صفحات سورية

ماذا حققت الثورة السورية بعد عام؟


زارا مستو

إن ما يحدث في العالم العربي عامة والسوري خاصة فاق كل تصورات المحللين والسياسيين, حتى صموئيل هنتجتون نفسه في كتابه “الموجة الثالثة” عندما رشح المناطق التي من المحتمل أن تشهد فيها ثورات استبعد العالم العربي منها تماما, والآن بعد سنة كاملة من استمرار الثورة في سوريا, نستطيع القول إن الثورة السورية استطاعت أن تثبت للعالم أجمع بأن الشعب السوري يسعى نحو التغيير الديمقراطي, وتفكيك بنية النظام السياسية والأمنية والفكرية لبناء دولة تعددية ديمقراطية علمانية, تكون لكل السوريين.

إن ما يجري في سوريا ثورة شعبية سلمية, بكل المعايير, وليست احتجاجات مناطقية محصورة في بقعة ما, كما يصفها النظام, لأنها تشمل المكونات والفئات كلها, تشارك فيها بشكل فعال, وليست مختزلة في مكون واحد.

إن هذه الثورة فرضت آليات وأدوات جديدة لقيادة الحراك في سوريا, وإذا كان عامل الخوف هو أحد أدوات النظام لقمع الحراك السلمي في سوريا منذ أربعين سنة, فإن الشعب السوري استطاع أن يسقط هذا الحاجز, ويستمر في حراكه الثوري السلمي, متحديا آلة القمع بصدوره العارية .

واستطاعت هذه الثورة أن تفرض شعارات موحدة, ومن خلالها وحدت المكونات السورية كلها, وأيضا فضحت كل حجج واتهامات النظام بصدد الثورة, بالإضافة أنها أسقطت شرعية النظام وطنيا ودوليا بعد أن اختار النظام الحل الأمني والعسكري في تعاطيه مع الثورة. لم تبق منطقة في سوريا وإلا شاركت في الثورة, حيث غطت المدن والقرى السورية كلها.

وإذا كان النظام قد راهن واستفاد أيضا من تفكك المعارضة في إطالة أمده فإن هذه الثورة أجبرت معظم المعارضة السورية على توحيد نفسها في إطار واحد, ليمثله في المحافل الدولية.

وأرغمت أيضا القوى العظمة في العالم ليقف إلى جانبها ليكون ممثلا شرعيا للشعب السوري عوضا عن شرعية النظام, وأحرجت النظام وحلفاءه في المحافل الدولية.

مخاطر الثورة وتحدياتها

لا شك أن لكل ثورة عيوبها ومخاطرها, فإن التحدي الأكبر هو أن تتجه الثورة نحو حرب طائفية في بعض المناطق, وهذا ما يسعى إليها بعض الأوساط في النظام ليبرر له القمع من جهة وتشويه سمعة الثورة من جهة أخرى, وهناك بعض الأوساط في المعارضة تنحو المنحى نفسه لتستفيد سياسيا فضلا عن تدخلات البعض في الخارج لبث سمومه في جسد الثورة السورية طائفيا, وإلا ما معنى أن تبث إحدى الفضائيات بالقول إن الدم السني واحد, في الوقت أن هذه الثورة جاءت لتزيل هذه المفاهيم.

النظام نفسه يريد أن يطغي نعت عسكرة الثورة عليها لقمعها ووأدها, وليبرر لنفسه ارتكاب الجرائم بحق العزل, هناك أشكال نضالية سلمية أخرى تستطيع الثورة تقوي بها وضعها, كالعصيان المدني والتظاهر والضغط الدولي, وإذا كان بعض المناطق تحولت إلى ساحات اقتتال فهذا نتج عن انشقاق جنود من الجيش النظامي نفسه نتيجة القمع غير المبرر للمدن والبلدات, وهذا يتحمله النظام تداعياته ونتائجه, فالحوار هو الحل الوحيد للأزمة في سوريا إلا أن النظام لا يزال يراهن على الحل العسكري والأمني, وفي النهاية الخاسر هم السوريون كلهم, وليس هناك بديل عن فكرة الحوار, ولكن إصرار النظام سيصل البلد إلى ما لا يحمد عقباه.

إن استمرار الثورة سلميا سيحرج النظام أكثر دوليا, وسيجبره في النهاية عن تخليه للسلطة وقبوله بنظام ديمقراطي تداولي تعددي.

انخراط الكورد في الثورة

انخرط الكورد منذ الشرارة الأولى في الثورة, ولا تزال المناطق الكوردية تشهد المظاهرات العارمة, فالمشاركة الكوردية لها أهمية كبرى, لأن الكورد مكون مختلف فمشاركته له دلالة وطنية وسياسية, وحاول النظام تحييد الكورد واستمالته إلا أن الشعب الكوردي رفض هذا العرض كليا, وأكد الكورد مرارا أن مصلحة الشعب الكوردي في انتصار القضية الديمقراطية في سوريا, وليس مع نظام لا يعترف بحقوقه.

سياسيا يتوجس المجلس الوطني الكوردي والأطراف الكوردية الأخرى من مواقف بعض أطراف المعارضة السورية, لأن غموضا يلف مواقفها تجاه قضية الشعب الكوردي في سوريا, فإن المكونات السورية كلها بحاجة إلى مشروع شفاف وصريح يضمن حقوق المكونات جميعها, يكون هذا المشروع بمثابة دستور بينهم, ولهذا لا تزال المشاورات واللقاءات مستمرة بين الأطراف جميعها.

هناك حراكان في الساحة الكوردية, حراك ميداني شعبي منخرط في الثورة بدون أي قيد أو شرط, وهناك حراك آخر هو سياسي قائم ولقاءات مستمرة مع كافة أطراف المعارضة للوصول إلى صيغة مشتركة حول تحديات المستقبل, ومنها حول قضية الشعب الكوردي, وحلها وفق المعايير الدولية, ولرسم مستقبل البلاد معا, فالحراك الكوردي أصلا فعّال, والكرة في ملعب المعارضة السورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى