضعهم خارج قبضة الآخرين وبمنأى عن تأثيرهم ؟. لا شك لدي في ذلك ، ولا شك أيضا في أنهم يفتقرون اليوم إلى هذين العاملين كليهما، وأنهم لا يملكون أي قدر من الاكتفاء الذاتي ولا يفكرون بامتلاكه، وليسوا مستقلين او خارج قبضة من يريد التحكم بهم وتسخيرهم لخدمة أهدافه ، ويحول لهذا السبب ايضا بينهم وبين تصحيح اخطائهم ومراجعة مسارهم .

هل تغير أطراف المعارضة مواقفها من قضيتها الوطنية ، في ضوء مستجدات إن قربت العالم من النظام وضعت شعبنا بين مطرقته وسندان خارج يرى مصالحه وحدها ، يضخم خطر الأصولية في بلادنا وعلى المنطقة والعالم كي يغير موقعه من الصراع الدائر عندنا ؟.

رسم بشار الاسد استراتيجية سبق لي أن تحدثت عنها قبل أشهر في مقالة نشرتها جريدة ” السفير ” تحت عنوان “استراتيجية النظام “، تقوم على ممارسة قدر متعاظم من العنف ضد الشعب يدفع به الى تطرف متزايد يصل به إلى أقصى حدود الأصولية ، يمكن عندئذ النظام من ان يخير العالم بينه ، وهو الذي دمر سوريا لصالح إسرائيل وبعض الغرب ، وبين ” الأصولية الإسلامية ” التي يخشاها العالم ويخاف ان تكرر في سوريا تجربة العراق ، وان تجعل الارهاب إقليميا بنقله الى بلاد الارافدين ومنها الى الكويت فالسعودية والامارات ، وفي حساباته أن هذه الدول ستختار الإبقاء عليه بشفاعة اسرائيل ودعمها ، خاصة وانه مستعد لتحمل اعباء المعركة ضد الأصولية بالنيابة عنها .

هل وصلنا إلى هنا ، وهل يجوز لنا ان يبقى سياساتنا على ما هي عليه ، وأن نظل مشتتين متصارعين ، أن كنا قد وصلنا ، أو في طريق الوصول حقا إلى هذا المنعطف ، الذي تؤكد وجوده دلائل ونذر جدية كثيرة ؟.

أيها المعارضون : اتحدوا ، اتحدوا ، وإلا ذهبت ريحكم وأسهمتهم بنصيب وافر جدا في قتل شعبكم !

أورينت نت

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اي تصحيح! النظام مجرم ومتعامل مع الخارج والمعارضة تقوم تماما بما يقوم به النظام ومن يعترض يقولون له ان النظام يفعل ذلك. يعني كما يفعل الصهاينة مع الفلسطينيين والحجة انهم انظلموا سابقا. يا سيد ميشيل حتى لكلمات الملطفة من قبيل; تجاوزات, اخطاء, عدم ادراك, جهل, عناصر مندسة. الخ… كل هذا لن يشفع لك وسيلقبونك بالمتخاذل وهم انفسهم بعد شهر او شهرين سيعرضون ما عرضته الان على انه واقعية. لذلك انصحك ان تسمي الأشياء بأسمائها. القتل جريمة وليس تجاوز, الخطف جريمة وليس عدم مسؤولية, الارتهان الى الخارج خيانة للبلد وليس خطأ, عدم الرد على غارة اسرائيل هو ذل وخنوع من الطرفين المعارضة والنظام. وشكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى